معنى التّنزيه والتّقديس
في يوم الأربعاء الموافق أوّل تشرين الثّاني
1911 ألقى حضرة عبد البهاء الخطبة التّالية:
هو الله
سمعت أنّ اليوم عيد في باريس، وأنّ العيد هو عيد جميع القدّيسين فلماذ سمّيتم هؤلاء بالقدّيسين؟ ومامعنى المقدّس؟ معناه المنزّه الطّاهر، ومعناه المترفّع عن أوساخ عالم البشريّة، ذلك أنّ للإنسان مقامين: أحدهما مقام الإنسانيّة الّذي له اتّصال بالعالم العلويّ وبفيض الرّبوبيّة. وثانيهما مقام الحيوانيّة الّذي له اتّصال بعالم النّاسوت، وأعني بها الجانب الحيوانيّ، كالغضب والشّهوة والبخل والظّلم والجفاء فكلّ هذه من الخصائص الحيوانيّة، كما أنّ العلم والحلم والوفاء والجود والسّخاء والعدل من فضائل العالم الإنسانيّ.
فإذا تغلّب الجانب الإنسانيّ وقهر الأخلاق الحيوانيّة كان ذلك سببًا لرفعة الفطرة الإنسانيّة. فهذه النّفوس المقدّسة تبرّأت من العالم الحيوانيّ واتّصفت بالخلق الرّحمانيّ، فأصبح أصحابها مظهر العدل ومظهر الحبّ ومظهر الإنصاف ومظهر الألطاف، وأصبحوا نورانيّين وسماويّين وروحانيّين. ولهذا تقدّسوا.
والحواريّون الّذين آمنوا بالسّيّد المسيح كانوا في بادئ الأمر متّصفين بصفات سائر البشر متمسّكين بالأمور الدّنيويّة، يلتمسون منافعهم الشخصيّة ويرغبون في الاستمتاع بجميع ملذّات العالم. ولم تكن لديهم فكرة عن التّنزيه والتّقديس، ولم يكن لهم نصيب من فضائل العالم الإنسانيّ. ولكن حين آمنوا بالسّيّد المسيح تبدّل جهلهم بالعلم وظلمهم بالعدل وغضبهم بالرّحمة، وظلمتهم بالنّور. كانوا ناسوتيّين فأصبحوا لاهوتيّين وكانوا شيطانيّين فأصبحوا رحمانيّين ولهذا سمّوا بالمقدّسين.
ينبغي لكم إذن أن تقتدوا بهم كي تتخلّصوا من أوساخ العالم البشريّ وأدرانه وتصبحوا لاهوتيّين من بعد أن كنتم ناسوتيّين، وسماويّين من بعد أن كنتم أرضيّين، واسألوا الله أن تظهر فيكم فضائل العالم الإنسانيّ لتصبحوا ملائكة الله ومصادر الأنوار وكاشفي الأسرار ومدركي حقائق الأشياء.
وكما تقدّمتم في عالم المادّيّات وبلغتم هذه الدّرجة العالية من الرّقيّ تقدّموا أيضًا في العالم الرّوحانيّ. لقد جاء الأنبياء العظام لتربية البشر وتعليمهم وليجعلوهم مظاهر الأنوار ويطلعوهم على حقائق الأسرار ويجعلوهم سبب الرّقي المادّيّ والرّقي المعنويّ للعالم الإنسانيّ، ومن أجل هذا الأمر نزلت الكتب الإلهيّة، فالتّوراة والإنجيل والقرآن والألواح المباركة تدلّ على الفضائل الإنسانيّة وتهدي إلى المحبّة والألفة والوحدة والصّلح والصّلاح، وترشد إلى العدل والإنصاف.
فينبغي لكم أن تّتبعوا ما جاء في الكتب الإلهيّة، وتعملوا بموجبها ومقتضاها.
وإنّني اليوم أشكو من انحراف صحتي. ولذلك أكتفي بهذا القدر، ومرحبًا بكم.