المساواة بين الجنسين
في يوم الثّلاثاء الموافق 14 تشرين الثّاني 1911 ألقى حضرة
عبد البهاء الخطبة التّالية في منزله المبارك في باريس:
هو الله
جميع الكائنات الموجودة على الأرض تتألف من ذكور وإناث، ولا فرق بين ذكورها وإناثها. فإذا نظرنا إلى عالم النّبات وجدنا ذكورًا وإناثًا، ووجدنا أنّ بينها مساواة، وأنّه لا امتياز لفريق على فريق بل إنّها جميعًا متساوية في جميع الكمالات النّباتيّة. وكذلك إذا نظرنا إلى عالم الحيوان فنجد ذكورًا وإناثًا لا تمايز بينها، ونرى أنّها متساوية في جميع المراتب ومتشاركة في جميع الوظائف الحيوانيّة. ولكن عندما ننظر إلى عالم الإنسان فإنّنا نرى تفاوتًا، فنعجب لهذا التّفاوت، أهو خلقيّ أم بسبب التّربية، ونتساءل: هل جنس الذّكور ممتاز عن جنس الإناث والله خلقهما دون تفاوت؟ ولماذا وُجد هذا التّفاوت؟ لا ريب أنّه ناتج عن التّربية. فلو تربّت النّساء مثل تربية الرّجال لأصبحن مثل الرّجال، بل لفقنهم في الإحساسات والمشاعر. فقلوب النّساء أرقّ من قلوب الرّجال، ولكنّ النّساء تخلّفن لأنهن حتّى الآن لم يفزن بالتّربية، فيجب أن تتربّى النّساء كما يتربّى الرّجال، ولا شكّ أنّهن يصلن إلى درجة الرّجال.
ولما كانت المرأة عضوًا عاملاً في الهيئة الاجتماعيّة فإنّ الله لا يرضى بألاّ يصل هذا العضو المهمّ إلى منتهى الكمال، كما أنّ العدل أيضًا يقتضي أن يتساوى النّساء والرّجال، وأن يظفر الفريقان بتربية واحدة، ويقوم كلّ فريق بوظيفته على الوجه الأكمل.
إنّ الله لا يفرّق بين الرّجل والمرأة. بل إنّ أقربهما إليه من كان قلبه أشدّ استنارة ومن كان إيمانه به أعظم.
فيجب عليكنّ إذن أن تجتهدن –آناء اللّيل وأطراف النّهار- في اكتساب الكمال، حتّى تساوين الرّجال في فضائل العالم الإنسانيّ، وحتّى تبلغن من الرّقيّ في جميع شؤون العالم الإنسانيّ ما يجعل الرّجال يشهدون بأنكنّ مساويات لهم. إّن النّساء في أوروبّا قد بلغن درجة عالية من الرّقي إلاّ أنهنّ لم يبلغن بعد درجة الرّجال. وإنّني لآمل أن يبلغنها، عند ذاك يكمل العالم الإنسانيّ. لذلك لا بدّ من بذل الهمّة الكبيرة، والسّعي من أجل تحصيل العلوم، والاجتهاد في إدراك حقائق الأشياء، كما ينبغي عليكنّ أن تبذلن أقصى الجهد في سبيل اكتساب فضائل العالم الإنسانيّ، وأن تعلمن أن الفضل الإلهيّ شامل لَكُنَّ ومحيط بكنّ.
وعندما ترتقي النّساء إلى الدّرجة الّتي تجعل الرّجال يعترفون بأنّ النّساء مساويات لهم ينتهي الجدال ويبطل النّزاع كما أنّ أطفال المدرسة إن اجتهدوا وحصّلوا العلوم وبلغوا منتهى درجة الكمال فبعد ذلك يشهد كلّ إنسان بأنّهم كاملون. وأعمالهم في حدّ ذاتها تشهد بكمالهم.
هذا، ومن بين أسس وتعاليم حضرة بهاء الله المساواة بين الرّجال والنّساء، ولهذا يجب على النّساء أن يسعين سعيًا حثيثًا في سبيل تحصيل فضائل العالم الإنسانيّ، وأن يجتهدن في سبيل تحقيق وحدة هذا العالم، ونشر النّفحات الإلهيّة، وأن يكنَّ سببًا في إيمان النّاس ودخولهم في ملكوت الله. وذلك كي تشمل المواهب الإلهيّة الكلّ وتحيط بالجميع.