مجيء المسيح على متن السّحاب
في يوم الخميس الموافق 26 تشرين الأوّل سنة 1911
ألقى حضرة عبد البهاء هذه الخطبة على الأحبّاء الّذين
اجتمعوا في البيت المبارك في باريس
هو الله
ورد في الإنجيل أنّ المسيح يأتي راكبًا على السّحاب، ويتفضّل الجمال المبارك في تفسير هذه الآية بقوله إنّ السّيّد المسيح جاء في المرّة الأولى ممتطيًا السّحاب أيضًا. ذلك لأنّه تفضّل بقوله: أنا جئت من السّماء مع أنّه ظاهريًّا ولد من رحم السّيّدة مريم. كما ورد في الإنجيل أنّ الّذي أتى من السّماء يصعد إلى السّماء وأنّ الّذي لم يأتِ من السّماء لا يصعد إلى السّماء، وأنا أتيت من السّماء، مع أنّ المسيح ولد من رحم مريم.
يتّضح إذن أنّ المقصود بالسّماء ليس ذلك الفضاء اللاّنهائيّ بل السّماء هي الملكوت والمسيح جاء من هناك وكان حين جاء ممتطيًا السّحاب. والسّحاب يعني الجسم البشريّ. فكما أنّ السّحاب يحول دون مشاهدة الشّمس كذلك حالت طبيعة السّيّد المسيح البشريّة دون مشاهدته كشمس الحقيقة.
وقد ورد في الإنجيل قولهم إنّ هذا الشّخص ناصريّ وهو يزعم أنّه أتى من السّماء ونحن نعرفه ونعرف جميع ذوي قرباه ونعرف موطنه فأيّ معنى لقوله إنّه أتى من السّماء.
فالمقصود إذن أنّه بالرّغم من أن جسد السّيّد المسيح من النّاصرة إلاّ أنّ روحه لاهوتيّة. وبالرّغم من أنّ قواه الجسمانيّة كانت محدودة إلاّ أنّ قواه الرّوحانيّة كانت غير محدودة. غير أنّ الخلق نظروا إلى الجانب البشريّ في السّيّد المسيح وقالوا إنّ هذا الشّخص من النّاصرة، وإنّه جاء من رحم مريم وليس من السّماء. ذلك لأنّ نظرهم كان متعلّقًا ببشريّة السّيّد المسيح. في حين أنّهم لو اطّلعوا على حقيقة المسيح لعرفوا أنّه جاء من السّماء حقًّا.
ويقول حضرة بهاء الله، وهكذا منعتهم بشريّة السّيّد المسيح من أن يدركوا حقيقته.
وإنّنا لنأمل ألاّ تنظروا إلى البشريّة بل إلى الحقيقة، وألاّ تحتجبوا بالمادّيّات كي تفوزوا بنصيب من الرّوحانيّات. لا تكونوا أرضيّين بل سماويّين، لا تكونوا جسمانيّين بل روحانيّين. لا تكونوا ظلمانيّين بل كونوا نورانيّين. ولتتعلّق أبصاركم بشمس الحقيقة الّتي سطعت أنوارها من جميع الآفاق. فلا يكون السّحاب حجابًا ولا تكون هذه التّقاليد مانعة إيّانا من مشاهدة الحقيقة، أبصروا الشّمس ولا تبصروا السّحاب انظروا السّماء في غاية الصّفاء، وشاهدوا شمس الحقيقة الّتي تجلّت الآن بلا سحاب يحجبها وفي منتهى القوّة، كي تستضيئوا جميعًا وتفوزوا بالحياة الأبديّة، وتصبحوا مظاهر الفيض السّرمديّ.
انتقلوا من عالم المادّيّات إلى عالم المعنويّات. ذلك لأنّ المادّيّات محدودة والمعنويّات غير محدودة. فلا يكون المحدود مانعًا لنا من بلوغ غير المحدود ولا يحرمنا عالم النّاسوت من بلوغ عالم اللاّهوت. ولا يدفع بنا الجسد إلى اليأس من الرّوح. هذا هو رجاؤنا. وهذا هو أملنا. وأسأل الله أن تفوزوا جميعًا بذلك.