الاجتماع السّماويّ

حضرة عبد البهاء
النسخة العربية الأصلية

الاجتماع السّماويّ

ألقيت في مساء يوم السّبت الموافق 18 تشرين الثّاني

1911 أيضًا الخطبة التّالية في منزله المبارك في باريس:

هو الله

الحمد لله إنّ اجتماعنا اليوم اجتماع طيّب، لأنّه اجتماع سماويّ. ذلك أنّنا اجتمعنا لأمر ملكوتيّ لا لأمر ناسوتيّ. وليس لنا من مقصد سوى محبّة العالم الإنسانيّ، ومنتهى أملنا ومطلبنا هو أن تحصل الألفة بين البشر فتصبح الأجناس المختلفة جنسًا واحدًا، والأوطان المختلفة وطنًا واحدًا، والقلوب جميعًا قلبًا واحدًا وتظلّل خيمة وحدة العالم الإنسانيّ جميع البشر.

الحمد لله فالنّيّات صادقة، والقلوب إلى الله متوجّهة وليس لنا من مقصد سوى الحقيقة، وقد جلس بعضنا مع بعض في منتهى المحبّة. وليس في مجلسنا غلّ ولا غشّ، وليست لنا أيّة أغراض شخصيّة. بل إنّ مقاصدنا جميعًا هي محبّة الله. فلا شكّ أنّ التّأييدات الإلهيّة تشملنا.

ويقيني أنّ الله سوف يوسّع دائرة هذا الجمع، وأنّ كثيرًا من البشر يتابعون خطواتكم، وأنّكم سوف تؤثّرون في الآخرين، وأنّ الأخلاق الرّحمانيّة سوف تسري منكم إلى غيركم. وإنّني لآمل أن تكونوا سببًا في إبصار العيون العمياء، وسمع الآذان الصّمّاء، وإحياء أجسام الأموات، وتحويل النّفوس النّاسوتية إلى نفوس لاهوتيّة والعالم الإنسانيّ إلى عالم ملكوتيّ. إنّ أملي فيكم لكبير. وأنتم –والحمدلله- متّحدون معي في هذا المقصد فمطلبي هو مطلبكم. ولسوف أجاهد في أمريكا من أجله، ولسوف تجاهدون أيضًا.

تلاحظون اليوم أنّ بعض الدّول والأمم تتصارع في الكرة الأرضيّة، ويسفك بعضها دم البعض الآخر من أجل أهداف أرضيّة وناسوتيّة وأنّ الأمر يزداد سوءًا يومًا بعد يوم. ففي كلّ يوم تظهر آلة جديدة للقتال، ويشرّع للحرب قانون جديد، ويزداد حشد الجنود وتعبئة العساكر وتكثر المدافع، وتتّجه القوى المدمّرة إلى الازدياد: فهذا سلاح "موزر". وهذا سلاح "مارتن"، وهذا "المترليوز"، وهذا مدفع "كروب". وهذه الغوّاصة، وهذه سفن الطّوربيد، وهذه الطّيارة تلقي القنابل من الجو. انظروا أيّة معركة وأيّ هيجان في طرابلس: المدافع تفرغ شحناتها من البحر، و"المترليوزات" تفرغ رصاصها من الصحراء، والطّيارات تصب قنابلها من الجو. لقد قام البشر جميعًا يقتل بعضهم بعضًا. وأنتم جماعة مقصدها الاتّحاد بين البشر. فالحمد لله، إنّكم تخدمون قضيّة وحدة العالم الإنسانيّ. وإنّ منتهى آمالكم هو أن يزول النّزاع والجدال، وترتفع العداوة والبغضاء من بين البشر وإنّكم تطلبون الرّضى الإلهيّ وتتصرّفون بموجب التّعاليم السّماويّة. ولهذا شدّوا هممكم وابذلوا كلّ ما في وسعكم من الجهد، وانصحوا النّاس، وحوّلوا هذه النّفوس الجهنّمية إلى نفوس فردوسيّة، واجتهدوا في أن تحوّلوا هؤلاء الّذين يتصرّفون إرضاءً للشّيطان إلى نفوس تسلك سبيل رضى الرّحمن. واطلبوا التّقرب من باب ذي كبرياء، واخدموا الملكوت، واتّبعوا الأب السّماويّ. وأيقنوا أنّه يؤيّدكم ويوفّقكم.

إنّ جميع الخلق يبوؤون بخسران مبين، وأنتم تفوزون بربح عظيم ذلك لأنّكم مع الله وهو يؤيّدكم.

مرحبًا بكم.

المصادر
المحتوى
OV