وصاياي لكم
الخطبة المباركة ألقيت في نيويورك في يوم 5 كانون الأوّل 1912
هو الله
هذا هو اليوم الأخير. وهذا هو اللّقاء الأخير. وبعد هذا سنركب الباخرة ونذهب. وهذه آخر وصاياي لكم.
لقد تحدّثت إليكم مرارًا ودعوتكم إلى وحدة العالم الإنسانيّ وإلى اعتبار جميع البشر عباد الله. والله رؤوف بالجميع. يرزق الكلّ ويهب الحياة للكلّ، وفي محضر الرّبوبيّة كلّ عبيد له وهو يمنح لهم فيوضاته الإلهيّة بالتّساوي ولهذا يجب أن نكون نحن في منتهى الشّفقة مع جميع ملل العالم وأن ننسى هذه التّعصّبات الدّينيّة والجنسيّة والتّعصّبات الوطنيّة والسّياسيّة. فهذه الأرض كرة واحدة وجميع الأمم سلالة واحدة والكلّ عبيد إله واحد. إذن فكلّ نفس تسبّب الكدر للآخرين تعتبر عند الله من الخطاة. والله يريد السّرور للجميع حتّى يعيش كلّ فرد من الأفراد في منتهى السّعادة وحتّى يتبرّأوا من الاختلافات والتّعصّبات الدّينيّة والمذهبيّة والتّعصّبات الجنسيّة والسّياسيّة والوطنيّة ويجتنبوها. وأنتم ولله الحمد قد أبصرت عيونكم وأصبحت آذانكم صاغية ووعت قلوبكم فيجب عليكم بعد الآن أن لا تنظروا إلى التّعصّبات والاختلافات بل تنظروا إلى الألطاف الإلهيّة فالله هو الرّاعي الحقيقيّ وهو رؤوف بجميع أغنامه. ومع أنّ الله رؤوف بالجميع فهل يجوز لنا نحن عبيده أن يكون بعضنا في حرب وخصام مع البعض الآخر؟ لا والله. بل يجب أن نشكر الألطاف الإلهيّة وأن يألف بعضنا بعضًا ويلتئم بعضنا مع بعض وأن نحبّ العموم ونرأف بهم.
وخلاصة القول إيّاكم أن تُحزنوا قلب أحد أو تغتابوا أحدًا وكونوا مع جميع الخلق متّحدين واعتبروهم أقرباءكم وليكن مقصدكم دائمًا أن تُفرحوا قلبًا وتطعموا جائعًا وتكسوا عاريًا وتعزّوا ذليلاً وتكونوا فرجًا للمساكين وملجأ ومأوى للمضطرّين. هذا هو الرّضاء الإلهيّ وهذه هي السّعادة الأبديّة وهذه هي نورانيّة العالم الإنسانيّ. وحيث إنّني أريد لكم العزّة الأبديّة لهذا أنصحكم بمثل هذه النّصيحة.
أنتم تشاهدون ما يجري في البلقان وكم من الدّماء تسفك وكم من الأطفال يتيتّمون. وكم من الأموال تنهب وكم من النّيران تشعل. ومع أنّ الله خلق هؤلاء للمحبّة فإنّهم يسفكون دماء بعضهم البعض. وقد خلق الله هؤلاء من أجل أن يتعاونوا ويتعاضدوا لكنّهم الآن ينهب بعضهم بعضًا ويهجم بعضهم على بعض، وبدل أن يكونوا سبب راحة البشر يؤذي بعضهم بعضًا.
فأنتم إذًا يجب أن تظهروا همّة عالية وتجهدوا بقلوبكم وأرواحكم لعلّ أن تسطع نورانيّة الصّلح العموميّ وتزول ظلمة التّجانب هذه ويصبح جميع البشر عائلة واحدة ويرجو كلّ فرد الخير للعموم ويتعاون الشّرق والغرب ويساعد الغرب الشّرق لأنّ الكرة الأرضيّة وطن واحد والنّوع الإنسانيّ تحت فيض وحماية راعٍ واحد.
لاحظوا أيّة بلايا ومشاق تحمَّلها أنبياء الله من أجل أن يحبّ البشر بعضهم بعضًا وأن يتشبّثوا بحبل الألفة والاتّفاق حتّى إنّ هذه النّفوس المقدّسة فدت حياتها من أجل ذلك.
فانظروا ما أشدّ غفلة الخلق فهم مع كلّ هذه المشاق لا يزالون في حرب وخصام. ومع كلّ هذ النّصائح لا يزالون في حرب وخصام. ومع كلّ هذه النّصائح لا يزالون يسفك بعضهم دم بعضهم الآخر. فما أجهلهم! وما أشدّهم غفلة وظلمة!
فعندهم إله بمثل هذه الشّفقة يعامل الجميع بالتّساوي ومع هذا فإنّهم يسلكون خلاف الرّضاء الإلهي وهو رؤوف لطيف بالجميع وهؤلاء في منتهى العداوة الطّغيان، وهو يهب الحياة للجميع وهؤلاء يسبّبون الممات، وهو يعمّر الممالك وهؤلاء يطمر بعضهم بيوت البعض الآخر. لاحظوا ما أغفلهم!
والآن بقي واجب آخر عليكم حيث إنّكم اطّلعتم على الأسرار الإلهيّة ولكم عين بصيرة وأذن صاغية. لهذا يجب عليكم أن تعاملوا العموم بمنتهى الرّأفة وليس لكم أيّ عذر أبدًا لأنّكم عرفتم أنّ الرّضاء الإلهيّ هو في الخير والصّلاح للعموم وسمعتم نصائح الحقّ واستمعتم إلى البيانات والتّعاليم الإلهيّة. فعليكم أن تعاملوا بالمحبّة حتّى مع الأعداء وترجوا الخير لمن يريد لكم سوءًا وأن تصادقوا من يخالفكم واعملوا بموجب هذه التّعاليم آملين أن تزول ظلمات الحرب والخصام وتنجلي النّورانيّة الإلهيّة ليتنوّر الشّرق ويتعطّر الغرب ويعانق الجنوب الشّمال وتعاشر أمم العالم بعضها بعضًا بمنتهى المحبّة والألفة. وما لم يبلغوا هذا المقام لن يجد العالم الإنسانيّ الرّاحة ولن يحصل على السّعادة الأبديّة. فإن عملوا بموجب هذه التّعاليم المقدّسة فإنّ عالم النّاسوت يصبح مرآة الملكوت ويصبح سطح الغبراء الجنّة الأبهى وغبطة للفردوس الأعلى.
وأتمنّى أن تتوفّقوا إلى العمل بالتّعاليم حتّى تنيروا العالم الإنسانيّ كالسّراج وحتّى تصبحوا كالرّوح تحرّك جسد عالم الإمكان. هذه هي العزّة الأبديّة. هذه هي الصّورة والمثال الإلهيّ الّتي أوصيكم بها وأملي أن تتوفّقوا إلى ذلك.