العلمُ نورٌ
الخطبة المباركة ألقيت في جامعة كلارك في 23 أيّار 1912
هو الله
أيّها الحفل المحترم!
إنّي في غاية السّرور لحضوري في حفل هذه الكلّيّة ولقد كنت أشتاق مشاهدة هذه الكلّيّة والحمد لله إذ تحقّق هذا الأمل.
إنّ الكلّيّات منبع لمنافع عظيمة وإنّ العلم أعظم منقبة للعالم الإنسانيّ. يمتاز الإنسان عن الحيوان بالعقل والعلم. وبالعلم يكشف الإنسان أسرار الكائنات، وبالعلم يطّلع الإنسان على أسرار القرون الماضية وبالعلم يكشف الإنسان كوامن الأرض وبالعلم يكشف الإنسان حركات الأجرام السّماويّة العظيمة. العلم سبب العزّة الأبديّة للإنسان والعلم سبب شرف العالم الإنسانيّ، العلم سبب السّمعة والشّهرة الحسنة للإنسان والعلم يكشف أسرار الكتب السّماويّة والعلم يكشف أسرار الحقيقة والعلم يخدم عالم الحقيقة. العلم ينجّي الأديان السّابقة من التّقاليد والعلم يكشف حقيقة الأديان الإلهيّة. العلم أعظم منقبة للعالم الإنسانيّ. العلم ينجّي الإنسان من أسر عالم الطّبيعة والعلم يكسر شوكة النّواميس الطّبيعيّة.
إنّ جميع الكائنات أسيرة للطّبيعة، فهذه الأجرام العظيمة أسيرة للطّبيعة وكرة الأرض بعظمتها أسيرة للطّبيعة وعوالم النّبات والأشجار والحيوان أسيرة للطّبيعة ولا يستطيع أحدها أن يتجاوز قيد شعرة عن قانون الطّبيعة. وهذه الشّمس على ما هي عليه من العظمة لا تخرج مقدار ذرّة واحدة عن قانون الطّبيعة. أمّا الإنسان فبالعلم يخرق قانون الطّبيعة وبقوّة العلم يكسر نظام الطّبيعة ومع أنّه مخلوق ترابيّ فإنّه يطير في الهواء ويمرح فوق سطح البحر ويجول ويصول تحت البحر فيأخذ السّيف من يد الطّبيعة ويغمده في كبد الطّبيعة ويقوم بكلّ هذا بقوّة العلم. فمثلاً نلاحظ الإنسان يحبس هذه القوّة الكهربائيّة العاصية الطّاغية في زجاجة ويحصر الصوت الطّليق كذلك ويهزّ المحيط الجوّي بالمخابرة ويقود سفينة فوق صحراء ويحوّل اليابسة بحرًا ويخترق الجبال ويؤلّف بين الغرب والشّرق ويعانق الجنوب مع الشّمال ويكشف أسرار الطّبيعة المكنونة وهذا أمر خارج على قانون الطّبيعة ويأتي بجميع الصّنائع والبدائع والاختراعات بقوّة العلم من حيّز الغيب إلى عالم الشّهود وكلّ هذه الأعمال أمور خارجة على قانون الطّبيعة ولكنّها تتحقّق وتتمّ بقوّة العلم.
والخلاصة أنّ جميع الكائنات أسيرة للطّبيعة أمّا الإنسان فإنّه طليق. وهذه الحرّيّة إنّما نالها بواسطة العلم، فالعلم يضرب قواعد الطّبيعة وأحكامها بعضها ببعض ويقلّب نظام الطّبيعة ويقوم بكلّ هذا بقوّة العلم، إذن اتّضح أنّ العلم أعظم مناقب العالم الإنسانيّ وأنّ العلم عزّة أبديّة وأنّ العلم حياة سرمديّة.
لاحظوا حياة مشاهير العلماء فإنّهم وإن فنوا وتلاشوا إلاّ أن علمهم باقٍ. إنّ سلطنة ملوك العالم سلطنة مؤقّتة ولكنّ سلطنة الشّخص العالم أبديّة وصيته وشهرته سرمديّان والإنسان العالم يصبح بقوّة العلم شهير الآفاق وكاشفًا لأسرار الكائنات.
إنّ الشّخص الذّليل يصبح بالعلم عزيزًا والمجهول يصبح شهيرًا ويشرق كالشّمع المنير بين الملل لأنّ العلم أنوار والشّخص العالم مثل السّراج الوهّاج.
جميع الخلق أموات والعلماء أحياء وجميع الخلق بلا صيت والعلماء مشاهير. لاحظوا مشاهير العلماء السّالفين الّذين تلمع نجمة عزّتهم من الأفق الأبديّ وهم باقون إلى أبد الآباد.
لهذا فإنّني في غاية السّرور لحضوري في هذه الكلّيّة كلّيّة العلوم والفنون وأملي أن يصبح هذا المركز عظيمًا وينوّر جميع الآفاق بأنوار العلوم فيبصر العمي ويسمع الصّمّ ويحيي الموتى ويبدّل ظلمة الأرض إلى نور. فالعلم نور والجهل ظلمة كما ورد في الإنجيل عن حضرة إشعيا أنّه تفضّل: "إنّ هؤلاء النّاس لهم عيون ولكنّهم لا يبصرون ولهم آذان ولكنّهم لا يسمعون ولهم عقول ولكنّهم لا يفقهون". وتفضّل حضرة المسيح في الكتاب المقدّس" "إنّني أشفي هؤلاء".
إذن ثبت أنّ الجاهل ميّت والعالم حيّ والجاهل أعمى والعالم بصير والجاهل أصمّ والعالم سميع وأنّ أشرف مناقب العالم الإنسانيّ هو العلم.
الحمد لله إنّ العلم في هذا الإقليم في ارتقاء مستمرّ ولقد تأسّست مدارس وكلّيّات للعلوم والفنون ويجهد التّلاميذ في هذه المدارس بمنتهى جهدهم ويكشفون حقائق العالم الإنسانيّ وأملي أن تقتدي سائر الممالك بهذه المملكة وتشيد مدارس عديدة لتربية أولادهم وترفع راية العلم حتّى يتنوّر العالم الإنسانيّ وتظهر حقائق وأسرار الكائنات فلا تبقى هذه التّعصّبات الجاهليّة وتزول هذ التّقاليد الموهومة الّتي هي السّبب في الاختلاف بين الأمم. وأملي أن يتبدّل الاختلاف بالائتلاف ويرتفع علم وحدة العالم الإنسانيّ وتظلّل خيمة الصّلح العمومي جميع الأقطار في العالم.
إنّ العلم يوحّد جميع البشر والعلم يجعل كلّ الممالك مملكة واحدة ويجعل جميع الأوطان وطنًا واحدًا. والعلم يوحّد جميع الأديان في دين واحد لأنّ العلم يكشف الحقيقة. والأديان كلّها حقيقة واحدة ولكنّ العالم البشريّ الآن غريق بحر التّقاليد. وهذه التّقاليد أوهام محضة. إنّ العلم يستأصل هذه التّقاليد من جذورها ويشتّت هذه السّحب المظلمة الّتي تحجب شمس الحقيقة وتظهر حقيقة الأديان الإلهيّة وحيث إنّ الحقيقة واحدة فإنّ جميع الأديان الإلهيّة تتّحد وتتّفق ولا يبقى اختلاف وينهدم النّزاع والجدال وتتجلّى وحدة العالم الإنسانيّ.
إنّ العلم هو الّذي يزيل الأوهام وإنّ العلم هو الّذي يظهر نورانيّة الملكوت ولهذا فإنّني أرجو الله أن ترتفع راية العلم يومًا فيومًا ويسطع كوكب العلم سطوعًا أشدّ حتّى يستنير جميع البشر من نور العلم وترتقي العقول وتزداد المشاعر الإنسانيّة وتتزايد الاكتشافات ويرتقي الإنسان في جميع مراتب الكمالات وتتحقّق منتهى السّعادة في ظلّ الإله الأكبر ولا يمكن تحقّق هذه المسائل تحقّقا واقعيًّا بغير العلم الحقيقيّ.
لقد جئت من بلاد بعيدة حتّى أحضر في هذه المجامع المحترمة العلميّة وأشاهد هذه الأنظمة وهذه التّشكيلات وأنال منتهى السّرور ولعل هذه النّظم العلميّة والفنيّة تجري في ممالك الشّرق ويروّج العلم في الشّرق وعندما أعود إلى الشّرق سأشوّق الجميع على تحصيل العلوم والفنون المفيدة.
وأملي أن تبذلوا أنتم الهمّة أيضًا وتؤسّسوا في ممالك الشّرق مدارس مهمّة.
وكذلك أبناء الشّرق من هنود وصينيّين ويابانيّين وعرب وأرمن وممّن ينهلون العلوم والفنون من مناهل هذه البلاد حينما يعودون إلى أوطانهم يقومون بنشر العلوم والصّنائع والمخترعات حتّى تصبح الأقطار الشّرقية مطابقة للأقطار الغربيّة لأنّ أهالي الشّرق ذوو استعداد كبير ولكنّ وسائل التّربية العامّة لم تكن مهيّئة حتّى الآن فليست هناك مدارس مثل هذه المدارس.
ولهذا فأملي أن ينال الشّرق في القريب العاجل نصيبًا وافرًا من أنوار العلوم والحكمة الإلهيّة والفنون العصريّة حتّى يسطع نور العلم على جميع الآفاق وينوّر جميع الأقطار ويتحقّق بين البشر ارتباط تامّ وتتجلّى سعادة العالم الإنسانيّ وتنتشر تجلّيات العلوم الإلهيّة في آفاق الشّرق والغرب انتشارًا كلّيًّا وتبقى حقوق العموم محفوظة ويرتقي أفراد النّاس يومًا فيومًا في الفضائل ويحصل منتهى الاتّحاد والاتّفاق بين الأمم. هذا منتهى أملي وهذا هو المقصود من سفري إلى أمريكا.