إعلان دعوة حضرة الباب

حضرة عبد البهاء
النسخة العربية الأصلية

إعلان دعوة حضرة الباب

الخطبة المباركة ألقيت في منزل السّيّد والسّيّدة دريفوس بباريس

مساء 13 أيّار سنة 1913

هو الله

حيث إنّ اليوم يوم بعثة حضرة الأعلى لذا أهنّئكم جميعًا. لقد كان اليوم يومًا أظهر حضرة الباب في ليلته أمره المبارك إلى حضرة باب الباب في شيراز. إنّ ظهور حضرة الباب عبارة عن طلوع الصّبح، فكما أنّ طلوع الصبح يبشّر بشروق الشّمس فكذلك كان ظهور حضرة الباب علامة لطلوع شمس البهاء، أي أنّه كان صبحًا نورانيًّا بحيث نوّر الآفاق وظهرت تلك الأنوار شيئًا فشيئًا إلى أن تجلّت شمس طلعته المنيرة.

لقد كان حضرة الباب مبشّرا بطلوع شمس بهاء الله، وبشّر بظهوره في جميع كتبه حتّى إنّه يتفضّل في أوّل كتابه المسمّى ﺒ"أحسن القصص"، "يا سيّدي الأكبر قد فديت بكلّي لك ورضيت السّبّ في سبيلك وما تمنّيت إلا القتل في محبّتك". لقد كانت نهاية آمال حضرة الباب الاستشهاد في هذا السّبيل، وقد وضع تاج السّلطنة الأبديّة على هامته المباركة بحيث ستنير جواهره الزّواهر جميع القرون والعصور. إنّ حضرة الأعلى، روحي له الفداء، تحمّل صدمات شديدة، فقد كان في بداية الأمر سجينًا في بيته في شيراز ثمّ بعد ذلك توجّه إلى إصفهان وأصدر العلماء فيها حكم القتل عليه وأظهروا بذلك منتهى الظّلم والاعتساف، فأرسلت الحكومة حضرته إلى تبريز وحبسته في ماكو ومنها أرسلوه إلى قلعة جهريق ليبقى فيها سجينًا. ولقي حضرته الضرب الشّديد وتحمّل أذى لا يعد ولا يحصى وأخيرًا أعيد إلى تبريز ورموا على صدره المبارك آلافًا من الرّصاص لكنّ هذا الاستشهاد زاد سراجه نورًا وزاد رايته ارتفاعًا وزاد ظهوره قوّة فانتشر اسمه المبارك في الشّرق والغرب إلى يومنا هذا.

وخلاصة القول لقد ظنّ البعض أنّ المظاهر المقدّسة لا تعلم عن حقيقة نفسها حتّى يوم ظهورها كالزّجاج المحروم من النّور وعندما يشتعل سراج الأمر يتنوّر ذلك الزجاج الرّوحانيّ، هذا خطأ لأنّ المظاهر المقدّسة ممتازة منذ البداية ولهذا يتفضّل حضرة المسيح "في البدء كان الكلمة". إذن فالمسيح كان مسيحًا منذ البدء وكان الكلمة "وكان الكلمة عند الله". وظنّ البعض أن حضرة المسيح حينما عمّده يحيى في نهر الأردن نزل الرّوح القدس عليه وبعث بالرّسالة في حين أنّ حضرة المسيح تفضّل بصريح الإنجيل إنّه كان منذ البدء مسيحًا وكذلك يتفضّل حضرة الرّسول (ص) "كنت نبيًّا وآدم بين الماء والطّين" ويتفضّل الجمال المبارك "كنت في أزليّة كينونتي عرفت حبّي فيك فخلقتك" فالشّمس شمس دائمًا وإذا أظلمت زمنًا فإنّها ليست بشمس فالشّمس شمس بحرارتها وهكذا كانت المظاهر المقدّسة وستبقى على ما هي عليه من النّورانيّة، وإنّهم ما زالوا نورانيّين وحقائق سماويّة ومؤيّدين بالرّوح القدس وكانوا مظاهر الكمالات الإلهيّة. وما يوم البعثة إلاّ عبارة عن إعلان الدّعوة.

ومثله مثل هذه الشّمس فمع أنّ نقاط طلوعها متعدّدة وتطلع كلّ يوم من برج من الأبراج ومن مطلع من المطالع ولكن لا يجوز القول بأنّ شمس اليوم شمس حادثة بل إنّها نفس تلك الشّمس القديمة لكنّ المطالع والمشارق حادثة وجديدة. وخلاصة القول إنّ حضرة الأعلى، روحي له الفداء، بشّر في جميع كتبه بظهور حضرة بهاء الله وبأنّ ظهورًا عجيبًا سيظهر في "سنة التّسع" ويحصل كلّ خير فيها ويفوز الجميع بلقاء الله أي سيحصل ظهور ربّ الجنود وستطلع شمس الحقيقة وستنفخ روح أبديّة. وهناك بيانات كثيرة كلّها تبشر بظهور حضرة بهاء الله، ولهذا عندما أظهر حضرة بهاء الله أمره في بغداد في يوم الرّضوان اعترف به جميع البابيّين إلاّ قليلاً منهم. وقد كانت قوّة حضرة بهاء الله وقدرته ظاهرة قبل إظهار أمره وكان جميع النّاس حيارى من شخصيّته الجليلة وكمالاته وعلمه وفضله وقدرته، ولهذا فقد انتبه النّاس –بمجرّد إظهار أمره وفي أيّام قليلة- إلى حقيقة أمره.

ومع أن حضرة بهاء الله كان في السّجن لكنّ أمره أحاط الشّرق والغرب وأراد ملكان مستبدّان أن يمحوا أمره ويطفئا سراجه لكنّه ازداد نورًا، وقد رفع رايته وهو تحت السّلاسل وسطع نوره وهو في غياهب السّجن ولم يستطع جميع أهل الشّرق ملوكهم ومملوكهم أن يقاوموه، وكلّما ازدادوا منعًا وقتلوا أصحابه ازداد الإقبال فأقبل مائة شخص بدل شخص واحد مقتول وغلب أمره. وكانت قدرة حضرة بهاء الله واضحة قبل ظهوره ولم يتشرّف شخص بمحضره الأنور إلاّ وأصابته الدّهشة وقد اعترف جميع علماء آسيا وفضلائها قائلين "إنّ هذا الشّخص عظيم لكنّنا نحن لا نستطيع أن نتخلّى عن تقاليدنا أو نترك ميراث آبائنا وأجدادنا" ولو أنّهم لم يكونوا مؤمنين بحضرته فإنّهم كانوا يعلمون أنّه شخص عظيم. هذا وإنّ حضرة بهاء الله لم يكن قد دخل مدرسة، ولم يكن له معلّم، وكانت كمالاته كمالات ذاتيّة، وكان الّذين يعرفونه جميعًا يعلمون جيدًا بهذه المسألة. ومع كلّ هذا فقد شاهدتم آثاره وسمعتم علومه وكمالاته وشاهدتم حكمته وفلسفته الّتي اشتهرت في الآفاق، وأنّ تعاليمه روح هذا العصر ويشهد جميع الفلاسفة بذلك ويقولون إنّ هذه التّعاليم نور للآفاق.

وخلاصة القول إنّ المظهر الإلهيّ يجب أن يكون نورًا إلهيًّا وتكون نورانيّته من ذاته لا من غيره كالشّمس نورها منها أمّا نور القمر وبعض النّجوم فمن نور الشّمس وهكذا نورانيّة المظاهر المقدّسة فهي نورانيّة صادرة منهم ولا يمكن أن يقتبسوها من غيرهم فغيرهم يجب أن يكتسب العلوم منهم ويقتبس الأنوار منهم لا أنّهم يقتبسون من غيرهم.

إنّ جميع المظاهر الإلهية كانت على هذا العنوان: إبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد والباب وبهاء الله لم يدخل أيّ واحد منهم مدرسة إلاّ أنّهم كتبوا كتبًا شهد الكلّ على أنّه لا مثيل لها. وقضيّة عدم دخول الباب وبهاء الله المدارس دليل وبرهان تستدلّ به بعض النّفوس في إيران اليوم وفي الشّرق يستدلّون بكتب بهاء الله على صحّة دعوته قائلين إنّه لا يستطيع أحد أن تصدر عنه مثل هذه الآيات، ولم يظهر شخص يستطيع أن يكتب شبهها لأنّ هذه الكتب والآثار صدرت من شخص لم يدخل مدرسة وهي برهان على حقّانيته.

وخلاصة القول إنّ هذه الكمالات كانت كمالات ذاتيّة ولا يمكن أن يكون الأمر بغير ذلك، فالنّفوس المحتاجة إلى التّعلم من الآخرين كيف يمكن أن تصبح مظاهر إلهيّة؟ فالسّراج المحتاج إلى النّور كيف يهب النّور؟ إذًا يجب أن يكون المظهر الإلهيّ نفسه جامعًا للكمالات بالفطرة لا بالاكتساب وأن يكون شجرة مثمرة بذاتها لا ثمرة اصطناعيّة، هذه هي الشّجرة المباركة الّتي تظلّل الآفاق وتعطي الثّمار الطّيّبة.

إذن فانظروا في الآثار والعلوم والكمالات الّتي ظهرت من حضرة بهاء الله والّتي كانت بقوّة إلهيّة وبتجلّيات رحمانيّة. ولقد بشّر حضرة الباب في جميع كتبه بظهور تلك الفيوضات والكمالات الإلهيّة. لذا فأهنئكم بيوم بعثة حضرة الأعلى، روحي له الفداء، وأرجو أن يكون هذا العيد السّعيد واليوم الجديد مباركًا عليكم جميعًا وسببًا لسرور القلوب.

المصادر
المحتوى
OV