غفلة النّاس عن الله
ألقيت في يوم الخميس الموافق 23 تشرين
الثّاني 1911 في البيت المبارك في باريس
هو الله
يقولون إنّ قطارًا سقط في نهر السّين وغرق خمسة وعشرون شخصًا كانوا فيه. واليوم سوف يدور في برلمان فرنسا بحث مفصل حول أسباب وقوع هذا الحادث، وسوف يحاكمون وزير السّكك الحديدية وسيدور النّقاش والجدال العنيف. وقد تعجبت كثيرًا أن يحدث في البرلمان كلّ هذا الهيجان من أجل خمسة وعشرين شخصًا سقطوا في النّهر وغرقوا ثمّ لا ينطق أحد بحرف واحد من أجل طرابلس الّتي يقتل فيها في اليوم الواحد ألوف من الأشخاص بحيث إنّه قتل فيها حتّى اليوم خمسة آلاف شخص فلم يخطر ببال البرلمان قط أنّ هؤلاء بشر، وكأنّما هم حجر. فما هو السّبب في أنّ البرلمان يثور ثائره من أجل خمسة وعشرين شخصًا، ولا ينطق قط بحرف واحد من أجل ستة آلاف شخص؟ مع أنّ هؤلاء بشر وأولئك أيضًا بشر، ومع أنّهم جميعًا من نسل آدم، غير أنّ أولئك ليسوا من أصل فرنسيّ ولذلك لا يهتمّ بهم حتّى لو مزّقوا إربًا إربًا. فانظروا أيّ قدر بلغ عدم الإنصاف وأيّ قدر بلغ تبلّد الإحساس، وأيّ قدر بلغ الجهل. إنّ لهؤلاء البؤساء في طرابلس آباء وأمّهات ولهم أولاد وبنات وزوجات، وهم يمزّقون إربًا إربًا، فما هو ذنبهم؟
لقد قرأت في الصحف أنّ العويل والنّحيب يتعالى من حناجر النّاس في إيطاليا نفسها. وهكذا لم يقتصر الألم على العرب بل إنّ الحال وصلت بنساء إيطاليا إلى حدّ العويل والنّحيب، فانهمرت الدّموع من عيون الأمّهات، وأدميت قلوب الآباء، وبلغ بكاء الأطفال وصراخهم عنان السّماء. فانظروا مدى توحّش البشر. وانظروا مدى غدر الإنسان، ومدى غفلته عن الله.
ما ضرُّهم لو أنّهم استعاضوا عن السّيف والرّصاص والبنادق والمدافع بالألفة والمحبّة وحسن المعاشرة والطّرب والسّرور وسكروا بخمر الحبور في موكب السّرور واحتضن بعضهم بعضًا وتغنّوا بنشيد واحد؟ أليس هذا خير لهم؟ أما كان ينبغي لهم أن يطيروا معًا كالطّيور الشّكور ولا يصبحوا كالذّئاب الكاسرة تنشب أظافر بعضها أجسام البعض الآخر ويريق بعضهم دماء بعض؟
لماذ غفل النّاس كلّ هذه الغفلة؟ لأنّهم لا يعرفون الله. ولو عرفوا الله لأكرم بعضهم بعضًا. ولو توفّرت لديهم الإحساسات الرّوحانيّة لرفعوا علم الصّلح الأكبر، ولو استمعوا إلى وصايا الأنبياء لتوفّر لهم الإنصاف.
لهذا أرجو أن تدعوا وتتضرّعوا وتبتهلوا أن يهدي الله البشر ويرحمهم ويعطيهم العقل والإحساسات الرّوحانيّة عسى أن يستريح البؤساء من بني البشر. إنّ الإنسان العاقل يفكّر في حال البشر ليلاً ونهارًا فيتعالى صوت تضرّعه وابتهاله عسى أن يستيقظ النّائمون ويبصر العميان، ويقوم الموتى، وينصف الظّالمون، إنّني لأدعو وأرجو أن تشاركوني الدّعاء.