تعتبر آثار حضرة عبدالبهاء، التي زخرت بها حياته، أهم الآثار البهائية بعد آثار حضرة بهاءالله وآثار حضرة الباب المبشِّر، وميراثًا قيّمًا للبهائيين والعالم أجمع. فقد جاءت هذه الآثار نتيجة فيض قلمه المدرار منذ ريعان شبابه وحتى آخر أيام حياته التى امتدت ثمانية وسبعين عامًا، وتعتبر السراج لفهم آثار حضرة بهاءالله وإدراك المقاصد الجوهرية للدين البهائي. لقد كتب الرسائل وألقى الخُطب والمواعظ وأرسل بالنصائح والإرشادات، وتحدث إلى الأفراد والصحفيين في حقبة من الزمن امتدت أكثر من نصف قرن. كتب بثلاث لغات: الفارسية والعربية والتركية، فكانت كتاباته من أفضل التعابير الأدبية بشهادة أدباء العربية في عصره مع أنه لم يدخل المدارس ولم يجلس إلى معلّم ولم يطّلع على علوم اللغة والبلاغة حيث كان منذ طفولته إلى كهولته مرافقًا والده حضرة بهاءالله في السجن والنفي من بلد إلى آخر إلى أن فُكَّت عنه القيود قبل عقد من مغرب حياته.
ومع أنه لم يختلط بالوسط الغربي حتى يعرف عادات أهل الغرب أو لغتهم، فقد قام ليعلن الحقائق المميزة للدين البهائي في عواصم أوروبا المهمة وفي أمّهات مدن أمريكا الشمالية الحقائق المميزة للدين البهائي، وليوضح الأصول الإلهية لأنبياء الله ورسله جميعًا، ويبيّن الصلة التي تربط رسالاتهم بهذا الدين، ويشرح عناصر النظام الإلهي العالمي، ويعزّز عرض هذه الحقائق الحيوية التي وصفها بأنها "روح العصر" بتحذيراته وإنذاراته باندلاع نار حرب طاحنة داهمة تلتهم أوروبا، وينبّه إلى الانحلال الذي يدبّ في القوى السياسية، ويؤكد تأكيدًا قاطعًا بأن "راية اتحاد الجنس البشري سوف ترتفع ويصبح العالم عالمًا آخر.
(۱)
كان أسلوبه في كل ما كتب أسلوبًا بسيطًا رصينًا واضحًا وروحانيًا في معالجته لمواضيع دينية وفلسفية وعلمية بغاية الدقة والإيجاز. جُمعت آثاره الكتابية هذه فشكلت مجلدات من أهمها كتاب "مفاوضات عبدالبهاء" الذي تضمن إجاباته عن أسئلة خاصة بمبادئ الدين البهائي والرسالات السماوية، وتفاسير فقهية لآيات في التوراة والإنجيل، وتحليله لمسائل فلسفية وعلمية عامة. هناك ثلاثة كتب هامة أخرى كتبها باللغة الفارسية وترجمت إلى العربية هي: "الرسالة المدنية" عام ١٨٧٥ وفيها معالجة شاملة للحضارة الإنسانية من حيث أُسُسها وحقيقة كيانها وجوهر نظامها. ثم مقالة سائح
عام ١٨٨٦ الذي يتحدث عن فترة تاريخية خاصة بدورة حضرة الباب، وكتاب الرسالة السياسية
عام ١٨٩٣. وهناك الرسائل والبيانات الموجهة إلى الهيئات والمجتمعات الدولية وأهمها رسالة خاصة بموضوع السلام العالمي
التي وجهها إلى مؤتمر لاهاي للسلام عام ١٩١٩. ثم رسائله الموجهة علماء عصره وأهمهم العالم السويسري البروفسور أوغست فورال إجابة عن أسئلة وجهها لحضرته، ثم إلى بعض الأدباء والكُتَّاب المشهورين ورجال دين وشخصيات رائدة في عصر التنوير، بالإضافة إلى الرسائل الموجهة إلى الأفراد والعائلات والمؤسسات الدينية البهائية، ثم الألواح والمناجاة والصلوات الخاصة وبعض القصائد الشعرية بالفارسية، وأخيرًا ألواح وصاياه التي كتبها بخط يده وعيّن بموجبها حفيده شوقي أفندي وليًا لأمر الله وراعيًا لشؤون الدين والأتباع من بعده. وفيها يقدم شرحًا وافيًا لهيكل النظام الإدراي الذي أشار إليه حضرة بهاءالله في آياته واضعًا مبادئه العامة تاركًا لحضرة عبدالبهاء شرح تلك المبادئ ووضْع تفاصيلها وترجمتها إلى مؤسسات تخدم مصالح دين الله وتحقق الوحدة والاتحاد بين بني البشر. وتُعتبر وصاياه جزءًا لا يتجزّأ من ميثاق حضرة بهاءالله الذي أبرمه مع أتباعه في وصيته كتاب عهدي.
وما يجدر ذكره، فإن الآثار البهائية، وإن كان بعضها موجهًا إلى أفراد وجماعات ومؤسسات أو إلى حكام ومسؤولين، إلا أن المَعْنيّ بها كل فرد ومدينة ودولة بل وأهل العالم، لأن الفضل الإلهي والرحمة الملكوتية تشمل أهل الارض قاطبة كالشمس التي تشرق على كل شيء واهبة النور والحرارة والحياة مصداقًا لقول حضرة بهاءالله: ان هذا النداء وهذا الذكر لم يختص بمملكة او مدينة، على أهل العالم ان يتمسّك بما نزل وظهر حتى يصل الى الحرية الحقيقية.
(٢)