المائدة السّماويّة
ألقيت في يوم الأربعاء الموافق 22 تشرين
الثّاني 1911 في البيت المبارك في باريس
هو الله
ينبغي أن تكونوا مسرورين وشاكرين لأنّه قد تأسّس بحمد الله مجمع نورانيّ ومحفل سماويّ في هذه المدينة. وبالرّغم من أنّ في باريس مجامع كثيرة إلا أنّها جميعًا تتناول المسائل المادّيّة. أمّا الحفل الّذي يذكر فيه الله فهو هذا الحفل. الحمد لله فالقلوب متوجّهة إلى الله والأرواح منجذبة إلى ملكوت الله والإحساسات الرّوحانيّة موفورة. وأفكاركم ليست منحصرة في العالم التّرابيّ بل إنّ لكم نصيبًا من العالم الطّاهر. ولستم مثل الحيوانات الّتي لا همَّ لها إلا الشّؤون المادّيّة من مأكل ومشرب ومنام. وتنحصر آمالها في أن تمرح في المروج الخضراء وأن تحصل على غابة نضرة وبستان أخضر ومأوى ومأمن لها. بل إنّكم بشر ينحصر تفكيركم في تحصيل الكمالات الرّحمانيّة، ومنتهى آمالكم تأمين الخير لعموم البشر وتأسيس وحدة العالم الإنسانيّ والتّرويج لها. وأنتم تجتهدون ليل نهار كي تسرّوا خاطرًا، وتسلّوا محزونًا، وتقوّوا ضعيفًا، وتساعدوا بائسًا. فجميع أفكاركم ملكوتيّة وجميع إحساساتكم روحانيّة. ليس لكم مع أي ملّة عداوة، ولا تريدون الخلاف مع أيّ جنس. فأنتم للكلّ محبّون، ولخير الكلّ طالبون. تلك هي إحساسات العالم الإنسانيّ، وتلك هي فضائل البشر. فإذا لم يتوفّر لإنسان ما من هذه المواهب الإلهية نصيب كان عدمه أفضل. فالزّجاج إذا حرم من السّراج كان كسره أحبّ. والشّجرة إذا عدمت الثّمر كان قطعها أولى. وكذلك الإنسان إذا حرم من فضائل العالم الإنسانيّ كان موته أفضل. جعلت العين للنّظر فإذا لم تنظر فما فائدتها؟ والأذن جعلت للسّمع فإذا لم تسمع فما جدواها؟ واللّسان جعل للنطق فإذا خرس فما فائدته. وكذلك حال الإنسان فإنّه خلق لكي ينير العالم بالمعرفة والإيمان وموهبة الرّحمن وحسن الأعمال والأخلاق ونورانيّة الأفكار. فإذا حرم من هذه الموهبة كان –بلا شك- أحطّ من الحيوان، ذلك لأنّ الحيوان محروم من العقل فهو إذًا معذور. في حين أن الله وهب للإنسان عقلاً كي يكون إنسانيًّا وكي يجتهد في تأمين الخير لعموم البشر.
فإذا تابع أيّ إنسان تعاليم بهاء الله وفّق بكلّ تأكيد إلى معرفة غاية عالم الودجود. ذلك لأنّ هذه التّعاليم هي الرّوح لجسد العالم والنّعمة لجميع البشر، والرّحمة لنوع الإنسان ولذلك اجتهدوا بالرّوح والفؤاد أن تعملوا بموجب تعاليم بهاء الله. فإذا وفّقتم إلى هذا فاعلموا أنّها العزّة الأبديّة والحياة السّرمدية وسلطنة العالم الإنسانيّ والمائدة السّماويّة.
وإنّني لأدعو لكم أن توفّقوا إلى هذه المواهب السّماويّة وأن تختصّوا بهذه الفضائل الرّحمانيّة.