إِنَّ دِينَ اللهِ وَمَذْهَبَهُ قَدْ نُزِّلَ وَظَهَرَ مِنْ سَمَاءِ مَشِيئَةِ مَالِكِ الْقِدَمِ لِمَحْضِ اتِّحَادِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَاتِّفَاقِهِمْ فَلاَ تَجْعَلُوهُ سَبَبَ الاخْتِلاَفِ وَالنِّفَاقِ. حضرة بهاءالله – الإشراقات - الإِشْرَاقُ التَّاسِعُ
نعني بكلمة الآثار تلك الآيات والألواح والكُتُب المنزلة على المبشّر بحضرة بهاءالله (حضرة الباب)، وحضرة بهاءالله نفسه، ثم الرسائل والتواقيع والبيانات الصادرة بقلم حضرة عبدالبهاء الذي خلّف والده، حضرة بهاءالله، راعيًا لشؤون الدين والأتباع من بعده، ومفسرًا ومبينًا لما غمض من الآيات والأحكام بتفويض منه، ثم كتابات ورسائل حضرة شوقي أفندي، وليّ أمر الدين من بعده مفسرًا ومبينًا ومرشدًا بتفويض منه أيضًا. وهناك الرسائل الصادرة من بيت العدل الأعظم، المرجع الأعلى للبهائيين في كلّ الشؤون الدينية في ما يتعلق بالتوضيحات والإرشادات، ثم تشريع ما لم يُنصّ عليه في الكتاب بما يتناسب واقتضاء الزمان والمكان. كلّ هذه الآثار المباركة تُعتبر ينبوعًا واحدًا للمعرفة الدينية بالنسبة للفرد البهائي ومرجعًا موحدًا لجميع البهائيين ومؤسساتهم الدينية في العالم وذلك بموجب وصية حضرة بهاءالله المكتوبة بخط يده وتُدعى "العهد والميثاق"، وبموجبها حفظ للدين نقاءه ولأتباعه وحدتهم وحماهم من الفرقة والتشيّع. هذا هو الأساس المتين الذي ستُبنى عليه وحدة العالم الإنساني في المستقبل.
إن الوصول إلى فهم حقيقي لهذه الآثار المباركة يتطلّب من الباحث والقارئ أن يعتبرها مصدرًا إلهيًا متكاملاً ووحدة واحدة متصلة تهدف إلى تنوير الفكر بالحقيقة المجرّدة النقيّة الصافية. فلا آراء شخصية تُروّج، ولا اجتهادًا فرديًا يُعمّم. وهذا لا يمنع الفرد من التحليق بفكره والتمعّن في الآيات محلّلاً ومفكرًا في أعماق معانيها ومستنتجًا ما يريد، شريطة ألا يخرج في ذلك عن المفاهيم الأساسية للدين، وتبقى آراؤه فردية ما لم تُعتمد من قِبل المؤسسات المعنية منعًا من أي خلطٍ أو تشويه للحقائق. فمن خلال بيت العدل الأعظم، الذي تشكّل عام ١٩٦٣، سيتم تحقيق الأهداف التي وضعها حضرة بهاءالله للبشرية في بقاء الكلمة الإلهية صافية نقية ينهل من ينبوعها القاصي والداني بكل اطمئنان، وتحقيق السلام والأمن والأمان لعالم الإمكان في ظل أُخُوّة عالمية تُظهر القوى الكامنة في حقيقة الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم. وما المقصود من الآيات البيّنات إلا تربية النفوس بهدْيٍ إلهي لا بشري يعمل على تحويل هذا الجسد، الذي أصله من طين، إلى جوهرة نفيسة تشعّ بالفضائل والقيم المكنونة فيه. ولا يتمّ ذلك إلا بالتوجّه إلى النور الإلهي والحقيقة الدينية من منبعها الصافي التي تعمل وحدها على توحيد بني البشر كما تفضل حضرة بهاءالله في أحد ألواحه "إن ربّكم الرحمن يحبّ أن يرى مَن في الأكوان كنفسٍ واحدة وهيكلٍ واحد أن اغتنموا فضل الله ورحمته في تلك الأيام التي ما رأت عين الإبداع شِبهها. طوبى لِمَن نبذَ ما عنده ابتغاءً لما عند الله نشهد إنه من الفائزين..."