نور الهداية
ألقيت في يوم الجمعة الموافق 24 تشرين
الثّاني 1911 في البيت المبارك بباريس
هو الله
عندما ظهر السّيّد المسيح في أورشليم دعا النّاس إلى الله ودلّ الخلق على ملكوت الله ودعاهم إلى الحياة الأبديّة وحثَّهم على كمالات العالم الإنسانيّ. وسطع نور الهداية من هذا الكوكب اللاّمع. وضحّى بنفسه من أجل البشر. وتحمّل منتهى الظّلم. ومع ذلك عاداه جميع البشر أنكروه وآذوه، وسبوه ولعنوه ولم يهتمّوا بأمره قط. وعلّقوه مع المجرمين على الصّليب مع أنّه كان بمثابة الرّحمة الخالصة والرّأفة التّامّة ونور الحقيقة وصبح الهداية. وكان شفوقًا شفقة تنبع من روحه وفؤاده. ولكنّهم عاملوه بجفاء، ولم يدركوا قدره، ولم يهتمّوا بتعاليمه، ولم يستمعوا لنصائحه، ولم يستنيروا بأنواره، ثمّ فعلوا آخر الأمر ما فعلوه. وبعد مدّة ثبت أنّ هذه الذّات المحترمة كانت نور العالم، فإنّ كلامه سبب الحياة الأبديّة لبني آدم، وإنّ قلبه كان بجميع الخلق رؤوفًا وألطافه لكلّ النّاس شاملة. فلمّا أخذ نوره في الإشراق ندموا على ما فعلوا، ولكن بعد أن كان الأمر قد خرج من يدهم وبعد أن ازدان الصّليب بالمسيح واستشهد الحواريّون. وهكذا بعد مرور ثلاثمائة سنة عرفوا قدر المسيح. فالنّاس الّذين آمنوا بالمسيح حينما صعد إلى السّماء كانوا قلائل. ولم يقبل تعاليم السّيّد المسيح ونصائحه إلاّ نفر قليل. وكان الجهلاء يقولون من هذا الشّخص المجهول؟ ومن هذا الفريد الوحيد المغلوب الّذي لم يتبعه سوى خمسة أشخاص. ولكنّ النّفوس العليمة كانت تعلم ما سوف يحدث فيما بعد، وكانت تعلم أنّ ذلك النّور سوف يسطع وأنّ هذه الشّمس سوف تشرق على الشّرق والغرب جميعًا. وما رآه هؤلاء في عهد المسيح رآه غيرهم بعد ثلاثمائة عام.
لهذا لا تهتمّوا بقلّة عددكم وكثرة عدد الآخرين. ولا تتكدّروا من أنّ الأقوام الجاهلة لا تقبل على دينكم، ولا تتأثّروا من أنّهم يعترضون عليه وينكرونه ويستكبرون عليكم. سيفعلون بكم ما فعلوا بالحواريّين. ففي بداية الأمر آذوهم ولاموهم وشمتوا بهم وقتلوهم وأغاروا عليهم ثمّ اتّضح في النّهاية بأنّهم باؤوا بخسران مبين، وأصبح الحواريّون مقرّبين لدى أعتاب النّور المبين. ولهذا فإذا حدثت مثل هذه الحوادث فلا تتكّدروا بل استبشروا وابتهجوا واحمدوا الله على أنّكم ترون الآن ما رأته تلك النّفوس المقدّسة من قبل. فإذا لاموكم فأظهروا السّرور. وإذا أهانوكم فلا تمنعوا عنهم مساعداتكم، وإذا آذوكم فابذلوا لهم العناية واطلبوا لهم من الله العفو والمغفرة. وثقوا بأنّ أنواركم ستسطع، وعلمكم سيخفق، وصيتكم سيعلو، ورائحتكم الطّيبة الزّكيّة ستنتشر. فإذا سطع سراج الهداية من زجاج قلوبكم فإنّه سوف يشرق على الآفاق. وبالرّغم من أنّهم الآن لا يبدون أيّ اهتمام بكم فلا شكّ أنّهم سوف يفعلون ذلك عمّا قريب –فالنّفوس الّتي تدخل الملكوت الإلهيّ سوف يسطع نورها كالنّجوم البازغة وهم بالمثل كشجرة مثمرة ستحمل فواكه وأثمارًا من كلّ نوع وكبحر تنثر منه لآلئ الأسرار.
فاطمئنّوا إلى فضل الله واستبشروا بعنايته.