ما أقل البشر إنصافًا
الخطبة المباركة في عكّاء بتاريخ 17 كانون الأوّل 1913
هو الله
حقًّا ما أقلّ البشر إنصافًا فمنذ يوم ظهور المسيح حتّى يومنا هذا لم يستطع أحد أن يذكر المسيح في معابد اليهود في حين أنّ البهائيّين يثبتون في معابد اليهود أنّ المسيح كلمة الله وأنّ المسيح روح الله. كما يثبتون في كنائس النّصارى أنّ حضرة محمّد رسول إلهيّ. ومع هذا فالنّاس غير راضين عنا.
في ذات يوم كنّا في نيويورك في طريقنا إلى كنيسة للتّحدث فيها فصادفنا شخص هنديّ من عظماء ذلك البلد ودهش حين رآنا متوجّهين إلى الكنيسة فقال في نفسه: "دعني أرى ما الخبر". فجاء إلى الكنيسة ورآنيّ واقفًا على المنصّة أثبت صحّة نبوّة الرّسول الأكرم فتحيَّر وحينما خرجنا كان وجهه يطفح بالبشر والسّرور بشكل لا يوصف وقال: "والله ما أروع ما شاهدت، إنسان في كنيسة مسيحيّة وفي حضور المسيحيّين والقسّ يقف ليثبت نبوّة الرّسول الكريم" وقد انجذب هذا الشّخص إلى أمر الله انجذابًا كلّيًّا.
وفي الحقيقة كانت الكنيسة تغصّ بالحاضرين وقد أبدى القسّ شكره وامتنانه وسروره.
ومع أنّنا كنّا في سفرنا ذلك في منتهى العجز والضّعف إلا أنّ تأييدات الجمال المبارك كانت تتموّج تموّج البحر حولنا وكنّا في كلّ مكان نردّه نرى جميع الأبواب تنفتح حين نشرع بالحديث وتؤيّدنا أنوار شمس الحقيقة بشكل لا يمكن وصفه وحصره.
وفي كلّ مكان دخلته سواء كان كنيسة أم معبدًا أم مجمعًا كنت أتوجّه أوّلاً إلى الملكوت الأبهى مدّة بضع دقائق وكنت أطلب التّأييد منه فألاحظ تأييدات الجمال المبارك تتموّج في ذلك المحفل وبعد ذلك كنت أشرع بالحديث.
الحمد لله إنّ أمر الجمال المبارك قد اشتهر في أيّام حياته المباركة وظهرت جميع آثاره وحتّى آثار أحبّائه.
وكان الإيرانيّون يقولون كيف سيكون مستقبل إيران، فكنت أقول لهم إنّ هذه الأمور الّتي ترونها الآن في إيران إنّما هي أسباب دمار إيران وهذه الاختلافات وهذه الأحزاب المختلفة من ديمقراطيّة ومعتدلة إنّما تخرّب إيران يومًا بعد يوم.
قيسوا حالة إيران الحاضرة بحالتها قبل عشر سنوات تروا أنّ هذه الاختلافات خرّبت إيران تخريبًا وهي تزاد يومًا فيومًا. وكانوا يسألون: "كيف سيكون المستقبل؟" فقلت لهم سأضرب لكم مثلاً يوضح مستقبل إيران وقيسوا عليه بأنفسكم فهو دليل كافٍ ووافٍ، فهذه مكّة المكرّمة قطعة من بلاد صخرّية وتقوم في وادٍ غير ذي زرعٍ لا ينمو فيها عشب أبدًا وصحراؤها صحراء رملية وهي في منتهى الحرارة وليست قابلة للعمران، وماذا ينبت في أرض صخريّة رمليّة لا ماء فيها؟ إلاّ أنّها لمّا كانت موطن حضرة الرّسول الأكرم فقد أصبحت هذه البلاد الصّخرية البلقع قبلة الآفاق يتوجّه إليها الخلق عند السّجود فافهموا من هذا ماذا سيكون عليه مستقبل إيران.
فتلك البلاد الصّخرية بما أنّها كانت موطن حضرة الرّسول الأكرم أصبحت قبلة الآفاق أمّا إيران الخضراء البديعة ذات الأزهار الطّيبة والهواء اللّطيف والماء العذب ماذا سيكون مستقبلها؟ قيسوا على هذا فهو ميزان كافٍ.