ألواح الخطّة الإلهيّة

حضرة عبد البهاء
مترجم

ألواح الخطّة الإلهيّة

الصّادرة من يراعة حضرة عبد البهاء

(معرّبة عن الفارسيّة)

المجموعة الأولى

تشمل على ثمانية ألواح

المجموعة الثّانية

تشمل على ستّة ألواح

ملاحظة

إنّ البيانات والعبارات المطبوعة في هذه المجموعة بحروف عريضة

هي عربيّة النّص وأمّا ما طبعت بحروف رفيعة فهي معرّبة عن الفارسيّة.

المجموعة الأولى

تشمل على ثمانية ألواح

اللّوح الأوّل

وقد صدر في صباح الإثنين 26 آذار 1916 في البهجة في غرفة الهيكل المبارك بالعنوان التالي:

إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في تسع ولايات شمال شرقي الولايات المتّحدة: مين، نيوهامبشاير، رود آيلاند، كناتيكت، فيرمونت، بنسيلفانيا، ماساتشوستس، نيوجيرزي، نيويورك عليهم وعليهنّ التّحيّة والثّناء.

هو الله

أيّها المنادون السّماويّون إنّ هذه الأيّام أيّام النّوروز وإنّي أذكر دائمًا فيها أولئك الأحبّاء الأودّاء وألتمس لهم من عتبة الوحدانيّة الإلهيّة كلّ تأييد وتوفيق حتّى تشتعل تلك المجامع اشتعال الشّموع السّاطعة في الجمهوريّات الأمريكيّة فتتنوّر بذلك القلوب بأنوار محبّة الله وتزيّن أنوار التّعاليم السّماويّة الولايات الأمريكيّة وتتألّق أنوارها.

هناك قليل من الأحبّاء في بعض أنحاء الولايات الواقعة في شمال شرقي السّاحل الأطلسي: مين نيوهامبشاير، ماساتشوستس، رود آيلاند، كناتيكت، فيرمونت، بنسيلفانيا، نيوجيرزي ونيويورك. ولكن النّاس في بعض مدن هذه الولايات لم يتنوّروا بعد بأنوار الملكوت ولا خبر لهم فيها عن التّعاليم السّماويّة، لهذا لو استطاع كلّ واحد منكم أن يسرع نحو هذه المدن ويتوهّج فيها بنور الهداية الإلهيّة توهّج النّجوم الزّاهرات فليفعل، وقد قال سبحانه وتعالى وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج. ويريد سبحانه بذلك أنّ الأرض تراب أسود إلا أنّ ذلك التّراب الأسود يتحوّل إلى أزهار متنوّعة الألوان حينما يمطره الغيث من سحب الرّبيع، أي أنّ النّاس لمّا كانوا من عالم الطّبيعة فهم كالتّراب الأسود، لكنّهم حينما ينعمون بالفيض السّماويّ وتتجلّى فيهم أنوار الهداية ينتعشون ويهتزّون وينجون من ظلمات الطّبيعة وتنبت في أراضي قلوبهم أزهار الأسرار الإلهيّة. لهذا يجب على الإنسان أن ينوّر العالم الإنساني ويروّج التّعاليم التي نزّلت في الكتب المقدّسة بوحي من الله، وفي الإنجيل الشّريف يتفضّل قائلاً سافروا شرقًا وغربًا ونوّروا النّاس بأنوار الهداية الكبرى فتنالوا نصيبًا من الحياة الأبديّة.

الحمد لله أنّ الولايات الشّماليّة الشّرقيّة في غاية الاستعداد، وحيث أنّ التّربة قويّة فإنّ الفيوضات الإلهيّة تهطل عليها، فعليكم الآن أن تكونوا الزرّاع الإلهيّين وأن تبذروا البذور الطّاهرة، إذ إنّ حصاد كلّ البذور الأخرى محدود في بركته إلا بذور التّعاليم السّماويّة فإنّ بركتها غير محدودة وهي تؤتي بيادرها على مرّ القرون والأعصار.

لاحظوا السّلف تروا أنّ المؤمنين الثّابتين في أيّام المسيح كانوا فئة قليلة ولكنّ البركة السّماويّة هطلت هطولاً بحيث استظلّ جمٌّ غفيرٌ في ظلّ الإنجيل في سنين معدودات، ويتفضّل في القرآن قائلاً بأنّ حبّة واحدة تعطي سبع سنابل وفي كل سنبلة مئة حبّة وهذا يعني أنّ حبّة واحدة تصبح سبعمائة حبّة ولو أراد الله ضاعفها، وكم حدث أن كانت نفس مباركة واحدة سببًا في هداية مملكة. وبناءً على هذا يجب أن لا ننظر الآن إلى استعدادنا وقابليّاتنا بل ننظر إلى العنايات والفيوضات السّماويّة في هذه الأيّام التي فيها للقطرة منزلة البحر وفيها ترجو الذّرّة أن تكون في مرتبة الشّمس وعليكم وعليهنّ التّحيّة والثّناء. ع ع

اللّوح الثّاني

وقد صدر في صباح يوم الثّلاثاء 27 آذار 1916 في البهجة في حديقة الرّوضة المباركة بالعنوان التالي:

إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في ست عشرة ولاية من جنوب الولايات المتحدة: ديلاوير، ماريلاند، فرجينيا، فرجينيا الغربية، كارولاينا الشّماليّة، كارولاينا الجنوبيّة، جورجيا، فلوريدا، ألاباما، مسيسيبي، تينيسي، كنتاكي، لويزيانا، أركانسو، أوكلاهوما، تكساس عليهم وعليهنّ التّحيّة والثّناء.

هو الله

أيّها المنادون بملكوت الله كنت قد كتبت قبل بضعة أيّام رسالة إلى أولئك الأحبّاء، أحبّاء الله ولكن حيث أنّ هذه الأيّام أيّام عيد النوروز لذا فإنّي ذكرتكم وأرسل إليكم هذه التّهنئة بالعيد السّعيد. نعم إنّ جميع الأيّام أيّام مباركة إلا أنّ هذا العيد في إيران عيد قوميّ يحتفل النّاس به منذ آلاف السّنين، والواقع أنّ كلّ يوم يذكر فيه الإنسان خالقه ويقوم فيه بنشر نفحات الله وينادي فيه بملكوت الله، فإنّ ذلك اليوم يكون عيدًا مباركًا، وأنتم ولله الحمد مشغولون ليلاً ونهارًا في خدمة ملكوت الله، قائمون على ترويج دين الله، لهذا يعتبر جميع أيّامكم أعيادًا، ولا شكّ أنّ العون الإلهيّ والفيض الرّبّانيّ سيعينكم وسوف تؤيّدكم القوى الإلهيّة ونفثات روح القدس.

إنّ عدد الأحباء قليل في الولايات الجنوبيّة من الولايات المتّحدة وأعني بها ولاية ديلاوير، ماريلاند، فرجينيا، فرجينيا الغربية، كارولاينا الشّماليّة، كارولاينا الجنوبيّة، جورجيا، فلوريدا، ألاباما، مسيسيبي، تينيسي، كنتاكي، لويزيانا، أركانسو، أوكلاهوما، تكساس. لهذا يجب أن تذهب منكم نفوس مباركة إلى تلك الأنحاء أو ترسلوا إليها نفوسًا مباركة لتبشّر النّاس في تلك الجهات بشارة ملكوت السّماء.

لقد خاطب أحد المظاهر المقدّسة المؤمنين قائلاً لو أصبح إنسان سببًا في هداية نفس لكان ذلك خير له من كنز لا حدّ له، يا عليّ لئن يهدي الله بك نفسًا خير لك من حمر النّعم*. وكذلك يتفضّل في القرآن الكريم قائلاً اهدنا الصّراط المستقيم أي أرنا السّبيل الصّحيح ويتفضّل في الإنجيل قائلاً اذهبوا إلى أطراف العالم وبشّروا بظهور ملكوت الله.

وخلاصة القول أملي أن تبذلوا همّة عظيمة في هذا الصّدد، ويقينًا أنّكم سوف تتأيّدون وتتوفّقون وكلّ من بشّر النّاس بحقائق ظهور الملكوت ومعانيه إنّما مثله كمثل زارع يبذر البذور الطّاهرة في أرض طاهرة فتفيض عليها سحب الرّبيع بفيوضات أمطارها وتتكوّن البيادر من تلك البذور فيفتخر بذلك دون شكّ لدى سيّد القرية. إذن يا أحبّاء الله اغتنموا الوقت وقوموا على البذار لتحصلوا على البركة السّماويّة والموهبة الرّحمانيّة وعليكم البهاء الأبهى. ع ع

اللّوح الثّالث

وقد صدر في صباح يوم الأربعاء التاسع والعشرون من آذار سنة 1916 في البهجة في فناء البيت المبارك بالعنوان التالي:

إلى أحبّاء الله وإماء الرحمن في اثنتي عشرة ولاية في أواسط الولايات المتّحدة: إلينوي، مشيغان، ويسكنسن، إنديانا، أوهايو، مينيسوتا، آيوا، ميزوري، داكوتا الشّمالية، داكوتا الجنوبيّة، نبراسكا، كانزاس عليهم وعليهنّ التّحيّة والثّناء.

هو الله

يا أيّتها النّفوس السّماويّة يا أيّتها المحافل الرّوحانيّة يا أيّتها المجامع الرّبّانيّة، لقد حدث تأخير في تحرير الرّسائل مدّة من الزّمن والسّبب يعود إلى صعوبة تبادل الرّسائل، فلمّا تيسّرت الآن بعض التّسهيلات قمت على تحرير هذا الموجز ليكتسب الرّوح والفؤاد عند ذكر الأحبّاء روحًا وريحانًا.

إنّ هذا الهائم يتضرّع دومًا لدى عتبة الرّحمن ويتوسّل إليه طالبًا للأحبّاء العون والألطاف والتّأييدات السّماويّة، وأنتم في خاطري دائمًا ما نسيتكم ولن أنساكم أبدًا وأملي من ألطاف المولى الرّؤوف أن تزدادوا يومًا فيومًا إيمانًا وإيقانًا وثبوتًا واستقامة، وأن تكونوا سببًا في نشر نفحات القدس.

يخاطب الله تعالى في القرآن الكريم رسوله محمّدًا عليه التّحيّة والثّناء قائلاً وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم ويريد تعالى بذلك أنّك تدلّ البشر إلى السّبيل القويم، فلاحظوا كيف أنّ هداية النّاس ذات أهمّيّة بالغة لأنّها تدلّ على رفعة مقام رسول الله عليه الصّلاة والسّلام.

ومع أنّ الأحبّاء -ولله الحمد- موجودون في ولايات إلينوي، ويسكنسن، أوهايو، مينيسوتا، مشيغان وهم ببعضهم متآلفون بمنتهى الثّبوت والرّسوخ ولا هدف لهم غير نشر نفحات الله ليلاً ونهارًا ولا مراد لهم سوى ترويج التّعاليم السّماويّة، وهم يسطعون بنار محبّة الله سطوع الشّموع المضيئة ويتغنّون بأعذب الألحان المحيية للأرواح كأنّهم الطّيور الشّكورة في رياض معرفة الله، ولكن ولايات إنديانا، آيوا، ميزوري، داكوتا الشّماليّة، داكوتا الجنوبيّة، نبراسكا، كانزاس يقلّ فيها عبور الأحبّاء ومرورهم، ولم تتمّ فيها المناداة بملكوت الله كما ينبغي ويليق، ولم تعلن فيها وحدة العالم الإنساني ولم تذهب إلى تلك الجهات نفوس مباركة ومبلّغون منقطعون، فبقيت هذه الولايات خامدة. لذا يجب أن تشتعل فيها بعض النّفوس بنار محبّة الله بهمّة أحبّاء الله، وتنجذب إلى ملكوت الله حتّى تتنوّر تلك الأنحاء أيضًا ويعطّر مشام أهاليها نسيم حديقة الملكوت المحيي للأرواح. لهذا إن استطعتم أن ترسلوا إلى تلك الجهات نفوسًا منقطعة إلى الله ومنزّهة ومقدّسة فأرسلوها، وإذا ما كانت هذه النّفوس منجذبة كلّ الانجذاب فإنّني على يقين من أنّها سوف تتحقّق بقيامهم نتائج عظيمة في زمن قصير.

إنّ أبناء الملكوت وبناته أشبه بالزّراع الحقيقيّين وتراهم في أيّة ديار يمرّون بها قائمين بكلّ تضحية ببذر البذور الطّاهرة فتنبت تلك البذور الطّاهرة البيادر كما يتفضّل في الإنجيل الجليل قائلاً عندما تبذر البذور الطّاهرة في الأراضي الطّيّبة تهطل الفيوضات والبركات السّماويّة. وأملي أن تتأيّدوا وتتوفّقوا إلى ذلك ولا يعتريكم الفتور أبدًا في نشر التّعاليم الإلهية ولتزد هممكم ومساعيكم وجهودكم يومًا فيومًا وعليكم وعليكنّ التّحيّة والثّناء. ع ع

اللّوح الرّابع

وقد صدر صباح يوم السّبت الأوّل من نيسان سنة 1916 في البهجة في غرفة الهيكل المبارك بالعنوان التّالي:

إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في إحدى عشرة ولاية في غربي الولايات المتّحدة: نيومكسيكو، كولورادو، أريزونا، نيفادا، يوتا، كاليفورنيا، وايومنغ، مونتانا، أيداهو، أوريغون، واشنطن عليهم وعليهنّ التّحيّة والثّناء.

هو الله

يا أبناء الملكوت وبناته ليس لي عمل ليلاً ونهارًا غير ذكر أحبّاء الله والدّعاء لهم من أعماق قلبي وطلب التأييد من الملكوت الإلهي لهم والتماس تأثير نفثات روح القدس فيهم، وإنّي لأرجو من ألطاف الرّحمن خفيّ الألطاف أن يكون الأحبّاء في مثل هذا اليوم سبب إنارة القلوب ينفثون في الأرواح حياة تؤدّي نتائجها الحميدة إلى فوز العالم الإنسانيّ بهذا الشّرف والفضل فوزًا أبديًّا.

هذا ومع أنّ نفحات القدس قد انتشرت في بعض أنحاء الولايات الغربيّة أمثال كاليفورنيا، أوريغون، واشنطن، كولورادو ونالت فيها نفوس كثيرة نصيبًا من معين الحياة الأبديّة ووجدت البركة السّماويّة وشربت من خمر محبّة الله كأسًا دهاقًا وسمعت نغمة الملأ الأعلى، لكن نداء الملكوت الإلهيّ لم يرتفع في ولايات نيومكسيكو، وايومنغ، مونتانا، أيداهو، يوتا، أريزونا ونيفادا ولم يشتعل فيها سراح محبّة الله كما ينبغي ويليق. لهذا إن أمكنكم أن تبدوا همّة في هذا الصّدد فابدوها، وذلك بأن تقوموا أنتم أو من تنتخبونهم فترسلونهم إلى تلك الولايات، لأن تلك الولايات هي الآن كالجسد الميّت حتّى ينفخوا فيه نفحة الحياة وينفثوا فيه روحًا من السّماء ويتلألأوا في ذلك الأفق تلألؤ النّجوم لتنير أنوار شمس الحقيقة تلك الولايات أيضًا.

يتفضّل في القرآن الكريم قائلاً إن الله وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور، أي أنّ الله يحبّ المؤمنين فينجّيهم من الظّلمات ويأتي بهم إلى عالم الأنوار، ويتفضّل في الإنجيل الشّريف قائلاً اذهبوا إلى أركان المعمورة ونادوا بملكوت الله. وبناءً على هذا فقد آن الأوان لتقوموا بهذه الخدمة العظمى وتكونوا سببًا في هداية جموع غفية حتّى تنير أنوار الصّلح والسّلام بذلك جميع الآفاق وينال العالم الإنساني الرّاحة والاطمئنان. وحينما كنتُ في أمريكا صرختُ في جميع المحافل ودعوت النّاس إلى ترويج السّلام العام وقلت قولي الصّريح بأنّ القارّة الأوروبّية أشبه بمدّخر للذّخائر الحربيّة، ويتوقّف انفجار هذه الذّخائر على شرارة واحدة في السّنوات القادمة -بعد سنتين- سوف يتحقّق كلّ ما جاء في رؤيا يوحنّا وسفر دانيال، وها قد تحقّق ما قلنا وقد نشر هذا الموضوع في صحيفة سان فرانسيسكو الإخباريّة يوم 12 تشرين أوّل 1912، فارجعوا إليها حتّى تتجلّى لكم الحقيقة وتعلموا يقينًا بأنّ الوقت قد حان لنشر النّفحات. يجب أن تكون همّة الإنسان سماويّة أي أن يكون مؤيّدًا بالتّأييدات الإلهيّة ليصبح سببًا في إنارة العالم الإنساني وعليكم وعليهنّ التّحيّة والثّناء. ع ع

اللّوح الخامس

وقد صدر في صباح يوم الأربعاء الخامس من نيسان سنة 1916 في البهجة في حديقة الروضة المباركة بالعنوان التالي:

إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في المقاطعات الكنديّة: نيوفندلند، جزيرة الأمير إدوارد، نوفا سكوشيا، نيو برانزويك، كوبيك، مانيتوبا، ألبرتا، أونتاريو، ساسكاتشوان، كولومبيا البريطانيّة، يوكون، ماكنزي، أنكافا، كيويتن، جزر فرانكلين وجرينلاند عليهم وعليهنّ التّحية والثّناء.

هو الله

يا أبناء الملكوت وبناته ولو أنّ نفحات الله قد انتشرت في أكثر مدن الولايات المتّحدة وتوجّهت جموع غفيرة باهتمام إلى ملكوت الله، لكن راية التّوحيد لم ترتفع في بعض الولايات كما ينبغي ويليق ولم تنتشر أسرار الكتب الإلهيّة فيها. يجب أن ترفرف راية التّوحيد في تلك الولايات بهمّة الأحبّاء وتنتشر التّعاليم الإلهيّة ليكون لأهالي تلك الولايات أيضًا سهم ونصيب من الموهبة السّماويّة والهداية الكبرى وكذلك الأمر في المقاطعات الكنديّة أمثال: نيوفندلند، جزيرة الأمير إدوارد، نوفا سكوشيا، ألبرتا، أنكافا، نيو برانزويك، كوبيك، أونتاريو، مانيتوبا، ساسكاتشوان، كولومبيا البريطانية، كيويتن، ماكنزي، يوكان، جزر فرانكلين الواقعة في مدار السرطان.

يجب على أحبّاء الله أن يضحّوا ويتوهّجوا توهّج شمع الهداية في أنحاء المقاطعات الكنديّة، فإذا أظهروا مثل هذه الهمّة فإنّ التّأييدات الإلهيّة الكلّيّة ستكون يقينًا من نصيبهم وتصلهم إمدادات الجنود السّماويّة تترى وتحرزون نصرًا عظيمًا، عسى أن يصل نداء ملكوت الله بإذنه تعالى إلى مسامع الإسكيمو وأهالي جزر فرانكلين الواقعة شمالي كندا وجزيرة جرينلاند.

وإذا ما اشتعلت نار محبّة الله في جزيرة جرينلاند فإنّ جميع ثلوج تلك القارّة سوف تذوب وتتبدّل برودتها إلى اعتدال، أي أنّ القلوب فيها تكتسب حرارة محبّة الله وتصبح تلك القارّة حدائق إلهيّة وبساتين ربّانيّة وتتزيّن فيها النّفوس باللّطافة الفائقة كما تتزيّن الأشجار بوافر الثّمار.

البدار البدار فإن أظهرتم همّة في نشر نفحات الله بين الإسكيمو لكان لذلك تأثيره الشّديد فقد قال تعالى في القرآن العظيم وأشرقت الأرض بنور ربّها أي أنّ أنوار التّوحيد سوف تشرق ذات يوم على جميع الآفاق فتنير جميع الأقطار بنور الله وذلك النّور هو نور التّوحيد "لا إله إلا الله". إنّ إقليم الإسكيمو وجزره جزء لا يتجزّأ من الكرة الأرضيّة ويجب أن ينال هذا الجزء نصيبه من الهداية الكبرى وعليكم وعليهنّ التّحيّة والثّناء. ع ع

اللّوح السادس

وقد صدر في صباح يوم السّبت الثّامن من نيسان سنة 1916 في البهجة في حديقة الرّوضة المباركة بالعنوان التالي:

إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في محافل ومجامع الولايات المتّحدة وكندا عليهم وعليهنّ البهاء الأبهى.

هو الله

يا أيّتها النّفوس المباركة إنّي أرجو لكم الفوز والفلاح الأبديّين وألتمس لكم كلّ التّوفيق في العوالم الإلهيّة وأملي أن يسطع كلّ واحد منكم من أفق العالم سطوع نجمة الصّباح، ويكون كلّ واحد منكم في هذه الحديقة الإلهيّة شجرة مباركة تؤتي الفواكه الأبديّة. ولذا أدلّكم إلى كلّ ما فيه تأييداتكم السّماويّة وأنوار الملكوت الإلهيّ، وهو أنّ ألاسكا إقليم واسع ومع أنّ إحدى إماء الرّحمن قد توجّهت إلى تلك الأشطار وتعيّنت في المكتبة العامّة بوظيفة أمينة المكتبة، ومع أنّها لا تقصّر في الخدمة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، لكن نداء الملكوت لم يرتفع بعد في ذلك الإقليم الشّاسع، لقد تفضّل المسيح قائلاً اذهبوا إلى شرق العالم وغربه ونادوا بملكوت الله، بناءً على ذلك يجب أن تشمل الرّحمة الإلهيّة جميع النّاس فلا ترضوا بعد هذا أن يبقى قطر ألاسكا محرومًا من نسائم صبح الحقيقة، فاجهدوا ما استطعتم وأرسلوا إلى تلك الجهات نفوسًا ناطقة بليغة منقطعة إلى الله منجذبة بنفحات الله منزّهة ومقدّسة عن النّفس والهوى، زادهم ومتاعهم تعاليم الله يعملون بها هم بأنفسهم أوّلاً ثمّ يدعون النّاس إليها، عسى أن تنير بإذن الله أنوار الهداية الكبرى ذلك القطر وتعطّر نسائم محبّة الله الهابّة من حديقة الرّحمن مشام سكّان ألاسكا. فإذا وفّقتم بمثل هذه الخدمة فأيقنوا بأنّكم وضعتم تاج السّلطنة الأبديّة على رؤوسكم وأصبحتم من المقبولين والمقرّبين لدى العتبة الإلهيّة وكذلك جمهوريّة المكسيك هي ذات أهمّيّة بالغة فأغلبيّة أهاليها من الكاثوليك المتعصّبين ولا خبر لهم أبدًا عن حقيقة التّوراة والإنجيل ولا عن التّعاليم الإلهيّة الجديدة وهم لا يعلمون أنّ أساس الأديان الإلهيّة واحد وأنّ المظاهر المقدّسة هم بمثابة شمس الحقيقة طلعوا من مطالع متعدّدة، إنّ هؤلاء النّاس غرقى بحر التّقاليد فلو نفخت فيهم نفخة من الحياة لنتجت عن ذلك نتائج عظيمة، ولكنّ النّفوس التي تعزم على السّفر إلى المكسيك يجب أن يلمّوا باللّغة الإسبانيّة. وكذلك الجمهوريّات المركزيّة السّتّ الواقعة في أمريكا الوسطى جنوبي المكسيك وهي غواتيمالا، هندوراس، السلفادور، نيكاراغوا، كوستاريكا، باناما والقطر السّابع بليز (أو هندوراس البريطانيّة) فالّذين يسافرون إلى تلك الجمهوريّات يجب أن يعرفوا اللّغة الإسبانيّة. يجب عليكم الاهتمام كلّ الاهتمام بأهالي أمريكا الأصليّين أي الهنود الحمر، لأنّ هذه النّفوس أشبه بأهالي الجزيرة العربيّة القديمة الّذين كانوا قبل البعثة النّبويّة كالوحوش فلمّا طلع فيهم النّور المحمّدي استناروا إلى درجة أناروا العالمين، وكذلك الأمر في هؤلاء الهنود فإنّهم لو تربّوا ونالوا الهداية فلا ريب في أنّهم يتنوّرون بالتّعاليم الإلهيّة بحيث ينيرون بها كلّ الأقاليم.

إنّ جميع هذه الأقاليم سالفة الذّكر ذات أهمّيّة بالغة وخاصّة جمهوريّة باناما التي فيها يلتقي المحيط الأطلسي بالمحيط الهادي، وهي مركز للعبور والمرور من أمريكا إلى سائر القارّات وسوف تكون لها في المستقبل أهمّيّة كبرى. وكذلك جزر الهند الغربيّة أمثال كوبا، هاييتي، بورتوريكو، جامايكا، وكذلك جزر الأنتيل الصّغرى وجزر البهاما وحتّى أنّ جزيرة واتلنغ الصّغيرة مهمّة جدًّا وخاصة جمهوريّتي هاييتي وسانت دومينغو اللّتين يقطنهما الجنس الأسود والواقعتين في مجموعة جزر الأنتيل الكبرى، وكذلك مجموعة جزر بيرمودا الواقعة في المحيط الأطلسي لها أهمّيّتها، وكذلك جمهوريّات قارة أمريكا الجنوبيّة أمثال كولومبيا، الإكوادور، بيرو، البرازيل، غيانا البريطانيّة، غيانا الهولنديّة، غيانا الفرنسيّة، بوليفيا، تشيلي، الأرجنتين، أوراغواي، باراغواي، فنزويلا، وكذلك بعض الجزر الواقعة شمال أمريكا الجنوبيّة وشرقها مثل جزر فوكلاند، غالاباغو، خوان فرنانديز، توباغو، ترينيداد، وكذلك مدينة بهائيّة الواقعة على السّاحل الشّرقي من البرازيل وحيث أنّها سمّيت منذ سنين بهذا الاسم فإنّ هذا الاسم سيكون له تأثير شديد فيها.

وصفوة القول يجب أن تكون لدى أحبّاء الله همم عالية وأهداف سامية ويتفضّل حضرة المسيح بقوله طوبى للفقراء لأن لهم ملكوت الله ويعني بهذا أنّ هنيئًا للفقراء الّذين لا شهرة لهم ولا ألقاب إذ سيكونون أسياد العالم الإنسانيّ، وكذلك يتفضّل في القرآن بقوله ونريد أن نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين ويريد تعالى بهذه الآية أننا نسبغ فضلنا على الضّعفاء فنجعلهم ورثة الأنبياء والمرسلين.

وها قد آن الأوان لتخلعوا رداء التّعلّق بهذا العالم الفاني وتنسخلوا من عالم البشريّة انسلاخًا كلّيًّا وتصبحوا ملائكة السّماء وتسافروا إلى هذه الأقطار، والله الّذي لا إله إلا هو لتصبحنّ كلّ واحد منكم إسرافيل الحياة ولتنفخنّ نسمة الحياة في الآخرين وعليكم وعليكنّ التّحيّة والثّناء.

مناجاة

يا إلهي الفريد يا ربّ الملكوت إن هذه النّفوس جيشك السّماويّ فامددهم وانصرهم بجنود الملأ الأعلى حتّى يصبح كلّ واحد منهم أشبه بفيلق يفتح تلك البلاد بمحبّة الله وبنورانيّة التّعاليم الإلهيّة، كن لهم يا إلهي نعمَ الظّهير والنّصير، وآنسهم في القفار والجبال والوديان والغابات والبحار والصّحارى حتّى ينادوا بقوّة ملكوتيّة وبنفثات من روح القدس، إنّك أنت المقتدر العزيز القدير وإنّك أنت العليم السّميع البصير. ع ع

اللّوح السّابع

وقد صدر في صباح يوم الثّلاثاء الحادي عشر من نيسان 1916 في البهجة في غرفة الهيكل المبارك بإعزاز الأحباء وإماء الرّحمن في الولايات المتّحدة وكندا:

هو الله

أيّها البهائيّون الحقيقيّون في أمريكا الشّكر لله على ما وفّقكم لنشر التّعاليم الإلهيّة في ذلك الإقليم الواسع وعلى ما أيّدكم في رفع نداء ملكوت الله في تلك الدّيار وفي إعلانكم بشارة ظهور ربّ الجنود والمظهر الموعود فقد وفّقتم ولله الحمد في هذا الهدف وليس ذلك إلا من تأييدات ربّ الجنود ونفثات روح القدس لكن نجاحكم هذا ظلّ مجهولاً لم يدركه النّاس حتّى الآن وسترون عمّا قريب كيف أنّ كلّ واحد منكم نشرتم أنوار الهدى من ذلك الأفق كنجم درّيّ ساطع وكنتم سببًا في نوال أهل أمريكا الحياة الأبديّة، لاحظوا أنّ نجاح الحواريّين في زمان السّيّد المسيح كان مجهولاً ولم يعتنِ به أحد بل كانوا هدفًا للاستهزاء والعدوان، وبعد مرور زمن اتّضح أيّ تاج مرصّع بجواهر الهداية الزّواهر قد وضعه على رؤوسهم أولئك الحواريّون والمؤمنات من النّساء أمثال مريم المجدليّة ومريم أمّ يعقوب. وكذلك ما نلتموه من نجاح ليس الآن معروفًا وأرجو أن تهتزّ منه الآفاق قريبًا، وإنّ أمنية عبد البهاء هي أن تتوفّقوا في بقيّة قارّات العالم إلى مثل ما توفّقتم إليه في القارّة الأمريكيّة، وأعني بذلك أن توصلوا صيت أمر الله إلى الشّرق والغرب وتبشّروا قارّات العالم الخمس بظهور ملكوت ربّ الجنود. وحينما يصل هذا النّداء الإلهيّ من قارّة أمريكا إلى قارّات أوروبّا وآسيا وأفريقيا وأستراليا وجزر المحيط الهادي يجلس أحبّاء أمريكا على عرش السّلطنة الأبديّة ويطبق صيت نورانيّتهم وهدايتهم كلّ الآفاق ويحيط صدى عظمتهم جميع العالمين.

إذن يجب أن تتوجّه منكم جماعة تعرف اللّغات ومنقطعة ومنزّهة ومقدّسة وممتلئة قلوبها بمحبّة الله إلى المجموعات الكبيرة الثّلاث من جزر المحيط الهادي أمثال بولينيزيا، مايكرونيزيا، ميلانيزيا، غينيا الجديدة، بورنيو، جاوا، سومطرا، جزر الفلبّين، جزر سليمان، جزر فيجي، جزر هبرديز الجديدة، جزر لويالتي، كالدونيا الجديدة، أرخبيل بسمارك، سيرام، سيليبس، جزر فريندلي، جزر ساموا، جزر سوسايتي، جزر كارولين، أرخبيل لو، جزر ماركيز، جزر الهاواي، جزر جلبرت، جزر مولوكاس، جزر مارشال، جزر تيمور وسائر الجزر، فيسافروا إليها ويبشّروا النّاس فيها بظهور ربّ الجنود بقلوب طافحة بمحبّة الله وألسنة ناطقة بذكر الله وعيون متوجّهة إلى ملكوت الله وأيقنوا بأنّكم في أي مجمع تدخلونه يتموّج روح القدس في أوج ذلك المجمع وتحيط به تأييدات الجمال المبارك السّماويّة.

لاحظوا ابنة الملكوت أجنس ألكساندر أمة الجمال المبارك كيف سافرت لوحدها إلى جزيرة هونولولو إحدى جزر الهاواي وهي الآن مشغولة بالفتوحات الرّوحانيّة في اليابان، وانظروا مدى نجاح هذه البنت في جزر الهاواي، فقد أصبحت سببًا في هداية جمهور من النّاس، وما أعظم ما توفّقت إليه مس نوبلاك التي سافرت لوحدها إلى ألمانيا، فأيقنوا أنّ كلّ نفس تقوم اليوم على نشر نفحات الله تؤيّدها جنود ملكوت الله وتحيط بها ألطاف الجمال المبارك وعناياته. ليت السّفر إلى هذه الجهات كان متيسّرًا لي حتّى أقوم به حافي القدمين ولو في أشدّ الفقر صارخًا في المدن والقرى والجبال والصّحارى والبحار بأعلى صوتي صرخة "يا بهاء الأبهى" ومروّجًا التّعاليم الإلهيّة ولكن هذا ليس متيسّرًا لي الآن ولذا فأنا في حسرة عظيمة عسى أن يوفّقكم الله بذلك.

والآن في جزر الهاواي وردت جماعة من النّفوس إلى شواطئ بحر الإيمان بهمّة أمة الله ألكساندر، فانظروا ما أعظم هذا السّرور وما أشدّ هذا الابتهاج، قسمًا بربّ الجنود لو أنّ هذه البنت المحترمة أسّست سلطنة لما كانت عظمة تلك السّلطنة بمثل هذه العظمة، فهذه السّلطنة سلطنة أبديّة وهذه العزّة عزّة سرمديّة، وكذلك الأمر لو يسافر بعض المبلّغين إلى الجزر والأقطار الأخرى أمثال قارّة أستراليا، وجزر نيوزيلندة، وجزيرة تسمانيا، وكذلك لو يذهب مبلّغون إلى اليابان وإلى آسيا الرّوسيّة وإلى كوريا وإلى الصّين وإلى الهند وسيلان وأفغانستان فسوف تكون لسفرهم نتائج عظيمة، وما أحسن لو أمكن أن تسافر جماعة من الرّجال والنّساء سويّة إلى الصّين واليابان حتّى تتوثّق أواصر المحبّة ويؤسّسون بعبورهم ومرورهم وحدة العالم الإنسانيّ ويدعون النّاس إلى ملكوت الله وينشرون التّعاليم الإلهيّة. وكذلك لو أمكن أن يسافروا إلى القارّة الأفريقيّة ويقوموا في جزر كناري، وجزر الرأس الأخضر وجزر ماديرا وجزر ريونيون وجزر سانت هلينا، وزنجبار وموريشوس وغيرها بدعوة النّاس إلى ملكوت الله ويرفعوا صيحة يا بهاء الأبهى وأن يرفعوا راية وحدة العالم الإنساني في جزيرة مدغشقر ويترجموا كتبًا ورسائل إلى لغات أهالي تلك الأقطار أو يؤلّفوها بتلك اللّغات وينشروها في تلك الجزر والبلدان، ويقال إنّ معدن الماس قد اكتشف في جنوبي أفريقيا ولكنّ هذا المعدن مهما كان ثمينًا فهو حجر وعسى أن توجد بمشيئة الله في أفريقيا معادن بشريّة فتعثروا فيها على جواهر الملكوت الزّواهر.

وصفوة القول إنّ هذه الحرب المحرقة أوقدت في القلوب نارًا لا توصف، وأماني السّلام موجودة الآن في ضمائر النّاس في شتّى أقطار العالم، فلم يبقَ إنسان لم يتمنَّ السّلام، وثمّة استعداد عجيب موجود الآن، وهذا من الحكمة الإلهيّة البالغة التي تهدف إلى إيجاد الاستعداد في النّاس للقيام برفع راية وحدة العالم الإنسانيّ وترويج السّلام العام والتّعاليم الإلهيّة في الشّرق والغرب.

إذن يا أحبّاء الله! ابذلوا الهمّة وانشروا خلاصة التّعاليم الإلهيّة بعد هذه الحرب في الجزر البريطانيّة وفرنسا وألمانيا والنّمسا والمجر وروسيا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا وسويسرا والسّويد والنّرويج والدّنمارك وهولندا والبرتغال ورومانيا والصّرب والجبل الأسود وبلغاريا واليونان وأندورا ولنختنشتاين ولكسمبورغ وموناكو وسان مارينو وجزر باتريك وكورسيكا وسردينيا وصقلية وكريت ومالطة وآيسلندة، وجزر فارو، وجزر جتلند، وجزر هبرديس، وأوركني، واسطعوا في جميع هذه الأقطار من أفق الهدى سطوع نجمة الصّباح. ولقد بذلتم حتّى الآن جهدًا كبيرًا ولكنّكم بعد الآن ضاعفوا الجهود ألف مرّة ونادوا بالملكوت الأبهى في هذه الأقطار والعواصم والجزر والمحافل والكنائس، إذ يجب أن تتّسع دائرة جهودكم وكلّما اتّسعت جهودكم زاد نجاحكم، لقد لاحظتم كيف أنّ عبد البهاء وهو في منتهى الضّعف وانحلال القوى ومريض لا يطيق حراكًا ومع ذلك توجّه إلى أكثر أقطار أوروبّا وأمريكا وقام على ترويج التّعاليم الإلهيّة في الكنائس والمحافل والمجامع مناديًا بظهور الملكوت الأبهى، ولاحظتم كيف أحاطت تأييدات الجمال المبارك. ثمّ انظروا ماذا ينتج عن راحة الجسد ورخائه وترفيه الجسم وعن التلوّث بهذه الدّنيا الفانية؟ لا شكّ أنّ عاقبة ذلك خسران الإنسان وخيبته، إذن يجب إغماض النّظر عن هذ الأفكار كلّها والتماس الحياة الأبديّة، ورجاء السّموّ للعالم الإنسانيّ والرّقيّ الرّبّانيّ، والفيض السّماويّ الكلّيّ ونفثات روح القدس وإعلاء كلمة الله وهداية من على الأرض وترويج السّلام العام وإعلان وحدة العالم الإنسانيّ، هذا هو العمل العظيم وبغير ذلك ينهمك الإنسان مثل سائر الحيوانات الوحشيّة والطّيور في متطلّبات الحياة الجسمانيّة وإرضائها، وهو منتهى آمال المملكة الحيوانيّة فيعيش الإنسان على سطح الأرض عيشة البهائم.

لاحظوا الإنسان في هذه الدّنيا تروا أنّه مهما أصبح غنيًّا واستقرّ وجمع ثروة طائلة فإنّه لن يبلغ ما تبلغه البقر، لأنّ البقر السّمان مراتعها جميع الأراضي الخضراء في هذه السّهول الواسعة، ومشربها جميع الينابيع والأنهار وهي ملك لها لا ينفد مهما أكلت وشربت وهي تنال هذه النّعمة الجسمانيّة بكلّ سهولة ويسر، وأحسن من ذلك عيشة الطّيور، فهي في أعالي الغصون فوق الجبال لها أوكار خير من قصور الملوك، ولديها الهواء في منتهى النّقاء، والمياه في منتهى العذوبة، والمناظر في منتهى الجمال، وهي تقضي أيّامها وجميع بيادر تلك المروج ملكها دون عناء أو شقاء. أمّا الإنسان فإنّه مهما ارتقى في هذه الدّنيا فلن يبلغ ما تبلغه هذه الطّيور.

إذن اتّضح أنّ الإنسان مهما بذل من الجهود في الشّؤون الدّنيويّة إلى حدود الإعياء والهلاك فإنّه لن يحصل على رخاء طير صغير ووفرة معيشته، فاتّضح كلّ الوضوح أنّ الإنسان لم يخلق من أجل العيش في هذه الدّنيا الفانية بل خلق من أجل اكتساب الفضائل التي لا حدود لها والبلوغ إلى سموّ العالم الإنسانيّ والتّقرّب إلى العتبة الإلهيّة والجلوس على سرير السّلطنة الأبديّة وعليكم وعليهنّ البهاء الأبهى.

مناجاة

كلّ نفس تسافر من أجل التّبليغ تتلو هذه المناجاة ليلاً ونهارًا في دار الغربة:

إلهي إلهي تراني والهاً مُنجذبًا إلی ملكوتك الأبهی ومُشتعلاً بنارِ محبّتِكَ بينَ الوری ومُناديًا بملكوتكَ في هذه الدّيار الشّاسعةِ الأَرجاءِ، مُنقطعاً عمّا سِواكَ مُتوَكِّلاً عليكَ تاركًا الرَّاحةَ والرَّخاءَ بعيدًا عنِ الأوطانِ هائمًا في هذه البُلدانِ غريبًا طريحًا علی التّرابِ خاضعًا إِلی عَتبتِكَ العُليا خاشِعًا إِلی جبروتِكَ العُظمی مُناجيًا في جُنْحِ اللّيالي وبطون الأَسْحار مُتضرِّعًا مُبتهِلاً في الْغُدُوِّ والآصالِ، حتّى تُؤَيِّدَني علی خدمةِ أمرِكَ ونشرِ تعاليمِكَ وإعلاءِ كلمتِكَ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها. رَبِّ اشدُدْ أَزْرِي وَوَفِّقْني علی عبوديّتِكَ بكُلِّ القوی ولا تتركْنِي فريدًا وحيدًا في هذه الدّيار. رَبِّ آنِسْني في وَحْشتي وجالِسْني في غُربتي إنّكَ أنتَ المُؤَيِّدُ لِمَنْ تشاء علی ما تشاء وإنّكَ أنتَ القويُّ القديرُ. ع ع

اللّوح الثّامن

وقد صدر في صباح الأربعاء التّاسع عشر من نيسان سنة 1916 في غرفة الهيكل المبارك وصباح الخميس العشرين من نيسان في مسافرخانه وصباح السّبت الثاني والعشرين في البهجة في حديقة الرّوضة المباركة بالعنوان التالي:

هو الله

يا حواريّي بهاء الله! روحي لكم الفداء!

إن حضرة الموعود قد عبّر عنه في الكتاب المقدّس بربّ الجنود أي الجنود السّماويّة، والمقصود بالجنود السّماويّة هم نفوس انسلخت كلّيًّا من عالم الطّبيعة البشريّة وانقلبت إلى ملائكة سماويّة ونفوس ملكوتيّة، فهذه النّفوس هي أشعّة شمس الحقيقة التي تنير الآفاق وفي يد كلّ واحد منهم صور ينفخ الرّوح في الآفاق، وقد نجوا من الصّفات البشريّة وعالم الطّبيعة المادّيّ متخلّقين بالأخلاق الإلهيّة ومنجذبين بالنّفحات الرّحمانيّة كالحواريّين الذين امتلأوا من السّيّد المسيح، هؤلاء النّفوس أيضًا يمتلئون من حضرة بهاء الله أي أنّ محبّة حضرة بهاء الله تتملّك أعضاءهم وأجزاءهم وأركانهم بحيث لا يبقى تأثير للعالم البشري عليها. إنّ هذه النّفوس جنود إلهيّة تفتح الشّرق والغرب، وإذا ما توجّه أحدهم إلى قطر من الأقطار ودعا النّاس إلى ملكوت الله ساندته جميع القوى المعنويّة والتّأييدات الرّبّانيّة وكانت ظهيرًا له ووجد الأبواب مفتوحة ورأى القلاع والحصون مهدّمة، ويهاجم وحده جيوش العالم ويهزم جنود العالم من اليمين واليسار ويقتحم صفوف الأمم ويتغلغل إلى قلب القوى الأرضيّة، هؤلاء هم جند الله. إنّ كلّ واحد من أحباء بهاء الله يبلغ هذا المقام يكون منزلة حواري بهاء الله، إذن فاجهدوا بقلوبكم وأرواحكم حتّى تبلغوا هذا المقام الأسمى الأعلى، وتجلسوا على سرير السّلطنة الأبديّة وتضعوا على رؤوسكم الإكليل الملكوتيّ الجليل الذي تسطع جواهره الزّواهر على ممرّ القرون والأعصار.

أيّها الأحبّاء الأودّاء! ارفعوا هممكم وابلغوا في طيرانكم أوج السّماء حتّى تزداد نورانيّة قلوبكم المباركة يومًا فيومًا من أنوار شمس الحقيقة وأعني حضرة بهاء الله، وتحيا أرواحكم في كلّ لحظة حياة جديدة وتزول عنكم ظلمات عالم الطّبيعة زوالاً كلّيًّا، فتصبحوا نورًا مجسّمًا وروحًا مصوّرًا منقطعين عن شؤون هذه الدّنيا ومتّصلين بشؤون العالم الإلهيّ. لاحظوا أيّة أبواب فتحها لكم حضرة بهاء الله، وأيّ مقام رفيع أعلى قدره لكم، وأيّة موهبة يسّرها لكم، وإذا ما ثملنا من هذه الكأس بدت لنا سلطنة هذا العالم التّرابيّ أحطّ من ملعبة الصّبيان، وإذا وضع في أحد الميادين تاج حكم هذا العالم وطلب من كلّ واحد منّا قبوله فلا شكّ في أنّنا لن نتنازل ولن نقبله. إنّ البلوغ إلى هذا المقام الأعلى منوط بشروط:

الشّرط الأوّل: الثبوت على ميثاق الله لأن قوّة الميثاق تحفظ أمر بهاء الله من شبهات أهل الضّلال، وهي حصن أمر الله الحصين وركن دين الله المتين، وليس هناك اليوم من قوة لتحفظ وحدة العالم البهائيّ غير قوّة الميثاق الإلهيّ وبغيرها يحيط الاختلاف بالعالم البهائيّ إحاطة الطّوفان الرّهيب.

ومن البديهيّ أنّ محور وحدة العالم الإنسانيّ هو قوّة الميثاق لا غير. ولو لم يوضع هذا الميثاق ولم يدوّن بالقلم الأعلى ولم ينوّر كتاب العهد العالم كلّة كما نوّرته أنوار شمس الحقيقة لاضطرب أمر الله اضطرابًا كلّيًّا، ولضربت النّفوس التي أسرتها الأهواء بمعاولها على جذور هذه الشّجرة المباركة، فسوّلت كلّ نفس هواها وذهب كلّ شخص مذهبًا، ومع وجود هذا الميثاق العظيم جال في الميدان عدد من البلهاء راجين أن يحدثوا في أمر الله ثغرة، ولكنهم جميعًا ولله الحمد خابوا وخسروا وسوف يرون أنفسهم في يأس شديد.

إذن يجب على كلّ فرد قبل كلّ شيء أن يرسخ قدمه في الميثاق حتّى تحيط به تاييدات بهاء الله من جميع الجهات وتكون جنود الملأ الأعلى معينة وظهيرة له، وتنفذ نصائح عبد البهاء ووصاياه في القلوب كالنّقش في الحجر.

الشّرط الثّاني: الألفة والمحبّة بين الأحبّاء إذ يجب أن يفتن أحبّاء الله ببعضهم حبًّا وينجذب بعضهم إلى بعض ودًّا ويضحّي بعضهم في سبيل البعض الآخر، وإذا ما التقى أحدهم بالآخر فكأنّه العطشان بلغ معين الحياة أو العاشق لقي معشوقه الحقيقيّ، لأن من أعظم الحكم الإلهيّة في ظهور المظاهر المقدّسة الرّبّانيّة هي أن تأنس النّفوس إلى بعضها فتجعلهم قوّة محبّة الله أمواجًا في بحر واحد وأزهارًا في حديقة واحدة ونجومًا في سماء واحدة، هذه هي حكمة ظهور المظاهر المقدّسة. فإذا تجلّت هذه الموهبة العظمى في قلوب الأحبّاء تبدّلت عوالم الطّبيعة البشريّة وزالت ظلمات الإمكان وتيسّرت نورانيّة السّماء حينئذ يصبح العالم بأجمعه جنّة الأبهى ويصير كلّ واحد من أحبّاء الله شجرة مباركة تحمل أبدع الثّمار.

فيا أحبّاء الله البدار إلى الألفة وإلى المحبّة وإلى الاتّحاد حتّى تظهر قوّة الأمر البهائي وتتجلّى في عالم الوجود. إنّ قلبي الآن مشغول بذكركم في منتهى الهيجان، ولو عرفتم مبلغ انجذابي نحو الأحبّاء لبلغ بكم السّرور والحبور درجة تولّه فيها بعضكم بعضًا.

الشّرط الثّالث: هو أن ترسلوا المبلّغين إلى أنحاء قطركم بل إلى أنحاء العالم، ولكن يجب أن يكونوا في أسفارهم على غرار عبد البهاء في سفره إلى بلاد أمريكا، مطهّرين عن كلّ لوث ومقدّسين وفي منتهى الانقطاع ومصداقًا لقول السّيّد المسيح: إذا دخلتم مدينة فانفضوا حتّى غبارها عن نعالكم لاحظتم أنّ كثيرًا من النّفوس في أمريكا أرادت أن تقدّم الهدايا بكلّ توسّل وإلحاح، ولكنّ هذا العبد نظرًا لوصايا الجمال المبارك ونصائحه لم يقبل شيئًا أبدًا، مع أنّه كان في بعض الأحيان في عسر شديد. أمّا لو قدّم إنسان إعانة عن طيب خاطره وحسن سريرته ولله وفي الله فليقبل المبلّغ مقدارًا قليلاً منها من أجل ابتهاج خاطره ويعيش عيشة تقشّف، والقصد هو أن تكون نيّة المبلّغ خالصة وأن يكون فارغ القلب، غنيّ النّفس، منجذب الرّوح، مستريح الفكر، شديد العزم، عالي الهمّة، وأن يكون في محبة الله شعلة متوهّجة، فإذا كان على ذلك أثّرت أنفاسه الطّاهرة في الصّخرة الصّمّاء، وبعكس ذلك لن تحصل منه أيّة ثمرة، فإن لم يكن الإنسان كاملاً في نفسه كيف يستطيع إزالة نقائص الآخرين؟ وإذا لم يمكن منقطعًا في نفسه كيف يستطيع تعليم الانقطاع للآخرين؟

فيا أحبّاء الله ابذلوا جهودكم في ترويج دين الله ونشر التّعاليم الإلهيّة بكلّ الوسائل الممكنة ومنها تأسيس مجالس للتّبليغ تجتمع فيها النّفوس المباركة ويقوم قدماء الأحبّاء على جمع الشّبّان اليافعين النّاشئين بمحبّة الله في مدارس التّبليغ، فيعلّمونهم البراهين الإلهيّة والحجج والأدلّة ويشرحون لهم تاريخ الأمر المبارك ويفسّرون لهم جميع الأدلّة الواردة في الكتب والصّحف الإلهيّة السّالفة حول ظهور الموعود، حتّى يتضلّع الشّبّان في جميع هذه الأمور، ومنها تأسيس دار لترجمة الألواح في أيّ وقت تيسّر ذلك، فتباشر النّفوس الفاضلة المتضلّعة في اللّغات الفارسيّة والعربيّة والأجنبيّة أو في لغة أجنبيّة واحدة ترجمة الألواح وكتب الاستدلال وتطبعها وتنشرها في قارّات المعمورة الخمس. ومنها تنظيم تحرير مجلّة "نجمة الغرب" بحيث تكون محتوياتها سببًا في ترويج أمر الله فيطّلع النّاس في الشّرق والغرب على المهمّ من الوقائع والأحداث، ويجب أن لا تخرج الأحاديث في المجامع العامّة والخاصّة عن نطاق أمر الله بل تنحصر جميع المقالات في أمر الله ولا تجري فيها أحاديث متفرّقة ولا يجوز الجدال بأيّ وجه من الوجوه.

يجب على المبلّغين الذين يسافرون إلى الأطراف أن يعرفوا لغة البلد الذي يدخلونه فمثلاً يسافر إلى اليابان من يتقن اللّغة اليابانيّة، أمّا من يتقن اللّغة الصّينيّة فليسافر إلى الصّين وهكذا دواليك.

سوف يكون بعد هذه الحرب العامّة لدى النّاس استعداد عظيم للإصغاء إلى التّعاليم الإلهيّة، لأنّ الحكمة الإلهيّة من هذه الحرب هي أن يعرف النّاس جميعًا أنّ نار الحرب محرقة للمعمورة وأنّ أنوار السّلام العام تنير العالمين، وأنّ هذه هي ممات وذلك هو حياة، هذه فناء وذاك بقاء، هذه نقمة كبرى وذاك نعمة عظمى، هذه ظلمات وذاك أنوار، هذه ذلّة أبديّة وذاك عزّة سرمديّة، هذه هادمة لبنيان الشر وذاك مؤسّس لسعادة الإنسان. بناء على ذلك لو نهضت نفوس جليلة بالشّروط المذكورة وتوجّهت إلى أطراف العالم وخاصّة من أمريكا إلى أوروبّا وأفريقيا وآسيا وأستراليا واليابان والصّين، وسافر مبلّغون وأحبّاء من الألمان إلى أقطار أمريكا وأفريقيا واليابان والصّين وبكلمة أخرى إلى أقطار العالم وجزره كلّها لحصلت من أسفارهم نتائج عظيمة خلال أمد قصير، ولرفرفت راية السّلام العام وأنارت أنوار وحدة العالم الإنساني كلّ الآفاق.

يا أحبّاء الله إنّ نصّ الكتاب الإلهيّ صريح في: إنّ شخصين لو تجادلا في مسألة من المسائل الإلهيّة واختلفا فيها وتنازعا حولها كان كلاهما على الباطل، وإنّ الحكمة الإلهيّة من هذا الأمر الباتّ هي منع حدوث الجدال والنّزال بين اثنين من أحبّاء الله، بل عليهما أن يتحدّثا بمنتهى الألفة والمحبّة، وإذا ما حدثت بينهما أدنى معارضة واختلاف فليسكتا ولا يتكلّما حول الموضوع أبدًا بل يسألا المبيّن عن حقيقة الموضوع، هذا هو القول الفصل وعليكم وعليهنّ البهاء الأبهى.

مناجاة

إلهي إلهي تَری قَدِ اشْتَدَّ الظَّلامُ الحالكُ عَلی كُلِّ المَمالِكِ، وَاحتَرَقتِ الآفاقُ مِنْ نائِرةِ النِّفاقِ، وَاشتَعَلَتْ نِيْرانُ الجِدالِ وَالقِتالِ في مَشارِقِ الأَرضِ وَمَغاربِها، فَالْدِّماءُ مَسْفوكَةٌ وَالأَجسادُ مَطروحَةٌ وَالرُّؤُوسُ مَذْبُوحَةٌ عَلَی التُّرابِ فِي مَيدانِ الجِدالِ، رَبِّ رَبِّ ارْحَمْ هؤلاءِ الجُهَلاءِ، وَانْظُرْ إِلَيْهِمْ بِعَين الْعَفْوِ وَالْغُفرانِ وَأطْفِئ هذِهِ النِّيرانَ حَتَّی تَنْقَشِعَ هذِهِ الْغُيُومُ الْمُتَكاثِفَةُ فِي الآفاقِ، حَتَّی تُشرِقَ شَمْسُ الحَقِيْقَةِ بِأَنوارِ الوِفاقِ، ويَنكَشِفَ هذا الظَّلامُ وَيَسْتَضِيْءَ كُلُّ المَمالِكِ بِأَنوارِ السَّلام، رَبِّ أَنْقِذْهُمْ مِن غَمَراتِ بَحْرِ البَغضاءِ، وَنَجِّهِمْ مِن هذِهِ الظُّلُماتِ الْدَّهْماءِ، وَأَلِّف بَينَ قُلوبِهِمْ وَنَوِّرْ أَبْصارَهُمْ بِنُورِ الصُّلْحِ وَالسَّلام، رَبِّ نَجِّهِمْ مِنْ غَمراتِ الْحَرْبِ وَالْقِتالِ وَأَنْقِذْهُمْ مِن ظَلامِ الضَّلالِ وَاكْشِفْ عَن بَصائِرِهِمْ الغِشاءَ، ونَوِّرْ قُلوُبَهُمْ بِنُورِ الهُدی وَعامِلْهُمْ بِفَضْلِكَ وَرَحمَتِكَ الْكُبْری، وَلا تُعامِلْهُمْ بِعَدْلِكَ وَغَضَبِكَ الَّذِيْ يَرتَعِدُ مِنْهُ فَرائِصُ الْأَقْوِياءِ، رَبِّ قد طالَتِ الْحُرُوبُ وَاشْتَدَّتِ الكُرُوبُ وتَبَدَّلَ كُلُّ مَعمورٍ بِمَطمُورٍ، رَبِّ قَد ضاقَتِ الْصُّدُورُ وتَغَرْغَرَتِ النُّفُوسُ، فَارْحَمْ هؤلاءِ الْفُقَراءَ ولا تَتْرُكْهُمْ يُفَرِّطُ فِيْهِمْ مَنْ يَشاءُ بِما يشاءُ، رَبِّ ابْعَثْ في بِلادِكَ نُفُوسًا خاضِعَةً خاشِعَةً مُنَوَّرَةَ الوُجُوهِ بِأَنوارِ الْهُدی مُنْقَطِعَةً عَنِ الْدُّنْيا ناطِقَةً بِالْذِّكْرِ وَالثَّناءِ ناشِرَةً لِنَفَحاتِ قُدْسِكَ بَيْنَ الوَری، رَبِّ اشْدُدْ ظُهورَهُم وَقَوِّ أُزُورَهُمْ وَاشْرَحْ صُدُورَهُم بِآياتِ مَحَبَّتِكَ الكُبری، رَبِّ إِنَّهُمْ ضُعَفاءٌ وَأَنتَ القَوِيُّ الْقَدِيرُ، وَإِنَّهُمْ عُجَزاءٌ وَأَنتَ المُعِيْنُ الْكَرِيْمُ، رَبِّ قَدْ تَمَوَّجَ بَحْرُ العِصْيانِ وَلا تَسْكُنُ هذِهِ الزَّوابِعُ إِلاّ بِرَحْمَتِكَ الْواسِعَةِ فِي كُلِّ الْاَرْجاءِ، رَبِّ إِنَّ النُّفُوسَ فِي هِاوِيَةِ الهَوی فلا يُنْقِذُها إِلاّ أَلْطافُكَ الْعُظْمی، رَبِّ أَزِلْ ظُلُماتِ هذِهِ الْشَّهَواتِ وَنَوِّرِ الْقُلُوبَ بِسِراجِ مَحَبَّتِكَ الّذي سَيُضِيءُ مِنهُ كُلُّ الْأَرْجاءِ، وَوَفِّقِ الْأَحِبّاءَ الَّذِيْنَ تَرَكُوا الْأَوْطانَ وَالْأَهْلَ وَالْوِلْدانَ وَسافَروا إِلِی الْبُلْدانِ حُبًّا بِجَمالِكَ وَانْتِشارًا لِنَفَحاتِكَ وَبَثًّا لِتَعاليمِكَ، وَكُنْ أَنِيْسَهُمْ فِي وَحْدَتِهِمْ وَمُعِيْنَهُمْ فِي غُرْبَتِهِمْ وَكاشِفًا لِكُرْبَتِهِمْ وَسَلْوَةً في مُصِيْبَتِهِمْ وَراحَةً في مَشَقَّتِهِمْ ورَواءً لِغُلَّتِهِمْ وَشِفاءً لِعِلَّتِهِمْ وَبَرْدًا لِلَوْعَتِهِمْ، إِنَّكَ اَنْتَ الْكَريْمُ ذُو الفَضْلِ العَظيمِ، وَإِنَّكَ أَنْتَ الْرَّحْمنُ الْرَّحِيْمُ . ع ع

المجموعة الثانية

تشمل على ستة ألواح

اللّوح الأوّل

وقد صدر من قلم مركز الميثاق بافتخار أحباء الله وإماء الرّحمن في تسع ولايات شمال شرقي الولايات المتّحدة في صباح يوم الجمعة الثّاني من شباط سنة 1917 في غرفة إسماعيل آقا في البيت المبارك في حيفا بالعنوان التالي:

إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في ولايات شمال شرقي الولايات المتّحدة: مين، نيوهامبشاير، رود آيلاند، كناتيكت، فيرمونت، بنسيلفانيا، ماساتشوستس، نيوجيرزي، نيويورك عليهم وعليهنّ التّحيّة والثّناء:

هو الله

أيّها الأحبّاء الحقيقيّون:

إنّ جميع الأقطار عند الله قطر واحد وجميع المدن والقرى لديه سواء، لا امتياز لأحدها على الآخر، إذ كلّها مزارع إلهيّة ومنشأ النّفوس البشريّة، ولكن أسبقيّة بعضها على البعض الآخر في الإيمان والإيقان يجعل شرف المكان بالمكين، فيستثنى بعض البلاد الّتي تفوز بشرف مزيّة لا نهاية لها، فمثلاً يتمتّع بعض أقطار أوروبّا وأمريكا بهواء لطيف وماء عذب وجبال وسهول وبراري بديعة، ومع ذلك فإنّ فلسطين قد أصبحت شرفًا لجميع هذه الأقطار، لأنّ جميع المظاهر المقدّسة الإلهيّة إمّا سكنت فيها أو مرّت بها أو هاجرت إليها منذ يوم إبراهيم عليه السّلام حتّى يوم ظهور خاتم الأنبياء، وكذلك فازت يثرب والبطحاء بشرف لا حدود له إذ سطع نور النّبوّة من ذلك الأفق، ولهذا السّبب امتازت فلسطين والحجاز على جميع الأقطار، وكذلك أصبحت القارّة الأمريكيّة اليوم عند الله ميدانًا لإشراق الأنوار وموطنًا لظهور الأسرار ومنشأ الأبرار ومجمع الأحرار، وكلّها مباركة ولكن الولايات التّسع لمّا كانت قد سبقت غيرها في الإيمان والإيقان لذا فقد فازت بهذه الأسبقيّة امتيازًا وصار لزامًا عليها أن تعرف قدر هذه النّعمة الّتي هي موهبة نالت بها الفخر، ومن أجل أن تقدّم شكرها على هذه النّعمة الكبرى يجب عليها أن تقوم بنشر نفحات الله حتّى تصدق في حقّها الآية الكريمة: الله نورُ السّموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درّيّ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور. ويقول الله في هذه الآية أنّ عالم الطبيعة عالم الظّلمات لأنّه منشأ ألوف الأنواع من الفساد، بل هو ظلمات في ظلمات، أمّا نورانيّة عالم الطّبيعة فتكون في إشراق شمس الحقيقة عليه، إنّ فيض الهدى أشبه بشمعة تضيء في زجاجة العلم والحكمة، وإنّ زجاجة العلم والحكمة هي في مشكاة القلب الإنساني، وإنّ دهن ذلك المصباح النّورانيّ هو من أثمار الشّجرة المباركة وإنّ ذلك الدّهن صافٍ بدرجةٍ تجعله يتّقد من دون نار، وعندما تجتمع قوّة النّور بصفاء الزّجاج وبرقّة المشكاة تصبح نورًا على نور. وصفوة القول إنّ عبد البهاء قد تجوّل وسافر في هذه الولايات التّسع المباركة، وأوضح حكمة الكتب السّماويّة ونشر النّفحات وأسّس في أكثرها الصّرح الإلهيّ، وفتح باب التّبليغ وبذر في تلك المزرعة بذورًا طاهرة، وغرس فيها غرسًا مباركًا، والآن يجب على أحبّاء الله وإماء الرّحمن أن يقوموا على سقاية ذلك الزّرع وتنشئته حتّى يترعرع وينمو نموًّا قويًّا، فيأتي بالفيض والبركة وتنشأ عنه البيادر العظيمة جدًّا. إنّ ملكوت الله أشبه بزارع يمرّ بتربة طاهرة ويبذر فيها البذور الحقيقيّة. وقد تهيّأت اليوم في هذه الولايات التّسع جميع هذه المواهب، وقد مرّ الزّارع الإلهيّ بتلك التّربة المباركة وبذر في تلك المزارع بذورًا طاهرة من التّعاليم الرّبّانيّة، وهطلت الفيوضات الإلهيّة، وأشرقت عليها حرارة شمس الحقيقة أي التّأييدات الرّحمانيّة، وهي الآن تحتاج إلى السّقاية وأملي أن يكون كلّ واحد من تلك النّفوس المباركة ساقيًا لا مثيل له ولا نظير، فيصبح شرق أمريكا وغربها الجنّة العليا حتّى ينادي الملأ الأعلى طوبى لكم ثمّ طوبى لكم وعليكم وعليكنّ التّحيّة والثّناء.

هذه المناجاة تتلى في كلّ يوم

يا إلهنا الرّؤوف نشكرك على ما أوضحت لنا سبيل الهدى، وفتحت لنا أبواب الملكوت، وتجلّيت علينا بشمس الحقيقة فجعلت العمي يبصرون، والتائهين يهتدون، والعطاشى يبلغون ينبوع الهدى، وقد أوصلت الحيتان الظّمأى إلى بحر الحقيقة، ودعوت الطّيور التّائهة إلى حديقة العناية، يا إلهي نحن جمع من عبيدك وفقراء ببابك، بعيدون عنك مشتاقون إليك، ونحن عطشى لمعينك ومرضى يلتمسون علاجك، وقد سلكنا سبيلك وليس لنا منية وهدف إلا نشر نفحاتك حتّى ينادي النّاس بنداء اهدنا الصّراط المستقيم، ويطوفون حول سراج الهدى وينال البائسون نصيبًا، ويصبح المحرومون مواقع الأسرار، فيا إلهي اشملنا بلحاظ عنايتك وأيّدنا بتأييدك السّماويّ وهب لنا نفثات روح القدس حتّى نتوفّق بالخدمة ونسطع في هذه الأقطار بنور الهدى سطوع الأنجم الدرهرهة، إنّك أنت المقتدر القدير وإنّك أنت العليم البصير. ع ع

اللّوح الثّاني

وقد صدر في صباح يوم السّبت الثّالث من شباط سنة 1917 في غرفة إسماعيل آقا في البيت المبارك بحيفا بالعنوان التّالي:

إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في ست عشرة ولاية جنوبيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة: ديلاوير، ماريلاند، فرجينيا، فرجينيا الغربية، كارولاينا الشّماليّة، كارولاينا الجنوبيّة، جورجيا، فلوريدا، ألاباما، مسيسيبي، تينيسي، كنتاكي، لويزيانا، أركانسو، أوكلاهوما، تكساس عليهم وعليهنّ التّحيّة والثّناء.

هو الله

أيّتها النّفوس المباركة المحترمة:

إن فلاسفة القرون الوسطى وعلماء القرون الوسطى وفلاسفة

القرون الحديثة قد أجمعوا على أنّ أحسن أقطار الدّنيا هي أقطار المنطقة المعتدلة، لأنّ العقول والأفكار فيها تبلغ منتهى الكمال والاستعداد والقابليّة الحضاريّة في منتهى القوّة، فإذا دقّقتم النّظر في التّاريخ اتّضح لكم أنّ مشاهير الرّجال أكثرهم برزوا من المنطقة المعتدلة، وأنّ الأقلّ من القليل منهم من المنطقة المتجمّدة أو المنطقة الحارّة.

والآن هذه الولايات الست عشرة من الولايات المتّحدة هي في منتهى الاعتدال وتتجلّى فيها كمالات عالم الطّبيعة بمنتهى الرّوعة، لأنّ اعتدال المناخ ولطافة المناظر وجمال الإقليم له تأثير عظيم على عالم العقول والأفكار كما دلّت التجارب، حتّى أنّ المظاهر المقدّسة الإلهيّة كانت أمزجتهم في منتهى الاعتدال وصحّتهم وسلامتهم في غاية الكمال وكانت بنيتهم في منتهى القوّة وقواهم في منتهى الكمال وحواسّهم الظّاهريّة والباطنيّة كانت شديدة بصورة خارقة.

إنّ هذه الولايات الستّ عشرة بالنّسبة إلى الولايات المجاورة هي في غاية الاعتدال، فلا بدّ أن يكون للتّعاليم الإلهيّة فيها تجلّ خاصّ، ولا بدّ أن تؤثّر فيها نفثات روح القدس تأثيرًا عظيمًا، وتسطع فيها شمس الحقيقة في أشدّ حرارتها ويموج بحر محبّة الله موجًا عظيمًا وتهبّ نسائم حديقة الحقائق والمعاني هبوبًا سريعًا، وتنتشر منها نفحات القدس انتشارًا عاجلاً، الحمد لله أن الفيوضات الإلهيّة لا نهاية لها، ونغمة التّعاليم الرّبّانيّة في أشدّ التّأثير، والنّيّر الأعظم في أشدّ إشراق وجنود الملكوت الأعلى في أسرع هجوم، والألسن أحدّ من السّيف، والقلوب أشدّ سطوعًا من النّور الكهربائيّ، وهمّة الأحبّاء فاقت همم السّلف والخلف، والنّفوس في منتهى الانجذاب ونار محبّة الله في منتهى الاشتعال، فلا بدّ من أن نغتنم فرصة هذا الزّمان اغتنامًا كثيرًا، ويجب عدم التّهاون لحظة واحدة، يجب الانقطاع عن كلّ راحة ونعمة واستقرار وتضحية الرّوح والمال جميعها في سبيل مالك الوجود، حتّى يشتدّ نفوذ القوى الملكوتيّة وتنير الأشعّة السّاطعة في هذا الدّور الجديد عوالم العقول والأفكار، لقد انتشرت النّفحات الإلهيّة في أمريكا منذ نحو ثلاث وعشرين سنة، ولكن لم تحصل حركة واشتعال كما ينبغي ويليق، وأملي الآن أن يقوم أحبّاء الله بقوّة سماويّة ونفحات رحمانيّة وانجذابات وجدانيّة وفيوضات سبحانيّة وجنود سماويّة مشتعلين بنار محبّة الله، فيعمّ الخير الوفير في زمن يسير، وتسطع شمس الحقيقة سطوعًا به تتلاشى وتنمحي ظلمات عالم الطّبيعة، وتعلو من كل زاوية نغمة بديعة وتصدح طيور السّحر بأنغام يتحرّك العالم الإنساني ويطرب بها، فتدبّ الحركة في الأجسام المتجمّدة، وتطير النّفوس الّتي هي كالصّخور الصّمّاء من أثر حرارة محبّة الله، كانت أرمينيا قبل ألفيّ سنة ظلمات فوق ظلمات ثمّ أسرعت نفس مباركة واحدة من تلامذة المسيح إلى تلك الجهات، وبالنّتيجة أصبح ذلك القطر مشرقًا منيرًا، ومن هذا يتّضح ما تصنع قوّة الملكوت، إذن فاطمئنّوا بالتّوفيقات الرّحمانيّة والتّأييدات الصّمدانيّة، وتقدّسوا وتنزّهوا عن هذا العالم وما فيه ولتكن نواياكم خالصة، واقطعوا كلّ علائقكم بهذا العالم، وكونوا كجوهر الرّوح خفيفين لطيفين، وقوموا بعزم راسخ وقلب طاهر وروح مستبشرة ولسان ناطق على ترويج التّعاليم الإلهيّة، حتى تنصب خيمة وحدة العالم الإنساني في قطب أمريكا، وتقتدي جميع الشّعوب بالسّياسة الإلهيّة، ومن المعلوم أنّ السّياسة الإلهيّة عدل ورأفة نحو الجميع، لأنّ جميع ملل العالم أغنام الله والله هو الرّاعي الرّؤوف، وقد خلق الله جميع هذه الأغنام وحفظها ورزقها وربّاها، فأيّة رأفة أعظم من رأفته؟ علينا أن نشكره ألف شكر في كلّ آن، لأننا ارتحنا ولله الحمد من التّعصّبات الجاهليّة، وأصبحنا رؤوفين بجميع أغنام الله وصار منتهى آمالنا خدمة الجميع والقيام على تربيتهم قيام الأب الحنون وعليكم وعليهنّ التّحيّة والثّناء.

ليَتلُ كل إنسان يسافر إلى مدن وقرى هذه الولايات لنشر التّعاليم الإلهيّة فيها هذه المناجاة في كلّ صباح:

هُو اللّه

إلهي إلهي تراني مَعَ ذُلّي وعدم استعدادي واقتداري مُهتَمًّا بعظائم الأمور، قاصدًا لاعلاءِ كلمتِكَ بين الْجُمهورِ، ناديًا لنشر تعاليمِكَ بين العموم، وإنّي لا أَتَوَفَّقُ بهذا الّا أَنْ يُؤَيِّدَني نفثاتُ روحِ القُدس، وينصُرَني جُنودُ ملكوتِكَ الأعلی وتُحيطَ بي توفيقاتُكَ الّتي تَجْعَلُ الذُّبابَ عقابًا والقطرةَ بحورًا وأنهارًا والذّرّاتِ شُموسًا وانوارًا، رَبِّ أَيِّدني بقوّتِكَ القاهرةِ وقُدرتِكَ النّافذةِ حتّی ينطقَ لساني بمَحامِدكَ ونُعوتِكَ بينَ خلقِكَ ويطفحَ جناني برحيقِ مَحبّتِكَ ومعرفتِكَ، إنّك أنت المقتدرُ علی ما تشاءُ وإنّك علی كلِّ شيءٍ قديرٌ . ع ع

اللّوح الثّالث

وقد صدر قبيل ظهر الخميس الثّامن من شباط سنة 1917 في غرفة الهيكل المبارك في البيت المبارك بعكاء بالعنوان التّالي:

إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في اثنتي عشرة ولاية مركزية في الولايات المتّحدة: مشيغان، ويسكنسن، إلينوي، إنديانا، أوهايو، مينيسوتا، آيوا، داكوتا الشّمالية، داكوتا الجنوبيّة، ميزوري، نبراسكا، كانزاس عليهم وعليهنّ التّحيّة والثّناء:

هو الله

يا أحبّائي القدماء وندمائي الأودّاء:

قال الله تعالى في القرآن العظيم يختصّ برحمته من يشاء.

إنّ هذه الولايات الاثنتي عشرة المركزيّة من الولايات المتّحدة هي بمثابة قلب أمريكا، فالقلب يرتبط بجميع أعضاء جسم الإنسان وأجزائه، وإذا صار القلب قويًّا تقوّت الأعضاء كلّها، وإذا كان القلب ضعيفًا وهنت جميع أركان الجسم، فشيكاغو كانت ولله الحمد منذ بداية انتشار نفحات الله القلب القويّ، لذا توفّقت بعون الله وعنايته إلى أمور عظيمة:

أوّلاً: إنّ النّداء إلى الملكوت ارتفع في بداية الأمر من شيكاغو، وهذه ميزة عظمى ستكون مدار افتخار شيكاغو في القرون القادمة والعصور التّالية.

ثانيًا: إنّ عددًا من النّفوس الّتي هي في أعلى درجات الثّبوت والاستقامة نهضت في تلك البقعة المباركة على إعلاء كلمة الله، وقلوبها مقدّسّة ومنزّهة حتّى الآن عن أيّ فكر، وهي مشغولة في ترويج التّعاليم الإلهيّة بحيث نداء الملكوت الأعلى مرتفع في الثّناء عليها بصورة متتابعة.

ثالثًا: إنّ عبد البهاء خلال أسفاره في أمريكا قد مرّ بشيكاغو كرارًا ومرارًا وآنس بأحبّاء الله فيها، وأقام فيها فترة طويلة وشغل فيها ليلاً ونهارًا بذكر الله وبدعوة النّاس إلى ملكوت الله.

رابعًا: إنّ كلّ تأسيس تمّ في شيكاغو سرى إلى بقيّة الأطراف والأكناف سريان ما يظهر في القلب ويبرز نحو جميع أعضاء الجسم وأنحائه.

خامسًا: إنّ أوّل مشرق أذكار في أمريكا قد تأسّس في شيكاغو، وهذا شرف ومنقبة لا حدّ لها، وسوف تتولّد من مشرق الأذكار هذا ألوف مشارق الأذكار، كما سوف يتأسّس أمثال مؤتمرها السّنويّ ومجلّتها (نجمة الغرب) ولجنة النّشر القائمة فيها على طبع الألواح والرّسائل ونشرها في أقطار أمريكا جمعاء، وكذلك الاستعدادات الجارية الآن للاحتفال بمناسبة القرن الذّهبي لتأسيس ملكوت الله فأملي أن يتمّ ذلك الاحتفال في منتهى الإتقان، حتّى يرتفع نداء التّوحيد: "لا إله إلاّ الله" وإنّ كلّ الأنبياء من البداية إلى خاتم الرّسل كلّهم على الحقّ من عند الله، وترفرف راية وحدة العالم الإنساني وتبلغ إلى الأسماع نغمة السّلام العامّ في الشّرق والغرب، وتستقيم وتتمهّد جميع السّبل، وتنجذب جميع القلوب بملكوت لاله، وترتفع خيمة التّوحيد في قطب أمريكا، وتطرب نغمة محبّة الله كلّ الأمم والملل، ويصبح سطح الغبراء جنّة أبديّة، وتتشتّت السّحب القاتمة وتشرق شمس الحقيقة بأشدّ الإشراق، فاسعوا يا أحبّاء الله بقلوبكم وأرواحكم كي تحصل الألفة والمحبّة والاتّحاد والاتّفاق في القلوب، وتصبح جميع النّوايا نيّة واحدة وجميع النّغمات نغمة واحدة، وتتغلّب قوّة روح القدس بحيث تستولي على جميع قوى عالم الطّبيعة، هذا هو العمل العظيم، لو حقّقناه تصبح أمريكا مركز السّنوحات الرّحمانيّة ويستقرّ سرير الملكوت الإلهيّ بكلّ حشمة وجلال. إنّ هذه الدّنيا الفانية لا تستقرّ آنًا على حالة واحدة، وهي في تغيّر وتبدّل، وإنّ كلّ بنيان فيها ينهدم في المآل، وإنّ كلّ عزّة وجلال ينمحي ويزول، ولكن ملكوت الله باقٍ والعزّة والحشمة الملكوتيّتان قائمتان إلى الأبد، فالحصير في ملكوت الله يكون لدى الإنسان العاقل أعظم من سرير السّلطنة الدّنيويّة. إنّ سمعي وبصري متوجّهان نحو الولايات المركزيّة على الدّوام، لعلّ نغمة من نفوس مباركة تبلغ مسمعي من أولئك الّذين هم مشارق محبّة الله ونجوم أفق التّنزيه والتّقديس الّتي تنير هذا العالم المظلم وتبعث الحياة في هذا العالم الميّت، إنّ سرور عبد البهاء مقصور على ذلك وأملي أن تصبحوا موفّقين في تحقيقه.

بناءً على ذلك يجب أن يقوم نفوس في منتهى الانقطاع والتّنزيه عن نقائص عالم الطّبيعة والتّقديس عن التّعلّق بهذه الحياة وحيّة بنفحة الحياة الأبديّة، ويسرع إلى الأنحاء المجاورة للولايات المركزيّة بقلوب نورانيّة وأرواح سماويّة وهمّة ملكوتيّة وانجذاب وجدانيّ وألسن ناطقة وبيان واضح وتبلّغ النّاس في كلّ مدينة وقرية وتهديهم إلى الوصايا والنّصائح الإلهيّة وتروّج وحدة العالم الإنساني وتعزف لحن السّلام العام عزفًا يغدو به كل أصمّ سميعًا وكلّ خامد مشتعلاً ويجد كلّ ميّت الحياة الأبديّة وينشط كلّ كامل ويقينًا سوف يتحقّق ذلك وعليكم وعليكنّ التّحيّة والثّناء.

ليَتلُ النّاشرون لنفحات الله هذه المناجاة في كلّ صباح ومساء:

رَبِّ رَبِّ لَكَ الحَمدُ وَالْشُّكْرُ بِما هَدَيْتَنِي سَبيلَ المَلَكُوتِ، وَسَلَكْتَ بي هذَا الصِّراطَ المُسْتَقِيْمَ المَمدُودَ، وَنَوَّرْتَ بَصَري بِمُشاهَدَةِ الأَنوارِ وَأَسْمَعْتَنِي نَغَماتِ طُيُورِ القُدسِ مِن مَلَكُوتِ الأَسْرارِ، وَاجْتَذَبْتَ قَلبي بِمَحَبَّتِكَ بَيْنَ الأَبْرارِ، رَبِّ أَيِّدْنِي بِرُوح القُدسِ حَتَّی أُنادِيَ بِاسْمِكَ بَينَ الأَقْوام، وَأُبَشِّرَ بِظُهُورِ مَلَكُوتِكَ بَينَ الأَنام، رَبِّ إِنّي ضَعيفٌ قَوّني بِقُدرَتِكَ وَسُلطانِكَ، وَكَليلُ اللِّسانِ أَنْطِقْنِي بِذِكرِكَ وَثَنائِكَ، وَذَليلٌ عَزِّزني بِالدُّخُولِ في مَلَكوتِكَ، وَبَعيدٌ قَرِّبْنِي بِعَتَبَةِ رَحمانيّتكَ، رَبِّ اجْعَلْنِي سِراجًا وَهّاجًا وَنَجمًا بازِغًا وَشجَرةً مُبارَكَةً مَشْحُونَةً بِالأَثمارِ مُظَلِّلَةً في هذِهِ الدِّيارِ، إِنَّكَ أَنْتَ العَزيزُ المُقتَدِرُ المُختارُ . ع ع

اللّوح الرّابع

وقد صدر في ليلة الخميس الخامس عشر من شباط سنة 1917 في غرفة الجمال المبارك بالعنوان التّالي:

إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في إحدى عشرة ولاية غربيّة من الولايات المتّحدة: نيومكسيكو، كولورادو، أريزونا، نيفادا، كاليفورنيا، وايومنغ، يوتا، مونتانا، أيداهو، أوريغون، واشنطن عليهم وعليهنّ التّحيّة والثّناء.

هو الله

يا أحبّاء الله وإماء الرّحمن المختارين في الملكوت:

إنّ ولاية كاليفورنيا المباركة على شبه كبير بالأرض المقدّسة أي قطر فلسطين، فهواؤها في منتهى الاعتدال وسهولها في منتهى الاتّساع، وفواكه فلسطين في تلك الولاية في منتهى النّضارة، وحين مرّ عبد البهاء بتلك الجهات رأى نفسه وكأنّه في فلسطين لأنّ الشّبه بين هذين الإقليمين تامّ من جميع الجهات، حتّى أنّ سواحل المحيط الهادي كلّها متشابهة لسواحل الأرض المقدّسة، وحتى أنّ أعشاب الأرض المقدّسة قد نبتت في تلك السّواحل ممّا أثار دهشة كبيرة، وكذلك تشاهد في ولاية كاليفورنيا وسائر الولايات الغربيّة آثار من عجائب عالم الطّبيعة تحيّر العقول، فالجبال شاهقة جدًّا والوديان سحيقة جدًّا، والشّلالات فيها بمنتهى الجلال، والأشجار بمنتهى الفخامة والتّربة بمنتهى الخصب والبركة، وحيث أنّ ذلك القطر المبارك يشبه الأرض المقدّسة، وأنّ أرضه كالجنّة العليا وكأنّها أرض فلسطين، ولمّا كان الشّبه بين القطرين طبيعيًّا لذا يجب أن يتشابها مشابهة ملكوتيّة أيضًا. إنّ أنوار الفيوضات الإلهيّة قد ظهرت من فلسطين، وإنّ أكثر أنبياء بني إسرائيل نادوا بملكوت الله من هذه البقعة المقدّسة، ومنها نشروا التّعاليم الرّوحانيّة وتعطّرت مشام الرّوحانيّين وتنوّرت عيون النّورانيّين، وتشنّفت آذانهم ووجدت قلوبهم الحياة الأبديّة من نسيم ملكوت الله المحيي للأرواح، واقتبست من أشعّة شمس الحقيقة النّورانيّة الرّبّانيّة، ثم سرت من هذه البقعة إلى جميع أوروبّا وأمريكا وآسيا وأفريقيا وأستراليا.

فالآن يجب كذلك أن تتشابه كاليفورنيا وسائر الولايات الغربيّة بالأرض المقدّسة تشابهًا معنويًّا، وتنتشر من تلك البقاع والدّيار نفثات روح القدس إلى جميع أمريكا وأوروبا، ويطرب نداء ملكوت الله جميع الآذان، وتمنح التّعاليم الإلهيّة حياة جديدة وتغدو الأحزاب المختلفة حزبًا واحدًا، وتستقرّ الأفكار المتعدّدة في مركز واحد، ويتعانق شرق أمريكا مع غربها وتمنح أنشودة وحدة العالم الإنساني جميع البشر حياة جديدة، وترتفع خيمة السّلام العام في قلب أمريكا حتّى تنتعش كذلك أوروبّا وأفريقيا بنفثات روح القدس، وتضحي الهيئة الاجتماعيّة البشريّة في نشأة جديدة، ويصبح العالم عالمًا آخر. وكما تتجلّى في ولاية كاليفورنيا وسائر الولايات الغربيّة الآثار العجيبة لعالم الطّبيعة كذلك يجب أن تتجلّى فيها آثار ملكوت الله العظيمة حتّى يطابق الجسد والرّوح ويصبح الظّاهر عنوان الباطن ويصبح الملك مرآة الملكوت.

وفي أيّام سفري وتجوالي في تلك الجهات شاهدت فيها مناظر خلابة وحدائق عامّة وبساتين غنّاء وأنهارًا دافقة ومجامع عامّة وشاهدت الرّياض والمزارع والثّمار والفواكه والسّهول الفسيحة الواسعة، وكان لها وقع حسن في نفسي ولا تزال الذّكريات عالقة في خاطري حتّى الآن، وقد سررت بصورة خاصّة بمحافل سان فرنسيسكو وأوكلاند ومجالس لوس أنجلوس وبالأحبّاء الّذين وفدوا إليها من مدن أخرى ولا تمرّ بخاطري ذكراهم إلا وينتابني فرح ليس له حدود.

أتمنّى أن تنتشر التّعاليم الإلهيّة في جميع تلك الولايات الغربيّة انتشار أشعّة الشّمس، فيتجلّى مصداق الآية الفرقانيّة المباركة بلدة طيّبة وربّ غفور والآية المباركة أوَ لم يسيروا في الأرض والآية الكريمة: فانظروا إلى آثار رحمة الله.

إنّ الميدان ولله الحمد واسع في هذه الولاية بعونه وعنايته، وإنّ العقول في منتهى السّموّ وإنّ العلوم والمعارف في منتهى الانتشار، وإنّ القلوب أشبه بالمرايا وفي منتهى الصّفاء والاستعداد، وإنّ أحبّاء الله في منتهى الانجذاب، لهذا فأملي أن تنعقد فيها محافل التّبليغ مرتّبة منتظمة، ويرسل منها مبلّغون كاملون إلى المدن وحتى إلى القرى لنشر نفحات الله، يجب أن يكون المبلّغون نفوسًا ملكوتيّين، ربّانيّين، رحمانيّين، نورانيّين، ويكونوا روحًا مجسّمًا وعقلاً مصوّرًا وينهضوا بمنتهى الثّبوت والاستقامة والتّضحية، ولا يتقيّدوا في أسفارهم بقيود الزّاد واللّباس بل يحصروا الأفكار في فيوضات ملكوت الله، ويلتمسوا تأييدات روح القدس ويعطّروا المشام بعطر الجنّة الأبهى بقوّة إلهيّة وانجذاب وجدانيّ وبشارة ربّانيّة وتنزيه وتقديس سبحانيّ، ويتلوا هذه المناجاة يوميًّا:

إلهي إلهي هذا طيرٌ كليل الجناح بطيْءُ الطّيران أيِّدهُ بشديد القوی، حتّی يطيرَ إلی أوجِ الفلاح والنّجاحِ ويُرفرِفَ بكلِّ سرورٍ وانشراحٍ في هذا الفَضاءِ، ويرتفعَ هديرُهُ في كلِّ الأرجاءِ باسمك الأعلی، وتَتَلذَّذَ الآذانُ من هذا النّداءِ وتقرَّ الأعينُ بمشاهدة آياتِ الهدی، ربِّ إنّي فريدٌ وحيدٌ حقيرٌ ليسَ لي ظهيرٌ إلا أنتَ، ولا نصيرٌ إلّا أنت، ولا مجيرٌ إلّا أنت، وَفِّقْني علی خدمتِكَ وأيّدني بجنود ملائكتِكَ، وَانْصُرْني في إعلاء كلمتك وأَنْطِقْني بحكمتِكَ بين بَرِيَّتِكَ، إنّك مُعين الضُّعفاء ونصير الصُّغراء، وإنّكَ أنتَ المقتدرُ العزيز المختار. ع ع

اللّوح الخامس

وقد صدر في صباح الأربعاء الحادي والعشرين من شهر شباط سنة 1917 في غرفة الجمال المبارك في البيت المبارك بعكا بالعنوان التالي:

إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في المقاطعات الكنديّة: نيوفندلند، جزيرة الأمير إدوارد، نوفا سكوشيا، نيو برانزويك، كوبيك، ساسكاتشوان، مانيتوبا، أونتاريو، ألبرتا، كولومبيا البريطانيّة، يوكون، ماكنزي، أنكافا، كيويتن، جزر فرانكلين وجرينلاند عليهم وعليهنّ التّحية والثّناء.

هو الله

يا أيّها الأحبّاء الأودّاء ويا إماء الرّحمن:

يتفضّل في القرآن العظيم قائلاً: لن ترى في خلق الرّحمن من تفاوت ويريد الله بهذا أنّه لا تفاوت بين مخلوقات الله، فيُفهم من هذا أنّه لا تفاوت حتّى بين الأقاليم، ولكن إقليم كندا ذو مستقبل عظيم جدًّا، وسوف تكون له أحداث جليلة جدًّا، وسوف تشمله لحظات العناية الإلهيّة ويكون مظهر الألطاف الرّبّانيّة، ذلك أنّ عبد البهاء وجد منتهى السّرور خلال سياحته وسفره في ذلك الإقليم، وحذّرني الكثير من النّفوس من السّفر إلى مونتريال قائلين إنّ أهالي هذه المدينة أغلبهم من الكاثوليك وفي منتهى التّعصّب المذهبيّ، ومستغرقون في التّقاليد وليس لديهم أبدًا استعداد لسماع نداء ملكوت الله، وانسدلت على أعينهم حجب التّعصّب فحرمتهم من مشاهدة الآيات الكبرى، وتمكّنت التّقاليد من قلوبهم على شأن لم تترك للحقيقة فيها أثرًا، إنّ سحب التّقاليد المظلمة قد أحاطت بآفاق ذلك الإقليم بشكل يستحيل معه مشاهدة أنوار شمس الحقيقة وإن أشرقت بكامل قوّتها، ولكنّ هذه الرّوايات لم تثبّط عزم عبد البهاء، فتوكّل على الله وتوجّه إلى مدينة مونتريال، ولمّا وصل إليها لاحظ أنّ الأبواب مفتوحة والقلوب في منتهى الاستعداد، وقد أزاحت قوّة الملكوت الإلهيّ المعنويّة كلّ حائل وقام عبد البهاء في جميع المجامع والكنائس فيها بالمناداة بملكوت الله في منتهى السّرور، وبذر بذورًا سوف تسقيها يد القدرة الإلهيّة، ولا شكّ أنّ تلك البذور سوف تنبت نباتًا ريّانًا وسوف تتكوّن منها بيادر عظيمة، ولم ينازعه أحد ولم يجادله إنسان عند ترويجه التّعاليم الإلهيّة، وكان الأحبّاء في تلك المدينة في منتهى الرّوحانيّة ومنجذبين كلّ الانجذاب بنفحات الله، وقد اجتمعت بهمّة أمة الله مكسويل جماعة من أبناء الملكوت وبناته بصورة متزايدة يومًا فيومًا وبحرارة بالغة، وكانت مدّة الإقامة أيّامًا معدودات، ولكنّ نتائجها ستكون في المستقبل وافرة، إذ عندما يحصل زارع على تربة بإنّه يزرعها زرعًا عظيمًا في أقلّ زمان.

لهذا فأملي أن تشتعل مونتريال في المستقبل اشتعالاً تصبح معه نغمة الملكوت الصّادرة منها نغمة عالميّة، وتصل نفثات روح القدس من هذا المركز إلى شرق أمريكا وغربها.

يا أحبّاء الله:

لا تنظروا إلى قلّة عددكم وكثرة الأقوام حولكم، فإنّ خمس حبّات من القمح تحمل البركة السّماويّة في حين أنّ ألف قنطار من الزّوان لا ثمرة منه ولا أثر، وإنّ شجرة واحدة مثمرة تحيي جماعة في حين أنّ ألف غابة من أشجار عقيمة لا فائدة منها، والرّمال في الصحاري كثيرة ولكنّ اللئالئ يندر الحصول عليها، وإنّ لؤلؤة واحدة خير من ألف صحراء من الرّمال، وخاصة حينما تكون تلك اللؤلؤة مظهر البركة السّماويّة، وسوف تظهر عمّا قريب ألف لؤلؤ منها، فإذا ما حشرت مع كلّ حبة من الرّمال أحالتها إلى لؤلؤ، ولهذا أكتب إليكم مرّة أخرى إنّ مستقبل كندا عظيم جدًّا سواء أكان من النّاحية الدّنيويّة أم من النّاحية الملكوتيّة، وسوف تزداد المدنيّة والحرّيّة يومًا فيومًا وكذلك سوف تسقي سحب الملكوت بذور الهداية الّتي بذرت فيها.

إذن لا يقرنّ لكم قرار ولا تطلبوا الرّاحة ولا تتلوّثوا بلذائذ العالم الفاني، تحرّروا من كلّ قيد واجهدوا بقلوبكم وأرواحكم حتّى تثبتوا في الملكوت ثبوتًا مكينًا، اعثروا على الكنوز السّماويّة، ازدادوا نورًا يومًا فيومًا فتزدادوا تقرّبًا إلى عبتة الخالق الأحد، كونوا مظاهر الفيوضات الإلهيّة ومطالع الأنوار غير المتناهية، وإذا أمكنكم أرسلوا مبلّغين إلى سائر الولايات الكنديّة وكذلك إلى جرينلاند وبلاد الأسكيمو. فهؤلاء المبلغون يجب أن يخلعوا الثّوب القديم كلّيًّا ويلبسوا القميص الجديد، وأن يولدوا ولادة ثانية، كما تفضّل وقال السّيّد المسيح وهذا يعني أنّهم يولدون من عالم الطّبيعة كما ولدوا أوّل مرّة من أرحام أمّهاتهم، وأن ينسوا عالم الطّبيعة كما نسوا عالم الرّحم، وأن يتعمّدوا بماء الحياة وبنار محبّة الله وبروح القدس، ويقنعوا بالقليل من الطّعام وينالوا من المائدة السّماويّة، ويتفرّغوا من جميع الأهواء والشّهوات فراغًا تامًّا ويمتلئوا بالرّوح حتّى يحوّلوا الصّخرة الصّمّاء بنفس طاهر إلى ياقوتة متألّقة، والخزف إلى صدف، يصيّروا التّراب الأسود حديقة غنّاء كما تفعل به سحابة الرّبيع، ويجعلوا الأعمى يبصر والأصمّ يسمع والميّت يحيى والخامد يضيء ويسطع وعليكم وعليكنّ التّحيّة والثّناء.

اللّهمَّ يا إلهي هؤلاءِ عبادٌ انجذبوا بنفحاتِ رحمانيّتِك واشتعلوا بالنّارِ الموقدةِ في شجرةِ فردانيّتِكَ، وقرّت أعينُهُم بمشاهدةِ لمعاتِ النّور في طور أحديّتِكَ، ربِّ أطلقْ لسانَهم بذكرِكَ بينَ بريّتِكَ وأَنطقْهُمْ بالثّناءِ عليكَ بفضلِكَ وعنايتِكَ وأيّدْهُمْ بجنودٍ منْ ملائكتِكَ واشدُدْ أُزورَهم على خدمتِكَ واجعلهُم آياتِ الهُدى بينَ خلقِك إنَّكَ أنتَ المقتدرُ المتعالي الغفورُ الرَّحيم.

وليتلُ ناشرو نفحات الله هذه المناجاة في كلّ صباح ومساء:

إِلهِي إِلهِي تَرَى هَذا الضَّعِيفَ يتَمنَّى القُوَّةَ المَلَكُوتِيَّةِ وَهذا الفَقِيرَ يَتَرَجَّى كُنُوزَكَ السَّماوِيَّةِ، وَهذا الظَّمْآنَ يَشْتَاقُ مَعِينَ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهذا العَلِيلَ يَرْجُو شِفَاءَ الغَلِيلَ بِرَحْمَتِكَ الوَاسِعَةِ الَّتِي اخْتَصَصْتَ بِهَا عِبَادَكَ المُخْتَارينَ فِي مَلَكُوتِكَ الأَعْلَى، رَبِّ لَيْسَ لِي نَصِيرٌ إلاَّ أَنْتَ، ولا مُجِيرٌ إلاَّ أَنْتَ، وَلا مُعِينٌ إلاَّ أَنْتَ، أَيِّدْنِي بِمَلائِكَتِكَ عَلَى نَشْرِ نَفَحَاتِ قُدْسِكَ وَبَثِّ تَعَالِيمِكَ بَيْنَ خِيرَةِ خَلْقِكَ، رَبِّ اجْعَلْنِي مُنْقَطِعًا عَنْ دُونِكَ، مُتَشَبِّثًا بِذَيْلِ عِنَايَتِكَ، مُخْلِصًا فِي دِينِكَ، ثابِتًا عَلَى مَحَبَّتِكَ، عامِلاً بِما أَمَرْتَنِي بِهِ فِي كِتَابِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ العَزِيزُ القَدِيرُ. ع ع

اللّوح السادس

وقد صدر بعد ظهر الخميس الثّامن من مارس (آذار) سنة 1917 في غرفة إسماعيل آقا في البيت المبارك بحيفا بالعنوان التالي:

إلى أحبّاء الله وإماء الرّحمن في الولايات المتّحدة وكندا عليهم وعليهنّ البهاء الأبهى.

هو الله

أيّتها النّفوس السّماويّة وأبناء الملكوت وبناته:

يقول الله في القرآن واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا. إن الجهات الجامعة في عالم الوجود كثيرة وجميعها تؤدّي إلى تآلف البشر واتّحادهم، فالوطنيّة جهة جامعة، والقوميّة جهة جامعة، والمنافع المشتركة جهة جامعة، الوحدة السّياسيّة جهة جامعة، والوحدة الفكريّة جهة جامعة، وإنّ سعادة العالم الإنساني تتحقّق عن طريق تأسيس الجهة الجامعة وترويجها، ولكن هذه الجهات جميعها في الواقع عرض لا جوهر، ومجاز لا حقيقة، لأنّها مؤقّتة وليست أبديّة، وعند وقوع الأحداث العظيمة تزول جهة جامعيّتها زوالاً كلّيًّا، أمّا الجهة الجامعة الملكوتيّة أي المؤسّسات الإلهيّة والتّعاليم السّماويّة فإنّها جهة جامعة أبديّة، تربط الشّرق والغرب، وتؤسّس وحدة العالم الإنساني، وتهدم بنيان الاختلافات وتقهر جميع الجهات الجامعة، وهي كشعاع الشّمس يزيل الظّلمات الّتي تحيط بالآفاق وتمنح الحياة المعنويّة فتتجلّى النّورانيّة الإلهيّة، وتكشف عن معجزات نفثات روح القدس فيعانق الغرب الشّرق، وتتّحد أفكار الجنوب بأفكار الشّمال، فلا تبقى أهداف متضادّة متعارضة، ويمحو من الوجود كلّ النّوايا المختلفة، ويزول التّنازع على البقاء وتظلّل خيمة وحدة العالم الإنساني في قطب الإمكان، إذن فالجهة الجامعة هي التّعاليم الإلهيّة الّتي تجمع جميع المراتب وتشمل كلّ الرّوابط والضّوابط الضّروريّة.

لاحظوا كيف كان أهل الشّرق وأهل الغرب في منتهى التّجانب، وكيف أنّهم اليوم تآلفوا وتعارفوا، أين أهالي إيران من أهالي أقاصي أمريكا؟ انظروا ما أعظم نفوذ القوّة السّماويّة بحيث صارت آلاف الفراسخ وكأنّها مسافة قدم واحدة وكيف اتّحدت الشّعوب المختلفة الّتي لا تشابه بينها ولا مناسبة تربطها لله القدرة من قبل ومن بعد إنّ الله على كلّ شيء قدير.

وإنّكم تلاحظون كيف أنّ المطر والحرارة وضوء الشّمس والنّسيم العليل إذا ما اجتمعت ببعضها خلقت الحدائق الغنّاء وأظهرت الارتباط بين هذه الرّياحين والأزهار والأشجار والأعشاب الخضراء، بحيث كان بعضها سببًا في تجلّي جمال البعض الآخر وحلاوته، والآن تغلّبت وحدة فيض الشّمس ووحدة المطر ووحدة النّسيم بدرجة صار اختلاف الألوان والعطر والطّعم سببًا في زيادة حلاوتها ولطافتها وجمالها جميعًا، وكذلك الأمر إذا ما اجتمعت الجهة الجامعة الإلهيّة بفيض شمس الحقيقة وبنفثات روح القدس أصبح اختلاف الأجناس واختلاف الأوطان سببًا في زينة العالم الإنساني وروعته ولطافته.

لهذا يجب على أحبّاء الله في جميع أقطار أمريكا أن يقوموا بقوّة إلهيّة على ترويج التّعاليم السّماويّة وتأسيس الوحدة الإنسانيّة، فيقوم كلّ واحد من النّفوس المحترمة فيها وينفخ الحياة في أرجاء أمريكا، ويهب النّاس أرواحًا جديدة ويعمّدهم بنار محبّة الله وبماء الحياة وبنفثات روح القدس، حتّى تتحقّق الولادة الثّانية ويتفضّل في الإنجيل قائلاً: المولود من الجسد جسد هو والمولود من الرّوح هو روح.

إذن يا أحبّاء الله في الولايات المتّحدة وكندا انتخبوا نفوسًا لائقة أو قوموا أنتم بأنفسكم منقطعين عن راحة الدّنيا ورخائها وسافروا إلى قطر ألاسكا وجمهوريّة المكسيك وإلى جنوبي المكسيك أي إلى أقطار أمريكا الوسطى مثل غواتيمالا، هندوراس، سلفادور، نيكاراغوا، كوستاريكا، باناما، بليز، وإلى قارّة أمريكا الجنوبيّة الواسعة مثل الأرجنتين، أوراغواي، باراغواي، البرازيل، غيانا الفرنسيّة، غيانا الهولنديّة، غيانا البريطانيّة، فنزويلا، كولومبيا، الإكوادور، بيرو، تشيلي، مجموعة جزر الهند الغربيّة، كوبا، هاييتي، بورتوريكو، جامايكا، سانتا دومينغو، مجموعة جزر الأنتيل الصغرى، جزر البهاما، جزر بيرمودا، الجزر الواقعة شمال أمريكا الجنوبيّة وشرقها وغربها أمثال ترينيداد، فولكلاند، غالاباغو، خوان فرنانديز، توباغو، وسافروا بصورة خاصّة إلى مدينة بهائيّة الواقعة على الساحل الشّرقي من البرازيل، وحيث أن هذه المدينة كانت في الأصل تعرف بهذا الاسم منذ القرن الماضية فلا شك أنّ هذه التّسمية كانت بإلهام من روح القدس.

لذا يجب على أحبّاء الله أن يبذلوا أقصى الهمّة ويشدوا بالألحان الإلهيّة في جميع تلك الأقطار، ويروّجوا التّعاليم السّماويّة وينفخوا روح الحياة الأبديّة حتّى تصبح جميع تلك الجمهوريّات من فيض أشعّة شمس الحقيقة منيرة ومشرقة إلى درجة تغبطها جميع الأقاليم، وكذلك يجب أن يعيروا جمهوريّة باناما اهتمامًا عظيمًا، لأنّ فيها اتّصل الشّرق بالغرب وهي تقع بين محيطين عظيمين، وسوف يكون لهذا الموقع أهمّيّة عظمى في المستقبل وسوف تربط التّعاليم الّتي تتأسّس في هذا الموقع الشّرق بالغرب والجنوب بالشّمال.

إذن يجب أن تكون نواياكم خالصة وهممكم سامية حتّى تؤلّفوا قلوب العالم الإنساني ولن يتحقّق هذا الهدف الجليل إلا بترويج التّعاليم الإلهيّة الّتي هي في الواقع أساس الأديان المقدّسة.

لاحظوا الأديان السّماويّة تروا عظيم الخدمة الّتي قدّمتها للعالم الإنساني، فقد كان دين التّوراة سببًا في عزّة بني إسرائيل وارتقائهم، وكذلك كانت نفثات روح القدس من السّيّد المسيح سببًا في الألفة والاتّحاد بين الأقوام المتنازعة والطّوائف المتحاربة، وكذلك كيف كانت القوّة القدسيّة المنبعثة من الرّسول الأكرم سببًا في توحيد القبائل المتنازعة والعشائر المتحاربة في أنحاء الجزيرة العربيّة، بحيث أصبحت ألف عشيرة بمثابة عشيرة واحدة، وزالت من بينها جميع دوافع النّزاع والصّراع فبذلوا جهودهم متّحدين متّفقين في ارتقاء مدارج المدنيّة، وتحرّروا من الذّلّة الكبرى ونالوا العزّة الأبديّة، أفهل يمكن تصوّر جهة جامعة أعظم من هذه الجهة في عالم الوجود؟ إنّ جميع الجهات الجامعة الأخرى القوميّة، الوطنيّة، السّياسيّة والفكريّة، تبدو بمثابة ملعبة الصّبيان أمام هذه الجهة الجامعة الإلهيّة.

فابذلوا الجهود الآن لتنشروا في جميع أقطار أمريكا روح التّعاليم الإلهيّة، وهي الجهة الجامعة الّتي بعث بها جميع الأنبياء في الأديان المقدّسة حتّى يسطع كلّ واحد منكم سطوع نجمة الصّبح في أفق الحقيقة، وحتّى تتغلّب النّورانيّة الإلهيّة على الظّلمات الطّبيعيّة، ويتنوّر العالم الإنساني، هذا هو الأمر العظيم الّذي لو حقّقتموه لأصبح العالم عالمًا آخر وأصبح سطح الغبراء الجنّة العليا ووضعت أسس المؤسّسات أبديّة.

لتتلُ النّفوس الّتي تسافر إلى الأطراف للتّبليغ في الجبال والصحارى والبحار واليابسة هذه المناجاة في كلّ الأحوال:

إلهي إلهي تَری ضَعْفِيْ وَذُلِّيْ وَهَوانِيْ بَينَ خَلقِكَ، مَعَ ذلِكَ تَوَكَّلْتُ عَلَيكَ وَقُمْتُ عَلی تَرْويجِ تَعاليمِكَ بَينَ عِبادِكَ الأَقوياءِ مُعْتَمِدًا علی حَولِكَ وَ قُوَّتِكَ، رَبِّ إِنَّ طَيْرًا كَلِيْلَ الجَناحِ أَرادَ أَن يَطِيْرَ في هذَا الفَضاءِ الَّذِی لا يَتناهی، فَكَيفَ يُمكِنُ هذا إِلا بِعَوْنِكَ وَعِنايَتِكَ وَتأييدِكَ وَتوفيقِكَ؟ رَبِّ ارْحَمْ ضَعْفِي وَقَوِّني بِقُدرَتِكَ وَرَبِّ ارْحَمْ عَجْزِي، أَيِّدْنِي بِقُوَّتِكَ وَقُدرَتِكَ، رَبِّ لَو تُؤَيِّدُ بِنَفَثاتِ الرُّوْحِ أَعْجَزَ الوَری لَبَلَغَ المُنی وَتَصَرَّفَ كَيفَ يَشاءُ كَما أَيَّدْتَ عِبادَكَ مِنْ قَبْلُ، وَكانُوا أَعْجَزَ خَلقِكَ وَأَذَلَّ عِبادِكَ وَأَحْقَرَ مَنْ فِي أَرضِكَ وَلكِن بِعَوْنِكَ وَقُوَّتِكَ سَبَقُوا أَجِلاءَ خَلقِكَ وَأَعاظِمَ بَريَّتِكَ، وَكانُوا ذُبابًا فَاسْتَنْسَروا، وَكانُوا قُباعًا فاستبحروا بِفَضلِكَ وَعنايتِكَ، وَأَصْبَحُوا نُجُومًا ساطِعَةً فی أُفُقِ الهُدی، وَطُيُورًا صادِحَةً فی أَيْكَةِ البَقاء، وَأُسُودًا زائِرَةً فی غياضِ العِلم وَالنُّهی، وَحيتانًا سابِحَةً فی بُحُورِ الْحَياةِ بِرَحمَتِكَ الكُبری، إِنَّكَ أَنتَ الكَريمُ القَويُّ العَزيزُ الرّحمنُ الرَّحيمُ. ع ع

  1. حمر النعم كرائمها أي أجلدها وأصبرها وهي مثل في كلّ نفيس. (قاموس محيط المحيط).

  2. أي في الدائرة القطبيّة الشّماليّة

المصادر
المحتوى
OV