إثبات الألوهيّة

حضرة عبد البهاء
النسخة العربية الأصلية

إثبات الألوهيّة

الخطبة المباركة في باريس في 9 شباط 1913

هو الله

لقد سألني اليوم شخص عن وجود الألوهيّة قائلاً: ما برهانكم على وجود الألوهيّة؟

إنّ النّاس قسمان قسم معترف بالألوهيّة وقسم منكر لها ولهذا نريد اليوم إثبات وجود الألوهيّة بدليل من الأدلّة العقليّة لأنّكم تعرفون الدّلائل النّقلية وهي معلومة لدى الجميع.

لو نظرنا إلى جميع الكائنات الموجودة لرأينا أنّ كلّ كائن من الكائنات خلق نتيجة تركيب العناصر المنفردة فمثلاً تركّبت عناصر وأجزاء فرديّة فظهر منها الإنسان وتركّبت عناصر بسيطة وظهرت منها هذه الوردة، وكذلك هذا الحجر ظهر من تركيب الأجزاء الفرديّة.

وخلاصة القول إنّ وجود جميع الكائنات يعود إلى التّركيب وعندما يتحلّل هذا التّركيب، فَهُنا لكم الموت والانعدام. أمّا العناصر البسيطة فهي باقية دون تغيير في حين أنّ المركبات تتلاشى إذًا صار معلومًا ومسلّمًا أنّ تركيب العناصر البسيطة هو سبب الحياة وتحليلها هو الموت والانعدام ولكنّ العناصر البسيطة باقية دون تغيير ذلك لأنّها بسيطة. ولا ينعدم الشّيء البسيط أمّا التّركيب فإنّه ينحلّ انحلالاً وهذا يعني أنّ وجود الكائنات هو من التّركيب وانعدامها من التّحليل. وهذه مسألة علميّة لا عقائديّة وهناك فرق بين المسائل العقائديّة والمسائل العلميّة فالمسائل العقائديّة مسموعات تقليديّة أمّا المسائل العقليّة فإنّها مشفوعة بالبراهين القطعيّة إذ ثبت علميًّا أنّ وجود الكائنات عبارة عن التّركيب وفناءها عبارة عن التّحليل. ويقول المادّيّون إنّه ما دام وجود الكائنات نتيجة للتّركيب وانعدامها نتيجة للتّحليل فما هي الحاجة بعد هذا إلى الخالق الحي القدير لأنّ الكائنات غير المتناهية تتركّب في أشكال غير متناهية وبنتيجة كلّ تركيب يظهر للوجود كائن من الكائنات. أمّا الإلهيّون فيجيبونهم على قولهم بأنّ التّركيب على أقسام ثلاثة إمّا تركيب تصادفي وإمّا تركيب إلزامي وإمّا تركيب إراديّ ولا رابع لها لأنّ التّركيب ينحصر في هذه الأقسام الثّلاثة. فلو نقول إنّ تركيب الكائنات تركيب تصادفي فهذا القول واضح البطلان لأنّه لا يمكن حصول معلول بدون علّة ولا بدّ من وجود علّة فهذا التّركيب التّصادفيّ واضح البطلان وهذا أمر يدركه الجميع. أمّا التّركيب الثّاني وهو الإلزاميّ فيعني أنّ هذا التّركيب هو المقتضى الذّاتيّ لكل كائن وهو اللّزوم الذّاتيّ لهذه العناصر مثال ذلك فالنّار لزومها الذّاتيّ الحرارة والماء لزومه الذّاتيّ الرّطوبة فإن كان تركيب الكائنات هذا لزومًا ذاتيًّا فلن يعقبه انفكاك كما لا تنفكّ الحرارة عن النّار ولا الرّطوبة عن الماء وما دام هذا التّركيب لزومًا ذاتيًّا فليس من الممكن أن يكون له انفكاك. إذن فهذا باطل أيضًا لأنّ تركيب الكائنات لو كان لزومًا ذاتيًّا لما أعقبه تحليل ولهذا فتركيب الكائنات ليس إلزاميًّا. فما بقي؟ بقي التّركيب الإراديّ أي أنّ تركيب الكائنات ووجود الأشياء يكون بإرادة الحيّ القدير. هذا واحد من الأدلّة وحيث إنّ هذ المسألة مهمّة جدًّا فيجب أن تمعنوا الفكر فيها وتتباحثوا حولها في ما بينكم لأنّكم كلّما ازددتم تفكيرًا فيها ازددتم اطّلاعًا على التّفاصيل. فاحمدوا الله على ما أنعم عليكم بقوّة تستطيعون بها إدراك مثل هذه المسائل.

المصادر
المحتوى
OV