مجلس بديع
الخطبة المباركة في بور سعيد ليلة 27 حزيران 1913
هو الله
في الحقيقة إنّ هذا مجلس بديع ولا يمكن أن يكون أبدع منه. فالحاضرون من أحبّاء الله مجتمعون في كمال التّوجّه إلى الله والقلوب في منتهى المحبّة والألفة والصّدور منشرحة ومضيفنا جناب آقا ميرزا جعفر أيضًا في غاية المحبّة ومثل هذا المجلس يسمّى مجمع البحرين وقد ذكر في القرآن "مرج البحرين" أي المكان الّذي فيه التقى حضرة موسى ويوشع بشخص عظيم "علّمناه من لدنّا علمًا" حينما صارت السّمكة الميتة حيّة ولهذا معنى بديع.
وخلاصة القول أتمنّى إن شاء الله أن تصل التّأييدات الإلهيّة تباعًا وتتهيّأ الأسباب لتكرار أمثال هذه المجالس. إنّ لهذه المجالس تأثيرات عظيمة في عالم الوجود وتدرك النّفوس البصيرة الآثار والنّتائج الّتي ستحصل منها.
ففي كور حضرة المسيح اجتمع الحواريّون في أعلى الجبل اجتماعًا لو دقّقنا النّظر مليًّا فيه لرأينا أنّ جميع ما حدث بعده من الحوادث كان من نتائج ذلك الاجتماع.
وتفصيل ذلك هو أنّ الحواريّين بعد حضرة المسيح تشتّتوا واضطربوا وكانت مريم المجدليّة السّبب في جمع حضراتهم ثانية، فرسخوا وثبتوا في أمر حضرة المسيح. فقالت لهم: "لم أنتم مضطربون تائهون؟ فلم يحدث أمر جديد لأنّ حضرة المسيح تفضّل مرارًا إنّ هذا الأمر سيقع وكلّ ما وقع هو أنّ جسم حضرة المسيح غاب عن الأنظار ولكنّ حقيقته ساطعة لامعة لن تنالها المصائب بل إنّ الإهانة وقعت على جسد حضرة المسيح لا على روحه الحقيقيّ. فلم أنتم مضطربون؟ وفضلاً عن هذا فإنّ حضرة المسيح عاش في مصائب لا يستطيع أحد تحمّل يوم واحد منها فقد كان طيلة سنوات ثلاث يعيش في الصّحراء فحينًا كان يقتات على الحشائش وحينًا كان يفترش الغبراء وفي لياليه كانت النّجوم مصباحه الوحيد ومع كلّ هذه الصّعاب والمشاق فقد ربّاكم لمثل هذا اليوم. فإن كانت في مشامّكم رائحة وفاء فإنّكم لن تنسوا ذلك ولن تختاروا الرّاحة ولن تطلبوا الرّخاء وإن كنتم أهل وفاء فاشتغلوا بذكره. فهل يليق بنا أن ننسى ذلك الوجه المشرق؟ أو هل يليق بنا أن نمحو من ذاكرتنا تلك العنايات؟ أو هل يليق بنا أن نغضّ الطّرف عن تضحيات حضرته ونكون مثل بقيّة النّاس منهمكين في الأكل والنّوم ونشغل بالنا في رخائنا وبذخنا وراحتنا؟ أفي هذا وفاء منا أن يتوراى الهيكل المكرّم وتلهينا نحن أهواؤنا؟".
والخلاصة أنّها جمعت الحواريّين ودعتهم إلى ضيافة فوق الجبل وبعدما تذكّر البعض منهم ألطاف السّيّد المسيح الّتي لا نهاية لها قالوا إنّه يجب علينا أن ننظر ما يقتضي الوفاء عمله فنعمل ولا شكّ أنّ الوفاء لا يقتضي أن نرتاح وننشغل بالملذّات الدّنيويّة وننهمك في أهوائنا بل يجب أن نفدي كلّ ما نملكه وأكثر فعلينا قبل كلّ شيء الانقطاع عن كلّ شيء. والنّفوس الّذين لهم علاقات ولا يستطيعون الانقطاع فليعتذروا ولينصرفوا. وأمّا الّذين لا علاقات لهم فليبقوا هكذا ولا يتعلّقوا ولا يفكّر أحد قطّ في شيء غير حضرة المسيح ولنحصر جميع أفكارنا في عبوديّته ولننشغل بنشر نفحاته ولنجهد في نشر كلمته".
فتعاهدوا وأقرّوا ميثاقًا في ما بينهم ثمّ نزلوا من الجبل وتوجّه كلّ واحد منهم إلى جهة من الجهات وهو يهتف ويصيح. وقاموا بكلّيّتهم على خدمة الملكوت.
وكلّ ما وقع في كور حضرة المسيح وقع من نتائج ذلك المجلس وإلى الآن أثاره باقية.
فالآن نحن كذلك الجالسين في هذا المكان بكمال الرّوحانيّة والألفة نتمنّى أن تحصل نتائج عظيمة من هذه الألفة.