السّؤال: هل تفسّر المعجزات المنسوبة إلى حضرة المسيح بحسب المعاني الظّاهريّة للألفاظ أو أنّ لها معانٍ أخرى وقد ثبت علميّاً أنّ حقائق الأشياء لا تتغيّر وأنّ جميع الكائنات خاضعة لقانون ونظام كلّيّ لا تتخلّف عنه أبداً ولهذا لا يمكن خرق القانون الكلّيّ.
الجواب: إنّ المظاهر المقدّسة الإلهيّة هم مصادر المعجزات ومظاهر الآثار العجيبة فكلّ أمرٍ مشكل وغير ممكن يصير ممكناً وجائزاً بالنّسبة إليهم، لأنّه بقوّة خارقة للعادة يظهر منهم خارق العادة، وبقدرة ما وراء الطّبيعة يؤثّرون في عالم الطّبيعة، ومنهم جميعاً قد صدرت عجائب الأمور، ولها في الكتب المقدّسة اصطلاح خاص، في حين أنّ المظاهر الإلهيّة لا يعلّقون على تلك المعجزات وعلى تلك الآثار العجيبة أيّة أهميّة، حتّى أنّهم لا يريدون ذكرها، لأنّنا لو اعتبرناها أعظم برهان على صدقهم لكان ذلك حجّةً وبرهاناً بالنّسبة لمن كان موجوداً وشهد المعجزات دون سواه، فمثلاً لو تروى معجزات حضرة موسى وحضرة المسيح لشخص طالب للحقيقة غير مؤمن بهما فإنّه ينكرها ويقول قد رويت أيضاً عن الأصنام آثار عجيبة بشهادة خلق كثير ودوّنت في الكتب، وقد كتب البراهمة كتاباً دوّنوا فيه الآثار العجيبة التّي صدرت من برهما، فيقول الطّالب أيضاً ومن أين نعرف صدق اليهود والنّصارى وكذب البراهمة فكلاهما رواية وكلاهما خبر متواتر وكلاهما مدوّن في الكتب وكلاهما يحتمل الصّدق والكذب، وبمثل هذا يقال فيما ترويه الملل الأخرى، فإن صدق أحدها لزم صدق الآخرين وإن قبل أحدها وجب قبول الباقين، فمن أجل هذا لا تكون المعجزات برهاناً وإن صحّ أن تكون برهاناً للحاضرين فلا يصحّ أن تكون حجّة على الغائبين، أمّا أهل البصيرة في يوم الظّهور فهم يعتبرون جميع شؤون مظهر الظّهور معجزات لأنّها تمتاز عمّا سواها وما دامت ممتازة فهي خارقة للعادة.
فحضرة المسيح رفع العلم الإلهيّ أمام من على الأرض وقاومهم جميعاً فريداً وحيداً بدون ظهير ولا نصير ولم يكن له جند ولا جيوش بل كان مضطهداً مظلوماً، ومع هذا ففي النّهاية غلب الجميع ولو أنّه صلب في الظّاهر، فهذه القضيّة معجزة محضة لا يمكن إنكارها أبداً فلا حاجة بعدئذٍ إلى برهان آخر يثبت أحقّيّة حضرة المسيح، وليس للمعجزات الظّاهريّة أهمّيّة لدى أهل الحقيقة، فمثلاً لو صار الأعمى مبصراً فإنّه في النّهاية سيفقد بصره ثانياً عندما يموت ويحرم من جميع الحواس والقوى، فلا أهمّيّة إذاً لإبصار الأعمى، إذ أنّ هذه القوى مصيرها أن تزول، وكذلك ما فائدة إحياء جسم الميّت الذّي سيموت مرّةً أخرى.
أمّا الأهميّة ففي إعطاء البصيرة والحياة الأبديّة أي الحياة الرّوحيّة الإلهيّة، لأنّ هذه الحياة الجسمانيّة لا بقاء لها ووجودها عين العدم، مثال ذلك أنّ حضرة المسيح يقول في جواب أحد التّلاميذ "دع الموتى يدفنون الموتى المولود من الجسد جسد هو والمولود من الرّوح فهو الرّوح" فلاحظوا أنّ تلك النّفوس مع أنّها قد كانت أحياءً بالأجسام إلا أنّ المسيح اعتبرها أمواتاً، لأنّ الحياة هي الحياة الأبديّة والوجود هو الوجود الحقيقيّ، فمن أجل هذا لو ذكر إحياء الموتى في الكتب المقدّسة، فالمقصود أنّهم نالوا الحياة الأبديّة وكذلك لو ذكر إبصار العمى فالمقصود من هذا الإبصار هي البصيرة الحقيقيّة، وكذلك لو ذكر إسماع الصّمّ فالمقصود حصول السّمع الرّوحيّ ونيله السّمع الملكوتيّ وهذا ثابت بنصّ الإنجيل حيث يقول حضرة المسيح "هؤلاء مثل الذّين قال عنهم إشعيا لهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها وأنا أشفيهم" وليس المقصود من هذا أنّ مظاهر الظّهور عاجزون عن إجراء المعجزات بل هم قادرون ولكنّ المقبول والمهمّ لديهم هو البصيرة الباطنيّة والسّمع الرّوحاني والحياة الأبديّة، فعلى هذا ما جاء في أيّ موضع من الكتب المقدّسة من أنّ أعمى صار بصيراً معناه أنّه كان أعمى الباطن وفاز بالبصيرة الرّوحانيّة، أو كان جاهلاً فصار عالماً أو كان غافلاً فصار متنبّهاً أو كان ناسوتيّاً فصار ملكوتيّاً، وحيث أنّ هذه البصيرة والسّمع والحياة والشّفاء كلّها أبديّة لهذا كانت ذات أهميّة، وإلاّ فما أهميّة الحياة الحيوانيّة وقواها وقدرها وشأنها التّي هي كالأوهام تنتهي في أيام معدودة، مثلاً لو أضيء سراج مطفأ فإنّه لا شكّ ينطفئ مرّة أخرى أمّا نور الشّمس فمضيء دائماً، وهذا هو المهمّ.