السّرور الأبديّ
في يوم السّبت الموافق 8 أيلول 1911 اجتمع في منزل مسز بكنام في لندن جمع غفير من النّاس حتّى غصّ المنزل بالحاضرين، فتقدّم بعضهم بالاعتذار إلى حضرة عبد البهاء أنّ المنزل صغير لا يتّسع لجميع الأحبّاء، فقال:
ليس المنزل ضيقًا، وإنّما ينبغي أن تكون الصّدور واسعة.
عندما بلغنا عكّا، نزل ثلاثة عشر شخصًا منّا في غرفة واحدة أوّل الأمر. أسأل الله أن يمنّ على القلوب بالانشراح، وأن يوسّع على أحبّائه، ولا يمكن أن يتأتّى انشراح القلوب إلا بمحبّة الله. وبالرّغم من أنّ الانشراح قد يحصل من أمور أخرى إلاّ أنّه انشراح عرضيّ مؤقّت سرعان ما يتبدّل بالضّيق. وأمّا السّرور والانشراح اللّذان يتأتّيان من محبّة الله فأبديّان. على أنّ لجميع المسرّات والملذّات الدّنيويّة بريقًا خلاّبًا عن بعد، فإذا اقتربت منها وجدتها سرابًا خداعًا لا حقيقة فيه.
ولا شكّ أنّكم قرأتم في حكمة سليمان أنّه قال: عندما كنت طفلاً كنت أظنّ أنّ اللّذّة في الرّكوب والتّرحال. فلما بلغت الشّباب ورأيت أنّه لا لذّة في النّزهة والرّكوب والتّرحال قلت لنفسي بل اللّذّة في السّلطة والاقتدار والحكم. فلما بلغت السّلطة وجدتها هي الأخرى لا لذّة فيها. وكذلك كان شأن كلّ شيء يبدو لنظري برّاقًا. فإذا ما بلغته لا أجد له لذّة. ففهمت أنّ السّرور هو في محبّة الله.
وإذا كان سرور الإنسان في الصّحّة فإنّ الصّحّة قد تزول في يوم من الأيّام. فممّا لا شكّ فيه إذن أنّ الصّحّة ليست سببًا للسّرور. وإذا كان سرور الإنسان كامنًا في الثّروة فإنّ الثّروة قد تزول. وإذا كان سروره في المنصب فإنّ المنصب قد يضيع من يده. وطالما كان السّبب قابلاً للزّوال كان المسبِّب كذلك زائلاً. ولكن عندما يكون سبب السّرور هو الفيض الإلهيّ، يكون ذلك السّرور أبديثأأأبديًّا، ذلك لأنّ الفيوضات الإلهيّة أبديّة. ولمّا كانت محبّة الله أبديّة، فإنّ الإنسان إذا تعلّق قلبه بالفيض الإلهيّ استقرّت في قلبه المحبّة الإلهيّة وكان سروره أبديًّا. وما تعلّق القلب بالأمور الفانية إلاّ ارتدّ يائسًا آخر الأمور، إلاّ محبّة الله ومحبّة العالم الإنسانيّ.
وإنّكم ينبغي لكم أن تشكروا الله لأنّه فتح أمام وجوهكم أبواب الملكوت، ولأنّه دعاكم إلى محبّة الله وخدمة العالم الإنسانيّ، وإنّ لكم أبًا مثل بهاء الله الّذي أحاط فيضه بالعالم. إذًا ينبغي لكم أن تشكروا الله آناء اللّيل وأطراف النّهار على أنّكم فزتم بهذا الفيض المحيط.