ليس لدى الله بيضٌ وسودٌ
ألقيت في يوم الإثنين الموافق 22 نيسان
سنة 1912 في جامعة هارفارد الأمريكيّة:
هو الله
إنّني اليوم في منتهى السّرور لأنّني أرى عباد الله من السّود والبيض حاضرين في هذا المجمع سويّة متآلفين. وليس لدى الله بيض وسود وكلّ الألوان لديه لون واحد وهو لون العبودية الإلهيّة، وليس للرّائحة واللّون شأن لديه بل الأهميّة هي للقلب. فإذا كان القلب طاهرًا فلن يغيّره اللّون الأسود أو الأبيض أو أيّ لون آخر. والله لا ينظر إلى الألوان بل ينظر إلى القلوب. وكلّ من كان قلبه أطهر فهو أحسن. وكلّ من كانت أخلاقه أسمى فهو أحسن. وكلّ من كان توجّهه إلى الملكوت الأبهى أكثر فهو أفضل.
وفي عالم الوجود لا شأن للألوان، لاحظوا أنّ الألوان في عالم الجماد ليست سبب الاختلاف، وفي عالم النّبات ليست الألوان المختلفة سبب الاختلاف بل الألوان المختلفة سبب جمال الحديقة. لأنّ اللّون الواحد لا جمال له ولكنّك حين ترى ألوانًا مختلفة فعند ذلك يكون لها جمال وبهاء.
وعالم البشريّة أيضًا مثل الحديقة والنّوع الإنسانيّ مثل الأزهار المختلفة في ألوانها، إذن فالألوان المختلفة زينة. وكذلك في عالم الحيوان هناك ألوان فالحمام ألوان وألوان ومع هذا فإنّه في منتهى الألفة لا ينظر بعضه إلى لون البعض الآخر بل ينظر إلى النّوع فكم من حمامات بيض تطير مع حمامات سود، وكذلك سائر الطّيور والحيوانات المختلفة في الألوان، فإنّها لا تنظر أبدًا إلى اللّون بل تنظر إلى النّوع.
إذن لاحظوا الآن أنّ الحيوانات مع أنّها لا تملك عقلاً ولا إدراكًا فإنّ اختلاف الألوان لا يكون سببًا في خصام بعضها مع البعض الآخر فلماذا يتخاصم الإنسان العاقل؟ إنّ هذا لا يليق أبدًا وخصوصًا أنّ البيض والسّود من سلالة آدم ومن عائلة واحدة وكانوا في الأصل إنسانًا واحدًا ولونًا واحدًا. فقد كان لآدم ولحواء لون واحد. وترجع سلالة جميع البشر إليهما. إذن فالأصل واحد وهذه الألوان ظهرت فيما بعد بسبب الماء والمناخ ولا أهميّة لها مطلقًا.
إنّني اليوم مسرور جدًّا لاجتماع البيض والسّود معًا في هذا الحفل، وأملي أن يصل هذا الاجتماع وهذه الألفة إلى الحدّ الّذي لا يبقى معه امتياز بين الألوان ويكون الجميع في منتهى الألفة والمحبّة في ما بينهم.
ولكنّني أريد أن أذكر أمرًا كي يمتنّ السّود من البيض ويكون البيض رؤوفين بالسّود، فلو ذهبتم إلى أفريقية وشاهدتم السّود الأفريقيّين عند ذاك تعرفون مدى رقيّكم. والحمد لله أنّكم أنتم الآن مثل البيض ليس بينكم وبينهم فرق في أيّ شأن ولكنّ السّود الأفريقيّين بمثابة الخدم. وإنّ أوّل إعلان لحرّيّة السّود كان من البيض الأميركيّين. فكم حاربوا وكم ضحّوا حتّى حرّروا السّود! ثمّ انتشر ذلك إلى جهات أخرى. وقد كان السّود الأفريقيّون في منتهى الذّلّة ولكن نجاتكم صارت سببًا لنجاتهم أيضًا، يعني أنّ الدّول الأوروبّيّة اقتدت بالأمريكيّين ولهذا أعلنت الحرّيّة العموميّة
ومن أجلكم بذل البيض الأمريكيّون مثل هذه الهمّة. ولو لم يكن هذا الجهد لما أعلنت الحرّيّة العموميّة، إذن يجب عليكم أن تكونوا ممتنّين جدًّا من البيض الأمريكيّين، ويجب على البيض أن يكونوا رؤوفين جدًّا بكم حتّى ترتقوا في المراتب الإنسانيّة وتبذلوا جهدًا بالاشتراك مع البيض حتّى ترتقوا أيضًا أنتم رقيًّا فائقًا وتمتزجوا ببعضكم امتزاجًا تامًا.
وخلاصة القول عليكم أن تبدوا امتنانًا كثيرًا نحو البيض لأنّهم كانوا سبب تحرّركم في أمريكا فلو لم تتحرّروا لما تحرر بقية السّود. والآن كلّكم ولله الحمد أحرار وفي منتهى الرّاحة والاطمئنان، وإنّي أدعو كي ترتقوا في حسن الأخلاق والأطوار إلى درجة لا يبقى معها اسم البيض أو السّود وتكون كلمة "الإنسان" اسمًا للجميع. كما تسمّى جماعة الحمام "بالحمام" ولا يقال الحمام الأسود أو الحمام الأبيض وكذلك سائر الطّيور. وأتمنّى أن تبلغوا مثل هذه الدّرجة. وهذا لا يمكن إلا بالمحبّة. فابذلوا الجهد حتّى تحلّ المحبّة بينكم. ولن تحصل هذه المحبّة بينكم إلاّ إذا كنتم ممتنّين من البيض وكان البيض رؤوفين بكم ويبذلون الجهد لترقيتكم ويسعون لعزّتكم وهذا يكون سبب المحبّة وزوال الاختلاف بين البيض والسّود زوالاً تامًا بل يزول أيضًا اختلاف الجنس واختلاف الوطن.
وإنّي مسرور جدًّا من لقائكم وأشكر الله لأنّه جمع في هذا الحفل بين البيض والسّود فكلاهما مجتمعان بكمال المحبّة والألفة وأرجو أن يعمّ هذا النّموذج من الألفة والمحبّة حتّى لا يبقى عنوان للبشر غير "الإنسان" وهذا العنوان هو كمال العالم الإنسانيّ وسبب العزّة الأبديّة وسبب السّعادة البشريّة. لهذا فإنّي أدعو من أجلكم كي تكونوا في منتهى الألفة والمحبّة بعضكم مع البعض الآخر وتجهدوا وتسعوا من أجل راحة بعضكم بعضًا.