وحدة أساس الأديان
الخطبة المباركة ألقيت في مجمع الأحرار الأميركيّين
في مدينة بوسطن بقاعة فرد في مساء 24 أيّار 1912
هو الله
أيّها الطّالبون للحقيقة! لقد نزلت الأديان الإلهيّة من أجل المحبّة بين البشر ومن أجل الألفة ومن أجل وحدة العالم الإنسانيّ لكن وللأسف بدّل أصحاب الأديان النّور بالظّلمة وصار كلّ واحد يعتبر كلّ نبيّ عدوًا للنّبي الآخر.
فمثلاً يعتبر اليهود حضرة المسيح عدوًّا لحضرة موسى، ويعتبر المسيحيّون حضرة زرادشت عدوًّا لحضرة المسيح ويعتبر البوذيّون حضرة زرادشت عدوًّا لحضرة بوذا والجميع يعتبرون حضرة محمّد مخالفًا لجميع الأنبياء وجميعهم ينكرون حضرة الباب وحضرة بهاء الله في حين أنّ مبدأ هؤلاء العظماء واحد وحقيقة شريعتهم واحدة ومقصدهم واحد وأساس تعاليمهم واحد وجميعهم متّحدون ومتّفقون وجميعهم يرشدون إلى إله واحد مروّجين شريعة إله واحد.
فمثلاً كان حضرة زرادشت نبيًّا متّفقا تمامًا في رأيه مع رأي حضرة المسيح بحيث لم يوجد تفاوت بين تعاليمهما. وكذلك فإنّ تعاليم بوذا ليست مخالفة لتعاليم حضرة المسيح وكذا سائر الأنبياء. فالأنبياء جميعًا مبدؤهم واحد ومقصدهم واحد وشريعتهم واحدة وتعاليمهم واحدة ولكن وللأسف حلّت فيما بعد التّقاليد بين النّاس وصارت تلك التّقاليد سبب الاختلاف لأنّ هذه التّقاليد لم تكن حقيقة بل كانت أوهامًا، وهي مخالفة تمامًا لشريعة المسيح ومعاكسة للتّعاليم والنّواميس الإلهيّة ولذلك فقد أضحت سبب النّزاع والجدال في حين أنّ الأديان يجب أن تكون في منتهى الألفة في ما بينها لكنّها أوجدت منتهى الاختلاف. وبدل أن يتقرّب بعضها من بعض قامت على القتال وبدل أن يتعاون ويتعاضد بعضها مع البعض الآخر راحت تحارب بعضها للبعض الآخر ولهذا لم يرَ العالم الإنسانيّ منذ بدايته حتّى الآن راحة بال وكانت هناك دومًا حروب ومشاحنات بين الأديان ولو نظرتم إلى حقيقتها لبكيتم ليلاً ونهارًا لأنّها جعلت أمر الله الّذي هو أساس المحبّة سببًا للخلاف لأنّ شريعة الله هي بمثابة العلاج فإنّ أُخذ العلاج بطريقة صحيحة صار سبب الشّفاء ولكن وللأسف كانت هذه العلاجات في يد طبيب غير حاذق فصار العلاج الّذي هو سبب الشّفاء سببًا للمرض وبدل أن يكون سبب الحياة صار سبب الممات ولا يمنح الطّبيب غير الحاذق شفاء ولا يجدي علاجه نفعًا بل يكون سبب الممات لأنّ العلاج وقع بيده وهو غير الحاذق.
لقد ظهر حضرة بهاء الله في إيران منذ ستّين سنة وكانت إيران عند ظهوره مسرحًا لعداوات بين الأديان والمذاهب والأجناس المختلفة بحيث كان الرّؤساء يسبّون بعضهم بعضًا ويلعن بعضهم بعضًا وشرب بعضهم دماء البعض الآخر. وقد أعلن حضرة بهاء الله وحدة العالم الإنسانيّ وأعلن أنّ الدّين يجب أن يكون سبب المحبّة والألفة وسبب الحياة، فإن أصبح الدّين سبب العداواة كان عدمه خيرًا من وجوده. لأنّ المقصد من الدّين هو إيجاد المحبّة بين البشر، وعندما تحصل العداواة بين البشر بسببه فلا شكّ أنّ عدمه أحسن من وجوده.
وكذلك أعلن حضرة بهاء الله أنّ الدّين يجب أن يطابق العلم لأنّ العلم حقيقة والدّين حقيقة ويستحيل ظهور الاختلافات في الحقيقة الواحدة. فإن كانت مسألة من المسائل الدّينيّة مخالفة للعقل والعلم فإنّه وهمٌ محض ولا أساس لها أبدًا، لأنّ كلّ ما هو ضدّ العلم والعقل فهو جهل وهذا أمر واضح وضوح الشّمس.
إنّ عالم البشر مستظلّ في ظلّ الإله الأكبر والجميع عبيد الله وهم مرتاحون في ظلّ الشّجرة الإلهيّة. وقد خلق الله الجميع وهو يرزق الجميع ويربّي الجميع ويحفظ الجميع وما دام هو رؤوفًا بالجميع فلماذا نكون نحن قساة؟ وما دام الله يحبّ عباده فلماذا نبغض ونعادي؟ وما دام الله في صلح مع الجميع فلماذا نشغل أنفسنا بالحروب والمشاحنات؟ ولقد خلقنا الله من أجل المحبّة والأخوّة لا للعداوة. وخلقنا الله للصّلح والسّلام لا للحرب والنّزال. فلماذا نبدّل هذه الصّفات الرّحمانيّة بالصّفات الشّيطانيّة؟ ولماذا نقاوم هذه النّورانيّة بالظّلمة؟ ولماذا نقابل هذه المحبّة الإلهيّة بالعداوة؟ فلقد تخاصمنا وتنازعنا مدّة ستة آلاف سنة والآن في هذا القرن النّورانيّ يجب أن نتحابّ ونتآلف. وهناك اليوم عداوة وبغضاء عظيمة بين الأديان فأيّة ثمرة حصلت من ذلك؟ وأيّة فائدة ترتّبت على ذلك البشر؟ ألا يكفي هذا؟
إنّ هذا العصر عصر نورانيّ. هذا عصر يتوجّب علينا فيه أن نتحرّر من هذه الأوهام، هذا عصر يجب أن تمحى فيه الخصومة والبغضاء. وهذا عصر يجب أن تصبح فيه الأديان دينًا واحدًا. وهذا عصر يجب فيه أن تتّحد المذاهب وتتآلف في ما بينها بالمحبّة واللّطف. لأنّنا جميعنا عبيد إله واحد. وقد جئنا إلى الوجود برحمة عظمى واحدة وكلّنا استنرنا من شمس واحدة ووجدنا الحياة من روح واحدة وغاية ما في الأمر أنّ بعضنا مريض تجب معالجته بمنتهى الرّأفة وبعضنا جاهل يجب تعليمه وبعضنا طفل تجب تربيته كي تبدّد شمس الأخوّة السّماويّة هذه السّحب المظلمة. يجب أن لا نبغض أحدًا ويجب أن لا نعادي أحدًا. فالجميع آباء والجميع أمّهات والجميع إخوان والجميع أخوات. والاتّحاد الّذي أوجده الله يجب أن لا نكون سببًا في زواله وأن لا نخرّب البنيان الّذي أسّسه الله من أجل محبّته وأن لا نقاوم الإرادة الإلهيّة بل نتّبع السّياسة الإلهيّة ونسلك سبيلها ولا شكّ أنّ السّياسة الإلهيّة فوق سياسة الإنسان لأنّ الإنسان مهما ارتقى فإنّه يبقى ناقصًا غير كامل أمّا السّياسة الإلهيّة فكاملة لذلك يجب علينا أن نقتبس من السّياسة الإلهيّة ونسلك مع الآخرين بنفس السّلوك الّذي يسلكه الله مع عباده ونقتدي بالله. فنحن نشاهد آثار الله الباهرة ونشاهد حكمته ورحمته وقوّته وقدرته لذلك يجب أن نترك الأوهام والتّقاليد جانبًا ونتمسّك بالحقّ ونتجنّب الاختلاف والتّباعد ومعاذ الله أن يكون أنبياء الله راضين بهذا فأنبياء الله جميعهم روح واحدة وكلّهم علّموا البشريّة تعليمًا واحدًا. وتعاليم أنبياء الله روح محضة وحقيقة محضة ومحبّة محضة وألفة محضة. لذا يجب أن نتّبع أنبياء الله.