إنما هي الأعمال لا الأقوال
في يوم الأربعاء الموافق 8 تشرين الثّاني 1911 ألقى
حضرة عبد البهاء هذه الخطبة في منزله المبارك:
هو الله
جميع الملل كاملة من حيث الأقوال فالجميع يذكرون أنّهم محبّون للخير، والجميع يقولون الصّدق مقبول والكذب مذموم، والأمانة فضيلة العالم الإنسانيّ، والخيانة ذلّة العالم الإنسانيّ، وتطييب القلوب أحسن من كسرها، والرّأفة أفضل من البغض والعداوة والعدل جميل لا الظّلم، والرّحمة حسنة لا القسوة، وحسن الأخلاق أفضل من سوئها، والنّور مقبول لا الظّلام، والعلم عزّة الإنسان لا الجهل، والكرم محمود لا البخل، والتّوجّه إلى الله حسن لا الغفلة عنه، والهداية حسنة لا الضّلالة وأمثال ذلك كثير.
إلاّ أنّ كلّ ذلك يظلّ في عالم القول ولا ينتقل إلى حيّز العمل بل إنّ كلّ نفس مشغولة بميلها وهواها. وكل إنسان منهمك بالتّفكير في منفعته ولو جلبت على الآخرين الضّرر، وكلّ فرد يحصر فكره في ثروة نفسه دون الآخرين، وكلّ امرئ يفكّر في راحته واطمئنانه دون غيره، هذا هو منتهى مطلب النّاس، وهذا هو مسلكهم.
إلاَّ أن البهائيّين لا ينبغي لهم أن يكونوا على هذه الشّاكلة. بل ينبغي أن يكون البهائيّون ممتازين، فتزيد أعمالهم على أقوالهم، ويكونون رحمة للعالمين بالعمل لا بالقول، ويثبتون بمسلكهم وأعمالهم وأفعالهم صداقتهم وأمانتهم، ويظهرون فضائل العالم الإنسانيّ، ويبيّنون النّورانيّة السّماويّة. وتنادي أعمالهم بأنّهم بهائيّون وذلك كي يكون البهائيّون سببا ًلرقي العالم الإنسانيّ.
ولو أنّ إنسانًا قام بالأعمال البهائيّة وسلك المسلك البهائيّ لما احتاج إلى أيّ قول يقوله. إنّما هي الأعمال الّتي ارتقت بالعالم، فالأعمال هي الّتي نشرت هذه المدنيّة، والأعمال هي الّتي أظهرت هذه الصّنائع والأعمال هي الّتي أبرزت هذه الاكتشافات، والأعمال هي الّتي بلغت بالعالم المادّيّ إلى هذه الدّرجة. فلو لم تكن هناك أعمال واقتصر الأمر على الأقوال فهل كان من الممكن أن تتحقّق هذه المدنيّة المادّيّة؟
بهذا البرهان نستطيع إذن أن نستدلّ على أن الرّوحانيّات مناظرة للمادّيّات. فأعمال أهل الملكوت سبب حياة القلوب لا الأقوال، والأعمال الخيريّة سبب مسرّة الوجدان، والفضائل الإنسانيّة سبب نورانيّة البشر.
وعلى ذلك فيجب عليكم أن تتضرّعوا وتبتهلوا آناء اللّيل وأطراف النّهار وتسألوا الله أن يوفّقكم إلى الأعمال لا الأقوال. توجّهوا إلى الله وصلّوا له وناجوه واسعوا عسى أن توفّقوا إلى عمل الخير، وأن تكونوا سببًا لغنى كلّ فقير، وعونًا لكل بائس وسرورًا لكل محزون، وسببًا لصحّة كلّ مريض، وسببًا لأمن كلّ خائف، وسيلة لكلّ من لا وسيلة له، وملجأ وملاذًا لكلّ غريب، ومنزلاً ومأوىً لكلّ من لا مأوى له ولا وطن.
تلك هي صفة البهائيّ. فإذا وفّقنا إليها فنحن بهائيّون وإذا لم نوفّق إليها –لا قدر الله- فلسنا بهائيّين.