وحدة العالم الإنسانيّ--ألقيت في كنيسة نواي ديلام في باريس

حضرة عبد البهاء
النسخة العربية الأصلية

وحدة العالم الإنسانيّ

ألقيت في كنيسة نواي ديلام في باريس قبل ظهر

يوم السّبت الموافق 25 تشرين الثّاني سنة 1911

هو الله

جميع المظاهر المقدّسة قاموا بخدمة الحقيقة. فحضرة موسى روَّج الحقيقة. والسّيّد المسيح صرَّح بالحقيقة. وجميع الحواريّين وضّحوا الحقيقة. كذلك بشَّر حضرة الرّسول بالحقيقة، وكان أولياء الله جميعًا مؤسّسي الحقيقة. وقد قام حضرة بهاء الله بتأسيس الحقيقة، وهكذا فإنّ جميع الأنبياء كانوا مظاهر الحقيقة وكانت تعاليمهم جميعًا تدعو إلى توحيد العالم الإنسانيّ وإلى الألفة والمحبّة والاتّحاد والتّنزيه والتّقديس عن ظلمات العالم النّاسوتيّ الّتي هي الخلاف والنّزاع والجدال والقتال. فلماذا نختلف ونحن أتباع هؤلاء العظام. ولماذا نتجادل ونتنازع، ونحن عبيد إله واحد تشملنا جميعًا ألطافه الرّحمانيّة. إنّ الله هو في منتهى السّلام والصّلح مع الجميع فلماذا يحارب بعضنا بعضًا. وإنّ الله رؤوف ورحيم بالجميع. فلماذا نكون نحن قساة غلاظًا؟ وإن الله خالق الكلّ ورازق الكلّ ومربّي الكلّ وحافظ الكلّ فلماذا يبتعد بعضنا عن بعض.

السّبب هو أن أساس الأديان الإلهيّة قد ضاع ونسي. وتعلّق النّاس وتشبثوا بالتّقاليد الموهومة. ولما كانت التّقاليد مختلفة لذلك فقد أصبحت سبب البغض والعداوة بين البشر. وإذا نظرنا إلى أساس الأديان الإلهيّة لوجدنا أساسًا واحدًا لها ولو رجعنا إلى هذا الأساس لاتّحدنا جميعًا واتّفقنا ولرفرف علم وحدة العالم الإنسانيّ على جميع الآفاق.

وكلّ ما في الأمر أنّ بعض النّاس جاهلون وعلينا أن نعلّمهم، والبعض أطفال علينا أن نربّيهم حتّى يبلغوا أشدّهم، ومرضى علينا أن نعالجهم بمنتهى الرّأفة.

وفضلاً عن ذلك فإنّ اختلاف أهل الأديان ونزاعهم تسبّب في غلبة الإحساسات المادّيّة على قلوب البشر وضياع الإحساسات الإلهيّة. فغرق أكثر البشر في عالم الطّبيعة وترقّوا رقيًّا معكوسًا. ذلك لأنّ الحيوان المحروم من الإدراكات الرّوحانيّة وإدراك الحقائق والحكمة البالغة الإلهيّة أسير للطّبيعة وغريق في دوّامة المادّة. ولا علم له أبدًا بالله ولا بالعالم الإلهيّ. وكذلك حال أكثر البشر اليوم فهم محرومون كلّيّة من حقيقة الأديان الإلهيّة. ولهم العذر في ذلك. لأنّ ما بيدهم هو التّقاليد. وهي مخالفة لقوانين العقل. ولهذا أصبح أكثر الخلق مادّيّين.

إذن فيا أهل الأديان هلمّوا نتنزّه عن تقاليد الأوهام ونتشبّث بأساس الأديان الإلهيّة فنتّفق ونعبد الحقيقة، ونستريح ونستظلّ بظلّ خيمة التّوحيد بمنتهى الألفة والاتّحاد. ونصبح جميعًا نجوم سماء الحقيقة وسرج العالم الإنسانيّ المضيئة. فالحقيقة هي شريعة الله وهي هداية الله وهي محبّة الله وهي فيوضات الله وهي فضائل العالم الإنسانيّ ونفثات الرّوح القدس.

تلاحظون أنّ الوحشية وسفك الدّماء من خصائص عالم الحيوان. وأنّ المحبّة والرّأفة والاتّفاق من فضائل عالم الإنسان. وبالرّغم من ذلك نرى أنّ دماء البؤساء كانت تلطّخ وجه الأرض على الدّوام كما يتّضح من تاريخ العالم منذ بداية حياة البشر في القرون الأولى والوسطى حتّى القرون الأخيرة فما زال البشر في خطر دائم.

واليوم أشرق نور الحقيقة من أفق إيران وأخذت الغيوم الكثيفة تتلاشى تدريجيًّا. وبدأت وحدة العالم الإنسانيّ تعمّ وهي الآن في بدايتها. كما بدأت المحبّة والألفة بين الأمم ترفع علمها، وبدأت نفثات الرّوح القدس تسيطر.

فيا أهل العالم تحرّكوا وافرحوا وأظهروا الطّرب والسّرور وادخلوا في ظلّ خيمة وحدة العالم الإنسانيّ.

والسّلام

المصادر
المحتوى
OV