الرّوح القدس واسطة الفيض
في يوم الأحد الموافق 29 تشرين الأوّل سنة 1911 ألقى حضرة عبد البهاء
هذه الخطبة بمنزل شقيقة مسيو دريفوس في باريس
هو الله
إنّ حقيقة الذّات الإلهيّة في نهاية التّنزيه والتّقديس. وليس لها نزول ولا صعود وتنزّل الحقّ إلى عالم الخلق مستحيل، ذلك لأّنه لا صلة قطّ بين الغنى المطلق والفقر المحض. وحقيقة الألوهيّة غنى محض وقديمة، وأمّا الإنسان فحادث وفقر صرف. وحقيقة الألوهيّة قدرة محضة والإنسان عجز صرف. لهذا فإنّه لا صلة بين الغنى المطلق والفقر البحت، وبين القديم والحادث، وبين القدرة الخالصة والعجز الصّرف.
ومن ثمّ كان لا بدّ من واسطة فيض بين حقيقة الألوهيّة وعالم الخلق، تكون بمنزلة الشّعاع السّاطع من الشّمس. وبعبارة أخرى إنّ الحقيقة مثل الشّمس وعالم الخلق مثل الأرض وبين الشّمس والأرض لا بدّ من واسطة للفيض. والشّمس لا تتنزّل كما أنّ الأرض لا تصعد إلى السّماء. إذن فما هي الواسطة؟ نور الشّمس وحرارة الشّمس هما الواسطة بين الأرض والشّمس.
والرّوح القدس هو بمنزلة شعاع الشّمس وتجلّي الشّمس وحرارة الشّمس وكمالات الشّمس. وبواسطة الرّوح القدس تفوز حقيقة الإنسان بفيض من حقيقة الألوهيّة، ولا يمكن أن يتسنّى ذلك بلا واسطة. وجميع الفيوضات الّتي تصل من عالم الحقّ إلى عالم الخلق تتمّ بواسطة الرّوح القدس. فالرّوح القدس سبب حياة الإنسان الأبديّة وعلّة قوّته الكاشفة ونفوذه الرّوحانيّ وحكمته البالغة وحركته العلويّة. كلّ هذه من فيوضات الرّوح القدس الّذي هو واسطة الفيض بين الحقّ والخلق.
تأمّلوا كيف أنّ البرهان واضح. إلاّ أنّ بعض الأمم لم تدرك الحقيقة فتصوّرت أنّ شمس الحقيقة نزلت وحلّت. وهذا مستحيل وغير ممكن. فالرّوح القدس هو الواسطة وهو بمنزلة شعاع الشّمس حرارتها وبهما تتربّى الكائنات. فشعاع الشّمس سبب حياة الجماد والنّبات والإنسان. وشعاع الشّمس هو سبب حياة الأرض. وشعاع الشّمس هو سبب الحركة والحياة. وهذا هو الرّوح القدس فهو بمنزلة الرّوح.
تأمّلوا أمر حواريّي السّيّد المسيح. فقد كانوا في بادئ الأمر رجالاً عاديّين، كان أحدهم صيّاد سمك، وكان الثّاني نجّارًا، والثّالث صبّاغًا. إلا أنّ تأييدات الرّوح القدس جعلت بطرس بطرس الأكبر ويوحنّا يوحنّا الإنجيليّ. وكلّ من اقتبس منهم من نور الرّوح القدس استنار وأصبح سببًا لهداية جمع غفير من النّاس. وفي هذا المقام يتّضح التّأييد وتتجلّى القوّة الّتي هي فيض من الرّوح القدس.