(لوح الأفلاك) الحمد لله الذي جعل أسمائه وصفاته

حضرة عبد البهاء
أصلي عربي

لوح الأفلاك – من آثار حضرة عبدالبهاء – على اساس مكاتيب عبدالبهاء، جلد ۱، الصفحة ۱۳

﴿ هو الله ﴾

ألحمد لله الذی جعل أسمائه و صفاته لم یزل نافذة أحکامها فی مراتب الوجود و باهرة آثارها و ثابتة آیاتها فی عوالم الغیب و الشهود و بها جعل الحقائق المقدسة المستفیضة المستنبئة مستأثرة لظهور شئونه و سائرة فی فلک الکمال قوسی النزول و الصعود و قدرها مبدأ الایجاد فی عالم الإنشاء و مصدر الحقائق المتدرجة فی مراتب الوجود بالوجه الأعلی المعهود فلما أشرقت شمسها بقوتها الناشرة الجاذبة علی الحقائق الکامنة فی هویة الغیب فانبعثت و انتشرت و انتثرت و انتظمت و استفاضت و استنبأت و استأثرت لظهور الشئون الرحمانیة و الآثار الصمدانیة فظهرت بحلل الأنوار بعد خرق الأستار و سارت فی أفلاک التوحید و دوائر التقدیس و مدارات التهلیل فکانت شموس التسبیح لله الحق دائرة مشرقة فی فضاء رحب واسع غیر متناه لا تحدده الجهات و لا تحصره الإشارات فسبحان بادعه و منشئه و باسطه و ناظمه و مزینه بمصابیح لا عداد لها و قنادیل لا نفاد لها و لا یعلم جنود ربک إلا هو و جعل دوائر هذه الکواکب النورانیة الرحمانیة أفلاکها العلویة و جعل أجسام هذه الأفلاک الروحانیة لطیفة لینة سیالة مائعة مواجة رجراجة بحیث تسبح تلک الدراری الدریة فی دائرة محیطها و تسیح فی فضاء رحیبها بعون صانعها و خالقها و مقدرها و مصورها و بما اقتضت الحکمة البالغة الکلیة الإلهیة أن تکون الحرکة ملازمة للوجود جوهریا و عرضیا روحیا و جسمیا و أن تکون لهذه الحرکة زمام و معدل و ماسک و سائق لئلا یبطل نظامها و یتغیر قوامها فتتساقط الأجسام و تتهابط الأجرام قد خلق قوة جاذبة عامة بینها غالبة حاکمة علیها منبعثة من الروابط القویمة و الموافقة و المطابقة العظیمة الموجودة بین حقائق هذه العوالم الغیر المتناهیة فجذبت و انجذبت و حرکت و تحرکت و دارت و أدارت و لاحت و ألاحت تلک الشموس القدسیة الباهرة بعوالمها النورانیة و توابعها و سیاراتها فی مداراتها و سمواتها و دوائرها فبذلک تم نظامها و حسن انتظامها و أتقن صنعها و ظهر جمالها و ثبت بنیانها و تحقق برهانها فسبحان جاذبها و قابضها و فائضها و مدبرها و محرکها عما یصفه العارفون و ینعت به الناعتون

یا أیها المستفیض من فیضان البحر الأعظم المتموج المتهیج المتهاجم الأمواج علی شواطئ الأمم طوبی لک بما أویت إلی الرکن الشدید و الکهف المنیع مقام التبتل إلی ربک العزیز الحمید و تبرأت من ظنون الفنون و تقدست من أوهام الأفهام سارعا إلی موارد الحقائق و الأسرار و متعطشا إلی معین فرات العلم و مجمع البحار و مرجع الأنهار فاعلم بأن کل غیر متناه صنعه غیر متناه و أن الحدود صفة ‌المحدود و أن الحصر فی الموجود لیس فی حقیقة الوجود و مع ذلک کیف یتصور الحصر للأکوان من دون بینة و برهان فانظر ببصر حدید فی هذا الکور الجدید هل رأیت لشأن من شئون ربک حدا یقف عنده بالتحدید؟ لا و حضرة عزه بل أحاطت شئونه کل الأشیاء و تنزهت و تقدست عن حد الإحصاء فی عالم الإنشاء هذه شئون رحمانیة فی العوالم الروحانیة و کذلک فاستدلل بها فی العوالم الجسمانیة لأن الجسمانیات آیات و انطباعات للروحانیات و أن کل سافل صورة و مثال للعالی بل إن العلویات و السفلیات و الروحانیات و الجسمانیات و الجوهریات و العرضیات و الکلیات و الجزئیات و المبادیٴ و المبانی و الصور و المعانی و حقائق کل شیء و ظواهرها و بواطنها کلها مرتبط بعضها مع بعض و متوافق و متطابق علی شأن تجد القطرات علی نظام البحور و الذرات علی نمط الشموس بحسب قابلیاتها و استعداداتها لأن الجزئیات بالنسبة لما دونها کلیات و أن الکلیات المتعظمة فی أعین المحجوبین جزئیات بالنسبة إلی الحقائق و المکونات التی أعظم منها فالکلیة و الجزئیة فی الحقیقة أمر إضافی و شأن نسبی و إلا رحمة ربک و سعت کل شیء إذا فاعلم بأن الهیئة الجامعة لنظام الوجود شاملة لکل موجود کلی أو جزئی إما ظهورا أو بطونا سرا أو علانیة فکما أن الجزئیات غیر متناهیة من حیث الأعداد کذلک الکلیات الجسیمة و الحقائق العظیمة الکونیة خارجة عن حد العداد و الإحصاء و أن مشارق التوحید و مطالع التفرید و شموس التقدیس تعالت و تقدست عن القیود العددیة و أن العوالم الروحانیة و النورانیة تنزهت عن الحدود الحصریة و کذلک عوالم الوجود الجسمانیة لا یحصیها العقول و الأفهام و لا تحیط بها مدارک أولی العلم الأعلام فانظر إلی الحدیث المأثور و دقق النظر فی معانیه الدالة علی سعة الکون و اتساعه الخارج عن العقول و الحدود و هذا نصه: إن الله تعالی خلق مائة ألف ألف قندیل و علق بالعرش و الأرض و السماء و ما بینهما حتی الجنة و النار کلها فی قندیل واحد و لا یعلم ما فی باقی القنادیل إلا الله و کلما ذکر العارفون لها حدا و عبروا لها حصرا إنما کان لضیق دائرة العقول و الإدراکات و احتجاب أهل الإشارات الذین قرائحهم جامدة و فطنهم خامدة من فرط الحجبات و إن فی کل کور و دور رزقا مقسوما و شأنا معلوما و إن الحقائق لها ظهور و بروز بالنسبة إلی المراتب و الدرجات و الاستعداد و القابلیات مثلا فانظر فی الحقیقة الإنسانیة و الکمالات النفسانیة و الفضائل الروحانیة و الشئون الوجدانیة إنها لها اشتهار و ظهور و انبعاث و سنوح یتتابع التدرج فی معارج النشأة الأولی من مقام النطفة الأدنی إلی أعلی مدارج البلوغ الأعلی فبمثل ذلک شأن کلیة الوجود من الغیب و الشهود إذا تفرس فی هذا الکور البدیع و الدور العظیم المنیع و قل تعالی الله رب العرش الرفیع بما أظهر الشمس الوحدانیة و الحقیقة الصمدانیة من هذا المطلع الشامخ الباذخ القوی القدیم بحیث لما سطعت أشعتها النافذة الحامیة علی الأکوان الخاویة و الأراضی الخالیة انبعثت حقائق کل شیء و المعانی الکلیة بقوتها النامیة و اشتهرت مکنونات العلوم الکاشفة لحقائق المعلوم و ظهر السر المصون المخزون و الرمز المکنون لأن فی هذا الکور الکریم و الطلوع العظیم دور الحقائق و الأسرار و حشر الشئون الرحمانیة فی مرکز الأنوار و ظهور الکنوز المستترة فی هویة عوالم ربک العزیز المختار بحیث فی حقیقة القطرات تتموج بحور الآیات و فی هویة الذرات تتجلی شموس الأسماء و الصفات و یکتشف المعاصرون فی صفائح الأحجار أسرارا لم یکتشفوا السابقون فی لوائح مرایا الأنوار لأن فی هذا الظهور الأعظم - دون النظر و الاستدلال - قد فتح أبواب المکاشفة و الشهود و تخلصت ذوات الأجنحة من الأفکار من شبکة الأوهام و انکشفت السبحات و انشقت الحجبات و هتک الأستار من سطوة الأسرار و لما کان الإمکان شأنه الضعف و الاضمحلال لم یستطع و لم یحتمل ظهور آثار هذا الظهور المشرق علی أعلی الطور إلا تدریجا فلأجل ذلک ستنظرون بأعین الفرح و الابتهاج آثار هذا النیر الأعظم الوهاج و تجتلون أنوار الحکمة مشرقة علی کل الأرجاء من الآفاق و تلتقطون دراری النور التی یقذفها هذا الطمطام المتلاطم المتهیج المواج و تشربون من الینابیع الصافیة العذبة النابعة من فیضان هذا الغمام المدرار بالماء الثجاج فطوبی لمن لم یحتجب بسبحات علوم کالأوهام عن مشاهدة حقائق العلم و إدراک جواهرها فی أیام الله و بشری لمن کشف له الغطاء و بعث ببصر حدید بین ملاء الإنشاء بعد ما شاخصت الأبصار من تجلی المختار و ویل لمن حشر یوم القیامة أعمی و غفل عن ذکر ربه الأعلی و فی آذانه و قر عن استماع النداء المرتفع فی هذا الفردوس الأعلی و قل یا إلٓهی لو خلقت فی کل جزء من أعضائی ألسنا ناطقة بأفصح اللغات و معانی رائقة فائقة عن حدود الإشارات و حمدتک و شکرتک فی الدهور و الأحقاب لعجزت عن أداء فرائض شکری لفضلک و إحسانک بما وفقتنی علی الإیمان بمظهر رحمانیتک و مطلع فردانیتک و مشرق آیاتک الکبری و مهبط أسرار قیومیتک فی قطب الإنشاء و أیاما تدعوا فله الأسماء الحسنی و کشفت عن بصری الغشاوة الحاجبة للأبصار و أسمعتنی نغمات طیور القدس علی أغصان دوحة البقاء و أسقیتنی من کأس الکافور و الماء الطهور عن ید ساقی عنایتک فی هذا الظهور الأعظم الأمنع الأقدس المبارک الکریم

یا أیها المرفرف فی جو فضاء محبة الله فاعلم بأن المعارف و العلوم و الحکم و الفنون التی ظهرت و سبقت فی الأدوار الأولیة بالنسبة للحقائق و المسائل الإلهیة و الأسرار الکونیة التی انقشع سحابها و کشف نقابها و سطع شعاعها فی هذا الظهور اللامع فی الأوج الأعلی إنما هی مباد و کنایات بل أکثرها أوهام و شبهات لأن الحقیقة الجامعة الکونیة مثلها عند ربک کمثل الحقیقة الجامعة الإنسانیة فإنها فی مراتبها الأولیة من الطفولیة و الصباوة و المراهقة - و لو کانت مصدرا لظهور الصفات و المحامد البشریة - و لکن أین هذا الشئون من الکمالات العقلیة و الحقائق الملکوتیة و الأسرار الربانیة السائحة الفائضة فی مرتبة بلوغها و أعظم سطوعها و شروقها فلأجل ذلک ینبغی أن تتخذ هذا الأمر میزانا لکل الأمور و لا تعبأ بالحکایات و الأقاویل التی تتناقل علی أفواه أهل الوهم و الإشارات لأنها مبالغات و قصص و أساطیر لا یعتبرها أولو الأبصار بل الشأن فی تحقیق المسائل و اکتشاف الحقائق المستورة و الأسرار المکنونة فی هویة الحقائق الکونیة بالبراهین الواضحة و الدلائل الباهرة و الحجج القاطعة بموازین تامة کاملة فأمثال هذه الأمور لا یجوز الاعتماد و الرکون علیها عند الذین فتح الله بصیرتهم و طابت سریرتهم و تنورت بواطنهم و لطفت ظواهرهم و انجلت قلوبهم و انشرحت صدورهم فی هذا الکور المجید العظیم و إلا الحکم و المعانی التی مؤسسة علی الأوهام و لا یقتنع بها الفطن الذکی الخبیر العلام أصبحت عند أولی العلم الیوم کأضغاث أحلام فسبحان المجلی علی العقول بأنوار الحقیقة الساطعة من مشرق الظهور فتعالی الرب المجید بما خرق الحجبات و هتک السبحات و کشف الظلمات و قطع سلاسل الإشارات و کسر أغلال الظنیات و حرر العقول عن قیود الظنون و أطلق طیور الأفکار فی أوج الأسرار حتی یطیرن بأجنحة السرور فی عوالم الوجود و تشق حدة الأبصار الأستار التی نسجتها عناکب الأوهام فی هذا الایوان الرفیع و السرادق المنیع

إذا فاعلم بأن العلوم الریاضیة إنکشفت مسائلها و انحلت معضلاتها و انتظمت قوانینها و أثمرت أفانینها فی هذا العصر الکریم و القرن المجید و أن الانکشافات التی سبقت للمتقدمین من الفلاسفة و آرائهم لم تکن مؤسسة علی أصل متین و أساس رصین لأنهم أرادوا أن یحصروا عوالم الله فی أضیق دائرة و أصغر ساهرة و تحیروا فیما ورائها إلی أن قالوا لا خلاء و لا ملاء بل عدم و هذا الرأی مناف و مباین بجمیع المسائل الإلٓهیة و الأسرار الربانیة بل عند تطبیق عوالم المعانی بالصور و الروحانیات بالجسمانیات نجد هذا الرأی أضعف من بیت العنکبوت لأن العوالم الروحانیة النورانیة منزهة عن الحدود الحصریة و العددیة و کذلک العوالم الجسمانیة فی هذا الفضاء الأعظم الأوسع الرحیب و هذا سر کشفه الله لعباده بفضله و رحمته حتی یظهر أوهام الذین هم منکرون و یفضح براهین الذین هم فی غفلتهم یعمهون و ینهدم بنیان ظنونهم و تسود وجوه فنونهم بحیث عمیت أعینهم عن مشاهدة عوالم ٱلله و قصرت عقولهم عن إدراک أسرار الملکوت فی هذا المشهد العظیم و اعتقدوا بأن العوالم محصورة فی هذه الدائرة الصغیرة التی بالنسبة إلی العوالم کسواد عین نملة فی فضاء لا نهایة لها کما قال و قوله الحق: و لا یعلم جنود ربک إلا هو و أما ما ذکر من الطبقات السبع و السموات السبع المذکورة فی الآثار التی سبقت من مشارق الأنوار و مهابط الأسرار هذا لم یکن إلا بحسب اصطلاح القوم فی تلک الأعصار و کل کور له خصائص بحسب القابلیات و استعداد ظهور الحقائق من خلف الأستار إذ کل شیء عند ربک بمقدار و ما قصدوا بذکر الأفلاک إلا المدارات للسیارات الشمسیة التی فی هذا العالم الجامع لنظام هذه الشمس و توابعها لأن سیارات هذه الشمس علی أقدار سبعة من حیث الجرم و الجسامة و الروٴیة و النور و مدار القدر الأول منها فلک من أفلاک هذا العالم الشمسی و سماء من سموات هذه الدائرة المحیطة المحددة الجهات الواقعة ضمن محیطها و کذلک کل الدراری الدرهرهة الساطعة فی وجه السماء التی واحدة منها شمس و لها عالم مخصوص بتوابعها و سیاراتها إذا نظرت إلیها تجدها بالنظر إلی ظهورها إلی الأبصار من دون واسطة المرایا المجسمة یظهر إنها علی أقدار سبعة و مدار کل قدر منها أو دائرته سماء مرفوع و فلک محیط فی الوجود ثم اعلم بأن هذه المدارات و الدوائر العظیمة و اقعة ضمن أجسام لطیفة مائعة رائقة سیالة مواجة رجراجة کما هی مأثورة فی الروایات و مصرحة فی الکلمات بأن السماء موج مکفوف لأن الخلاء ممتنع محال فغایة ما یقال إن الأجسام الفلکیة و الأجرام الأثیریة مختلفة فی بعض المواد و الأجزاء و الترکیب و العناصر و الطبائع المسببة لاختلاف التأثیرات الظاهرة و الکیفیات الفائضة منها و إن الأجسام الفلکیة المحیطة بالأجرام یختلف أیضا بعضها مع بعض من حیث اللطافة و السیلان و الأوزان و إلا الخلاء محال فالظرف لا بد له من مظروف و لا یکاد یکون المظروف إلا جسما و لکن أجسام الأفلاک فی غایة الدرجة من اللطافة و الخفة و السیلان لأن الأجسام تنقسم إلی الجامدة کالأحجار و المتطرقة کالمعادن و الفلزات و السائلة کالمیاه و الهواء و أخف منها ما یتصاعدون به الیوم فی السفن الهوائیة إلی جو السماء و أخف منها الأجسام الناریة و الأجسام الکهربائیة البرقیة فهذه کلها أجسام فی الحقیقة و لکن بعضها غیر موزونة و کذلک خلق ربک فی هذا الفضاء الواسع العظیم أجساما متنوعة من غیر حد و عد تذهل العقول عن إحاطتها و تتحیر النفوس فی معرفتها و مشاهدتها و أما الذین زعموا بأن الأفلاک أجسام مصمتة صلبة مماس بعضها مع بعض زجاجیة شفافة لا تمنع نفوذ ضوء الأجرام و لا تقبل الخرق و الالتیام و لا یعرضه التخلل و التذبل فی کرور الأیام هذه آراء أولی الظنون من أهل الفنون و لم ینتبهوا لمعنی الآیة الباهرة بصریح الإشارة: و کل فی فلک یسبحون و هذا واضح بإن السباحة لا تتصور إلا فی أجسام لینة مائعة سائلة و ممتنع و محال فی أجسام صلبة جامدة إذا فانظر ببصر حدید فی هذا البیان الشافی الکافی الواضح المبین ثم انظر إلی أوهام الحکماء و کیف تاهوا و هاموا فی فلوات اللازم و الملزوم و تصورات ما نزل بها سلطانا الملک العزیز القیوم و أما قضیة إن الأرض دائرة حول الشمس و إنها (أی الأرض) سیارة من هذه الدراری التابعة للشمس و إن الحرکة الیومیة المسببة للطلوع و الغروب حاصلة من حرکة الأرض علی محورها فهذه لیست من الآراء المستجدة و الکشفیات الحاصلة فی الأزمنة الأخیرة بل أول من قال بحرکة الأرض حول الشمس هو فیثاغورس الحکیم أحد أساطین الحکمة الخمس و حامی ذمارها و کاشف أسرارها و أشار إلی هذا الأمر قبل التاریخ المیلادی بخمسمائة عام و استدل بأن الشمس مرکز للعالم بسبب ناریتها و اتبعه فی هذا الرأی أفلاطون الحکیم فی أواخر أیامه و ألف أریستورخ الحکیم کتابا قبل المیلاد بمأتی و ثمانین سنة و صرح فیه أن الأرض دائرة علی الشمس و علی محورها و لکن ما کان مستندا علی براهین قاطعة و أدلة واضحة و حجج بالغة من قوانین الهندسة و القواعد الریاضیة بل هی سنوح فکری و تصور عقلی و أما أکثر الحکماء السابقة من حیث مشاهدتهم الحسیة و مطالعتهم النظریة فی العالم المرئی و رصدهم فی الکواکب و النجوم حکموا بحرکة الشمس و سکون الأرض و منهم البطلمیوس الرومانی الإسکندرانی الشهیر فی علم النجوم و التاریخ و کان معلما فی مدرسة الإسکندریة فی المائة الثانیة من المیلاد فاختار قاعدة من القواعد القدیمة و أسس علیها رصده و رتب زیجا موٴسسا علی حرکة الشمس و سکون الأرض و قد اشتهرت قاعدته و شاع و ذاع رصده و زیجه بین العالم للسلطة القویة التی کانت للأمة الرومانیة و حکومتها علی سائر الأمم و هو ألف کتابا فی فن النجوم و الریاضیات و سماه بمجسطی و فی القرون الأولیة من الإسلام ترجمه الفارابی إلی العربی و اشتهر بین علماء الإسلام هذا الرأی و اتبعوه و قلدوه من دون إمعان نظر و تحقیق و انتباه إلی بعض الآیات و معانیها کما قال و قوله الحق: و کل فی فلک یسبحون و بهذه الآیة المبارکة ثبت بأن کافة هذه الدراری اللامعة فی جو هذه السماء الرفیع و الفضاء الفسیح الوسیع و هذه الأرض أیضا متحرکة سائرة فی مداراتها و سابحة فی أفلاکها و دوائرها و أعظم من ذلک ذهولهم فی تفسیر الآیة المبارکة الأخری الدالة علی حرکة الشمس علی مرکزها و محورها قال و قوله الحق: و الشمس تجری لمستقر لها تاهت عقولهم و تحیرت نفوسهم و عجزت مشاعرهم عن إدراک معانیها لأنهم أرادوا أن یطبقوا علی قواعد بطلمیوس الرومانی المذکور و یوفقوها علی الزیج الذی رتبه فلم یتمکنوا علی هذا التطبیق فاحتاجوا إلی تأویلات رکیکة کقول بعضهم لمستقر لها کان فی الأصل لا مستقر لها فحذفت الألف منه و قول الآخرین أن المستقر یوم القیامة عند ذلک تقف الشمس عن سیرها و حرکتها مع أن فی الآیة صراحة واضحة بأن الشمس لها حرکة علی محورها و مرکزها

إذا فاعلم بأن المسائل الریاضیة التی تحققت دلائلها و لاحت براهینها مصدقة بالدلائل القطعیة من الأصول الحکمیة و قواعد هندسیة فی علم الهیئة و موٴسسة علی التحقیقات النجومیة و التدقیقات الرصدیة و أیضا مطابقة لأصول المسائل الکلیة فی العلوم الإلهیة لأن عند تطبیق العالم الظاهر بالباطن و العالی بالسافل و الصغیر بالکبیر و الإجمال بالتفصیل یظهر بأجلی بیان بأن القواعدالجدیدة فی علم الهیئة أعظم تطبیقا من سائر الأقوال کما بینا و أوضحنا و أن رصد لکوفر نیکو و زیجه أتقن فی الأعمال و التدقیق و التحقیق من سائر الزیجات لأنه کان فی سنة خمسمائة بعد الألف من المیلاد و رصد مدة ستة و ثلاثین سنة حتی أخرج القاعدة المشهورة بحسب اکتشافه فی حیز العرض علی الأفکار و لو لا حب الإیجاز و الاختصار لشرحت لک تفاصیلها و لخصت محاصیلها و لکن بهذه کفایة لأولی الأبصار و هدایة لذوی الأنظار

قل تعالی الملک القیوم الذی بظهوره انشق حجاب الموهوم و استغنی المخلصون بحب جماله المعلوم الکاشف لحقائق الحکم و الشئون من نتائج الظنون و وهمیات العلوم و اطلعوا المشتاقون علی السر المکنون و الرمز المصون المخزون و طاروا بأجنحة الشهود إلی أوج اللقاء معدن السرور و مقام الفرح و الحبور و سمعوا نغمات الطیور علی أفنان أیکة الظهور و اغتسلوا من العین الطهور و شربوا بحور الحیوان فی عالم النور و أنتشأوا من الکأس التی مزاجها کافور فی یوم مشهود مشهور و یناجون ربهم بألحان لم تسمع الآذان بمثلها فی جنات و عیون و یقولون أناجیک یا إلٓهی و محبوبی بلسان هویتی مقبلا إلی مشرق أحدیتک و مطلع شمس عز فردانیتک مرطبا لسانی بالشکر و الثناء علی مرکز رحمانیتک بما خلقتنی من غیر استحقاق بفضلک فی هذا الکور المجید و الظهور الفرید فی أیام اختصصتها بین الأزمان بطلوع شمس حقیقتک الساطعة أشعتها علی کل الآفاق و أسبغت فیها نعمتک و أکملت حجتک و أتممت آلاءک و نعمک علی المخلصین من بریتک لأنک شرفتهم بأیام کانوا الأصفیاء فدوا الأرواح فی مفاوز الفراق اشتیاقا لاستنشاق نفحة من النفحات المرسلة فیها و انتظارا لمشاهدة آثار من الأنوار المشرقة فی سمائها و إنک بفضلک و إحسانک توجتنی بهذا الإکلیل اللامع فی قطب الإمکان و أجلستنی علی سریر محبتک بین ملأ الأکوان و أیدتنی علی الاستقامة علی أمرک بعد ما تزعزع منه أعظم القوی بین ملأ الإنشاء و ارتعد الفرائص و تسعسع أرکان الوجود فی عوالم الإبداع و الاختراع أسئلک بجمالک القدیم و نور وجهک الکریم و سرک العظیم أن تحفظنا عن أوهام الإشارات و توٴیدنا علی الاستقامة و الثبوت و الرکوز و الرسوخ فی أمرک یا مالک الغیب و الشهود إنک أنت المعطی الکریم الرحیم

(عبدالبهاء عباس)

المصادر
المحتوى
OV