النّور الإلهيّ
في يوم الأحد 5 تشرين الثّاني سنة 1911 ألقى
حضرة عبد البهاء هذه الخطبة في منزله في باريسهو الله
أهلاً بكم ومرحبًا. اليوم معتم ففي السّماء غيوم. أمّا الشّرق فأفضل لأنَّه دائمًا مشمس ومنير والسّحاب فيه قليل. ظاهره طبق باطنه ولفظه موافق لمعناه. وللشّرق نوران: روحانيّ وجسمانيّ. والأنوار الإلهيّة أشرقت دائمًا من الشّرق وأضاءت عالم الغرب.
أمّا النّور فعلى نوعين: النّور الظّاهر وهو مؤلف من الأجرام الفلكيّة لأنّ جميع الأشياء ترى بالنّور. وبدون النّور لا يمكن أن يرى أيّ شيء. ولكنّ هذا النّور الظّاهر ليس له إدراك حتّى لنفسه. فهو لا يدرك أنّه يظهر الأشياء. أمّا نور البصر فمظهر الأشياء وكاشف لها أي أنّه يكشف الأشياء ويحسّها. إلاَّ أنّه لا يدرك حقيقة الأشياء هو الآخر.
وأمّا نور العقل فهو يظهر الأشياء ويكشفها ويدركها في آن معًا. ومن ثمّ فنور العقل أعظم الأنوار.
وأمّا النّور الإلهيّ فيفوق نور العقل. ذلك لأنّ نور العقل يدرك الأشياء الموجودة أمّا النّور الإلهيّ فيدرك الأشياء الغائبة ويدرك من الحقائق ما سيظهر بعد ألف عام. وبواسطة هذا النّور الإلهيّ أخبر الأنبياء منذ ألف عام عن أمور تظهر الآن.
من هذا يتّضح أن النّور الإلهيّ قد أظهر هذه الأشياء منذ ألف سنة مضت، وأدركها أيضًا.
فيجب علينا إذن أن نتحرّى النّور الإلهيّ لأنّه أعظم من جميع الأنوار والنّور الّذي أشار إليه السّيّد المسيح هو هذا النّور. والنّور الّذي تحدّث عنه سيّدنا موسى هو هذا النّور، ذلك لأنّه شاهد تجلّي الألوهيّة في هذا النّور. ومن هذا النّور ومن هذه النّار سمع نداء الحق. وهو النّور الّذي أشار إليه سيّدنا محمّد في القرآن بقوله تعالى: "الله نور اﻟسّموات والأرض".
فتحرّوا هذا النّور حتّى تدركوا حقائق الأشياء وتطّلعوا على الأسرار الإلهيّة، وتروا ما هو مستور، وتقفوا على جميع الحوادث الغيبيّة.
فهذا النّور مثل المرآة. فكما أنّ صور جميع الأشياء تنطبع في المرآة كذلك يحيط هذا النّور بجميع الصّور ويحيط بجميع الأشياء. وهذا هو السّرّ في أنّ حقائق الأشياء تنكشف بهذا النّور، ويجعل أسرار الكتاب المقدّس تتّضح به وأسرار الملكوت تشاهد واسطته، كذلك تدرك بهذا النّور العوالم الإلهيّة، وتعلم حقائق الأسماء والصّفات الإلهيّة، وتتجلّى بهذا النّور الرّوابط بين الحقّ والخلق.
لهذا آمل أن تستنيروا بهذا النّور.