الحاج محمد خان هو من أهالي سيستان (بشرق إيران) ومن عصبة المهاجرين والمجاورين وكانت هذه الذات المكرمة من أفراد الطائفة المعروفة بالبلوش وقد تلوّه وهو في عنفوان شبابه بمسلك العرفاء واندمج في سلكهم متفانيًا في الدروشة، ثم بارح مسقط رأسه طبقًا لقاعدة الدراويش للبحث عن المرشد الكامل. وكانوا يدعونه، على حسب مصطلح القلندرية، مشتاق پيرمغان (الإله الأكبر عند عبدة النيران). فساح في الأرض ونزل في شتى الأصقاع وجال في كثير من البقاع ولكنه لم يستشم رائحة محبة الله ممن لآقاه من العارفين والحكماء والشيوخ، يعني أنه لم ير في الدراويش غير لحىً مسترسلة ومذلة التكدّي والتسول. فطوى الأرض وهو في زي الدراويش وفي الحقيقة إنه لم يتقيد بما كانوا عليه، قانعًا بالقليل واختلط بالإشراقيين باحثًا عن ضالته فلم يعثر بينهم على شيء غير أقوال تافهة ومباحث غير مجدية وألفاظ مجوفة وعبارات مجازية غامضة. إن الحقيقة كانت مفقودة ودقائق المعاني معدومة لأن الحقيقة هي ما تحصل منها الفضائل أما الحكماء فأمْرهم بالعكس لأنهم عندما يصِلون إلى درجة الكمال يصبحون أسرى الرذائل ويتخبطون خبط عشواء جانحين إلى ذميم الخصال عارين بالمرة عن المناقب الإنسانية. وطائفة الشيخية (التي أسسها الشيخ أحمد الأحسائي) قد تجردت عن جوهرها ونزلت إلى الحضيض وضاع من بينها اللباب ولم يبق غير القشور وركنوا إلى المسائل المحشوة بالترّهات.
لهذا ترى الحاج محمد خان، بمجرد استماعه للنداء الإلهي من الملكوت الأعلى، قال: "لبيك". ومر بنسيم البوادي وقطع المسافات البعيدة حتى طوحت به يد التسيار إلى سجن عكاء فوجد ضالته وفاز بشرف اللقاء وانجذب إلى الحضرة بمجرد مشاهدة الطلعة النوراء. وبعد ذلك عاد إلى إيران واجتمع بأرباب الطرق الصوفية وأصحابه السابقين من طالبي الحقيقة وأجرى بينهم ما فرضته عليه مقتضيات الوفاء والذمة.
والخلاصة، إنه صمم على أن لا ينفك عن رفاقه وعارفيه حتى يوصل إلى أسماعهم ترنمات الصُور السماوي ونغماته وما ألقى العصا ببلدته حتى هيأ أسباب الراحة والرفاهية لكل أقربائه حتى يعيشوا في كمال البهجة والفرح والسرور، وبعد مدة ودّع أولاده وزوجته وأهله وأقربائه وقال لهم لا تنتظروا عودتي ثم توكأ على عصاه وهام في الصحارى والوديان وأمضى زمنًا بين عارفيه الأقدمين من أهل مشربه. كان قد قابل بمدينة طهران إبّان سفرته الأولى، جناب ميرزا يوسف خان الملقب بستوفي الممالك، وبينما كانا يتحادثان في الأمر قال مستوفي الممالك المذكور: "إنني سأضع ميزانًا يفصل بين الحق والباطل كما يتخيل لي وهو أنني أطلب من صاحب الظهور أن أرزق بولد تفضّلاً منه، وإذا ما تمت هذه الموهبة أصير لا محالة مفتون الجمال المبارك وأسير حبه". فما كان من الحاج محمد خان إلا أن عرض ذلك في الساحة المقدّسة وسمع من الفم المبارك وعدًا صريحًا بإجابة ملتمسه. ولما عاد الحاج محمد خان وقابل مستوفي الممالك إبّان سفرته الثانية وجد في حجر هذا الأخير طفلاً يداعبه فقال: "يا جناب الميرزا، الحمد لله قد تم الميزان الذي وضعته وأُعطيت مرسوم السعادة"، فقال المرحوم ميرزا يوسف خان: "إن البرهان قد اتضح لكل ذي عينين وحصل لنا الاطمئنان وإني أرجوك عندما تتشرف في بحر هذه السنة تطلب من عناية الحق أن يدوم هذا الطفل محفوظًا مصونًا في حمايته جلّ وعلا".
وبالاختصار، فقد ذهب الحاج محمد خان المذكور إلى سيد السعداء حضرة سلطان الشهداء والتمس منه أن يشفع له لدى الحضرة ليأذن له أن يكون حارس العتبة المباركة. فعرض سلطان الشهداء ذلك الملتمَس لدى الحضور المبارك وبالآخرة جاء صاحب الملتمَس إلى سجن عكاء ووفق إلى السكنى بجوار المحبوب الشفيق ردحًا من الزمن متشرفًا في أكثر الأوقات بالملآقاة كلما شرّف الجمال المبارك بستان المزرعة، واستمر ثابت القدم راسخًا على العهد والميثاق بعد صعود حضرة المقصود، روحي لتربته الفداء، بريئًا من أهل النفاق ثم انتقل من منزله إلى حظيرة القدس الموجودة في المسافر خانة أثناء غياب هذا العبد في الأقطار الأوروبية والأمريكانية إلى أن فاضت روحه وهو بجوار المقام الأعلى وطار إلى العالم العلوي. روّح الله روحه بنفحة مسكيّة من جنة الأبهى ورائحة ذكية من الفردوس الأعلى وعليه التحية والثناء. جدثه المنور بحيفا.