بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحَمْدُ للهِ الَّذِيْ أَنْطَقَ وَرْقَاء البيان على أفنان دوحة التّبيان بفنون الألحان على أنّه لا إله إلّا هو قد أبدع الأكوان واخترع الإمكان بمشيّته الأوّليّة الّتي بها خلق ما كان وما يكون والحمد لله الّذي زيَّن سماءَ الحقيقة بشمس المعاني والعرفان الّتي رُقم عليها من القلم الأعلى المُلك لله المقتدر المهيمن القيّوم الّذي أظهر البحرَ الأعظم المجتمعَ من الماء الجاري من عين الهاء المنتهية إلى الاسم الأقدم الّذي منه فصّلت النّقطة الأوّليّة وظهرت الكلمة الجامعة وبرزت الحقيقة والشّريعة ومنه طار الموحّدون إلى هواء المكاشفة والحضور والمخلصون إلى منظر ربّهم العزيز الودود والصّلاةُ والسّلامُ على مطلع الأسماء الحسنى والصّفات العُليا الّذي في كلّ حرف من إسمه كُنِزت الأسماء وبه زُيِّن الوجود من الغيب والشّهود وسُمّي بمحمّد في ملكوت الأسماء وبأحمد في جبروت البقاء وعلى آله وصحبه من هذا اليوم إلى يوم فيه ينطق لسان العظمة المُلك لله الواحد القهّار
قد حضر بين يدينا كتابُكَ واطّلعنا على ما فيه من إشاراتك نسأل الله أن يُؤَيِّدَكَ على ما يُحِبُّ وَيَرْضَى وَيُقَرِّبَكَ إلى ساحل البحر الّذي يموج باسم ربّك الأعلى وتنطق كلّ قطرة منه إنّه لا إله إلّا هو وإنّه لخالق الأسماء وفاطر السّماء
يا أيّها السّائل إذَا قصدتَ حظيرةَ القدس وسيناءَ القرب طَهِّرْ قلبَك عن كلّ ما سواه ثمّ اخْلَعْ نَعْلَيِ الظّنونِ والأوهام لترى بعين قلبك تجلّياتِ الله ربِّ العرش والثَّرى لأنّ هذا اليومَ يومُ المكاشفة والشّهود قد مضى الفصل وأتى الوصل وهذا من فضل ربّك العزيز المحبوب دَعْ السّؤالَ والجوابَ لأهل التّراب اصعد بجناحَي الإنقطاع إلى هواء قرب رحمة ربّك الرّحمن الرّحيم قل يا قوم قد فُصّلت النّقطة الأوّليّة وتمّت الكلمة الجامعة وظهرت وَلايةُ الله المهيمن القيّوم قل يا قوم ءَإشتغلتم بالغدير والبحرُ العذب يتموّج أمامَ وجوهكم فما لكم لا تفقهون أتنطقون بما عندكم من العلوم بعدما ظهر من كان واقفًا على نقطةِ العلم الّتي منها ظهرت الأشياء وإليها رجعت وعادت ومنها ظهرَتْ حِكَمُ الله والعُلُومُ الّتي كانت لم تزل مكنونةً في خزائن عِصمة ربّكم العليّ العظيم دعوا الإشاراتِ لأهلها واقصِدوا المقامَ الّذي تجدون روائح العلم من هوائه كذلك يعظّكم هذا العبد الّذي يشهد كلّ جارحة من جوارحه وكلّ عرق من عروقه إنّه لا إله إلّا هو لم يزل كان في عُلُوِّ العظمة والجلال وَسُمُوِّ الرّفعة والإجلال والّذين أرسلهم بالحقّ والهدى أُولئك مشارقُ وحيه بين خلقه ومطالعُ أمره بين عباده ومهابط إلهامه في بريّته وبهم ظَهَرَت الأسرار وشُرِعَت الشّرائعُ وحُقِّق أمر الله المقتدر العزيز المختار لا إله إلّا هو العليم الخبير
يا أيّها السّائل فاعلم بأنّ النّاس يفتخرون بالعلم ويمدحونه ولكنَّ العبد أشكو منه لولاه ما حُبِس البهاء في سجن عكّاء بالذّلّة الكبرى وما شرب كأس البلاء من يدّ الأعداء إنّ البيان أبعدني وعلمَ المعاني أنزلني وبذكر الوصل انفصلت أركاني والإيجاز صار سببَ الإطناب في ضرّي وبلائي والصّرف صرّفني عن الرّاحة والنّحو مَحَا عن القلب سروري وبهجتي وعلمي بأسرار الله صار سلاسلَ عنقي مع ذلك كيف أقدر أن أذكر ما سألتَ في الآيات الّتي نُزِّلَت من جبروت العزّة والعظمة وعجزت عن إدراكها أفئدة أُوْلِي النُّهْىَ وما طارت إلى هواء معانيها طيورُ قلوب أُوْلِي الحجى قد قُرِضَ جناحي بمقراض الحسد والبغضاء لو وجد هذا الطّير المقطوعة القوادم والخوافي جناحًا ليَطيرُ في هواء المعاني والبيان وَيُغَرِّدُ على أفنان دوحة العلم والتّبيان بما تطير به أفئدة المخلصين إلى سماء الشّوق والإنجذاب بحيث يرون تجلّيات ربّهم العزيز الوهّاب ولكنّ الآن أكون ممنوعًا عن إظهار ما خُزِنَ وَبَسْطِ ما قُبِضَ وإجهارِ ما خَفِيَ بل ينبغي لنا الإضمار دون الإظهار ولو نتكلّم بما علّمنا الله بِمَنِّهِ وَجُودِهِ لينفضّ النَّاسُ عن حولي ويهرَبون ويفرُّون إلّا من شرب كوثَر الحيوان من كؤس كلمات ربّه الرَّحمن لأنَّ كُلَّ كلمة نزّلت من سماء الوحي على النّبييّن والمرسلين إنَّها ملئت من سلسبيل المعاني والبيان والحكمة والتّبيان طوبى للشّاربين ولكن لمَّا وجدنا منك رائحةَ الحبّ نذكر لك ما سألتَه بالإختصار والإيجاز لتنقطعَ من أهل المجاز الّذين أعرضوا عن الحقيقة وسرّها وتمسّكوا بما عندهم من الظّنون والأوهام بَعْدَمَا نُزِّلَ مِنْ قَبْلُ: ﴿إنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا﴾ وفي مقام آخر: ﴿إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾
ثمَّ اعلم بأَنَّ للشَّمس الّتي نزّلت في السُّورة المباركة اطلاقاتٍ شتّى
[1] وإنّها في الرُّتبة الأوّليّة والطّراز الواحديَّة والقصبة اللاّهوتيّة القدميّة سِرٌّ من سِرِّ الله وحِرزٌ من حِرزِ الله مخزون في خزائن الله مكنون في علم الله مختوم بختام الله ما اطّلع عليها أحد إلَّا الواحد الفرد الخبير لأنَّ في ذلك المقام إنَّها هي نفس المشيّة الأوّليّة وإشراق الأحديّة تجلَّت بنفسها على الآفاق واستضاء منها مَنْ أقبل إليها كما أنّ الشّمس إذا طلعت يحيط إشراقها على العالم إلّا الأراضي الّتي احْتَجَبتْ بمانع فانظر في الأراضي الّتي ليست لها عروش وجدار إنّها تستضيء منها والّتي لها جدار تُمْنَعُ من إشراقها كذلك فانظر في شمس الحقيقة إنّها تتجلّى بأنوار المعاني والبيان على الأكوان والَّذي أقبل إليها يستضيءُ من أنوارها ويستنير قلبُهُ من ضيائها وإشراقها والَّذي أعرضَ لن يجد لنفسه نصيبًا منها لأنّه حال بينه وبينها حجابُ النَّفس والهوى لذا بَعُدَ عن تجلّي شمس الحقيقة الّتي أشرقت عن أُفق سماء الأسماء
[2] ثمَّ في مقام تُطلَقُ على أنبياء الله وصفوته لأنّهم شموس أسمائه وصفاته بين خلقه لولاهم ما استضاء أحد بأنوار العرفان كما ترى إنّ كلّ ملّة من ملل الأرض استضاءت بشمس من هذه الشُّموس المشرقات والَّذي أنكر إنّه صار محرومًا عنها مثلاً عباد اتّبعوا المسيحَ هم استضاؤا من شمس عرفانه إلى أن أشرق نيّر الآفاق من أُفق الحجاز الَّذين أنكروه من النّصارى وملل أُخرى جُعِلوا محرومين عن تلك الشّمس وأنوارها ونفسُ إنكارهم صار جدارًا لهم ومنعهم عن النّور المشرق عن أُفق أمر ربّك العزيز المستعان
[3] وفي مقام تُطلق على أولياء الله وأودّائه لأنّهم شموس الوَلاية بين البريّة لولاهم لأخذت الظّلمةُ مَنْ على الأرض كلّها إلّا من شاء ربّك ولها إطلاقات شتّى لو يقوم عَشَرَةُ كُتَّاب تلقاء الوجه ونلقي عليهم سَنَةً أو سنتين ليرون عجز أنفسهم ولولا إنكار بعض الجهلاء لأمددنا المدّة وجاوز قلمُ الله المحمود عن ذكر الحدود
فاعلم بأنّك كما أيقنتَ بأنّ لا نفاد لكلماته تعالى أيقن بأنّ لمعانيها لا نفاد أيضا ولكن عند مبيّنها وخزنة أسرارها والّذين ينظرون الكتب ويتَّخذون منها ما يعترضون به على مطلع الوَلاية إنّهم أموات غير أحياء ولو يمشون ويتكلّمون ويأكلون ويشربون فآهٍ آهٍ لو يظهر ما كُنِز في قلب البهاء عمَّا علَّمه ربُّه مالك الأسماء لينصعِقُ الّذين تراهم على الأرض كم من معانٍ لا تحويها قمص الألفاظ وكم منها ليست لها عبارة ولم تُعط بيانًا ولا إشارةً وكم منها لا يمكن بيانه لعدم حضور أو إنّها كما قيل: (لا كلّ ما يُعلم يُقال ولا كلّ ما يُقال حان وقته ولا كلّ ما حان وقته حضر أهلهُ) ومنها ما يتوقّف ذكره على عرفان المشارق الّتي فيها فصَّلنا العلومَ وأظهرنا المكتوم نسأل الله أن يوفّقك ويؤيّدك على عرفان المعلوم لِتَنقطعَ عن العلوم لأنَّ طلب العلم بعد حصول المعلوم مذموم تمسّك بأصل العلم ومعدنِه لِتَرى نفسَك غنيًّا عن الَّذين يدّعون العلمَ من دون بيّنة ولا كتاب منير
[4] وفي مقام إنَّها تطلق على الأسماء الحسنى بحيث كُلُّ إسم من أسمائه تعالى يكون شمسًا مشرقةً على الآفاق انظر في اسم الله العليم إنَّه شمس أشرقت عن أُفق إرادة ربّك الرّحمن ويلوح على هياكل المعلوم أنوارُها وآثارُها وإشراقُها كلّ علم حقّ تراه عند العلماء الّذين ما اتّبعوا النّفس والهوى واعترفوا بركن القضاء وتمسّكوا بالعروة الوثقى فاعلم بأنّه حقّ وعلمه إشراق من إشراقات هذه الشّمس إنّا فسَّرنا الأسماءَ وبيّنا أسرارَها وإشراقَها وأنوارَها وظواهرَها وبواطنَها وأسرارَ حروفاتِها وحكمةَ تراكيبها في الكتاب الّذي كتبناه لأحد من أحبائي الَّذي سأل عن الأسماء وما فيها
فاعلم بأنّ كلمةَ الله تبارك وتعالى في الحقيقة الأوّليّة والرُّتبة الأولى تكون جامعةً للمعان الّتي احتجب عن إدراكها أكثر النَّاس نشهد بأنّ كلماته تامّات وفي كلّ كلمة منها سُتِرت معاني ما اطّلع بها أحد إلّا نفسُه ومن عنده علم الكتاب لا إله إلّا هو المقتدر العزيز الوهّاب
ثمّ اعلم بأنّ المفسّرين الّذين فسّروا القرآن كانوا صِنفين صنف غفلوا عن الظّاهر وفسَّروه على الباطن وصنف فسّروه على الظّاهر وغفلوا عن الباطن ولو نذكر مقالاتهم وبياناتهم لَتأخذك الكسالةُ بحيث تمنعك عن قراءة ما كتبناه لك لذا تركنا أذكارَهم في هذا المقام طوبى للّذين أخذوا الظّاهر والباطن أُولئك عباد آمنوا بالكلمة الجامعة
فاعلم من أخذ الظّاهر وترك الباطن إنّه جاهل ومن أخذ الباطنَ وترك الظّاهِر إنّه غافل ومن أخذ الباطنَ بإيقاع الظّاهر عليه فهو عالم كامل هذه كلمة أشرقت عن أُفق العلم فاعْرِفْ قدرَها وأغْلِ مهرَها إنَّا نذكر المقصود تلويحًا في إشاراتنَا وكلماتنَا طوبى لمن اطّلع عليه إنّه من الفائزين قل يا قوم تاللّه قد غنَّت الورقاءُ على الأفنان ودلع ديك العرش بالحكمة والبيان وانتشرت أجنحة الطّاوس في الرَّضوان إلى مَ [متى] تَرقدون على فراش الغفلة والغوى قوموا عن مراقد الهوى وأقْبِلوا إلى مشرق رحمة ربّكم مالك البقاء ومنزل الأسماء إيّاكم أن تعترضوا على الّذي يدعوكم إلى الله وسننِه اتّقوا الله ولا تكونُنَّ من الغافلين
ثمّ اعلم بأنّه تبارك وتعالى أَقْسَم لنبيِّه بشمس الألوهيَّة وشمس الولاية وشمس المشيَّة وشمس الإرادة وشمس الأسماء وأنوارِ هذه الشُّموس وإشراقِهنّ وتجلّياتهنّ وظهوراتهنّ وتأثيراتهنّ وبالشَّمس الظّاهرة المُشرقة عن أُفق هذه السّماء المرتفعة
﴿وَالقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾ والقمر رتبة الوَلاية الّذي تَلَا شمسَ النّبوّة أي يظهر بعده ليقوم على أمر النّبيِّ بين العباد وإنّا لو نذكر مقامات القمر لترى الكتاب ذا حجم عظيم
﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾ والمقصود من النّهار في الحقيقة الأوّليّة كلّ يوم ظهر فيه نبيٌّ من أنبياء الله ورسله لإقامة ذكره بين عباده وإجراء حدوده بين بريّته وفيه تجلّى مظهر الأمر على مظاهر الأشياء وفي ذلك اليوم تظهر أنوار الشّمس وإنّه مجلّيها بهذا المعنى أي فيه وبه أضاءت ولاحت شمس النُّبوّة
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ والمقصود من اللّيل هو حجاب الأحديّة الّذي كان مستورًا خلفه النّقطةُ الحقيقيةُ وإنّها بعد تنزلها عن مقامها استقرّت في مقرّ الوحدانيّة رتبة الواحديّة وكانت عنها الألف اللّينيّة وتحت حجاب الواحديَّة ظهرت بالألف المتحرّكة وهي الألف القائمة والمُغَشّي الحجاب والمُغَشَّي النّقطةُ الحقيقيّة الّتي كانت حقيقةَ شمس النّبوّة
﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ وللسّماء عند أهل الحقيقة إطلاقاتٍ شتّى سماء المعاني وسماء العرفان سماء الأديان سماء العلم سماء الحكمة سماء العظمة سماء الرِّفعة سماء الإجلال ﴿وَمَا بَنَاهَا﴾ أي والَّذي خلق هذه السّموات المذكورةَ وما تراه في الظّاهر
﴿وَالأَرْضِ ومَا طَحَاهَا﴾ والمقصود من الأرض أرض القلوب إنّها أوسع من الأرض والسّماء لأنَّ القلبَ العرشُ الأعظم لاستواء تجلّي ربّك خالقِ الأُمم ومصوّرِ الرّمم وإنَّه أرض أودع الله فيها حبوبَ معرفته وحبِّه لِتَنْبُتَ منها سنبلات العلم والإيقان قل يا قوم اليومُ يومُ الزّرع ازرعوا في قلوبكم بأيادي اليقين ما أُوتيتم به من لدن ربّكم العليم الحكيم وللأرض معان لا تحصى وإنّا اكتفينا بواحدة منها ﴿وَمَا طَحَاهَا﴾ أي والّذي بسطها بيد قدرته وسلطان أمره
﴿ونَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ وللنّفس مراتبُ كثيرةٌ ومقامات شتّى ومنها نفس ملكوتيّة ونفس جبروتيّة ونفس لاهوتيّة ونفس إلهيّة ونفس قدسيّة ونفس مطمئنّة ونفس راضية ونفس مرضيّة ونفس ملهمة ونفس لوّامة ونفس أمّارة والمقصود فيما نزل هي النّفس الّتي جعلها اللّه جامعةً لكلّ الأعمال من الإقبال والإعراض والضّلالة والهداية والإيمان والكفر ﴿وَمَا سَوَّاهَا﴾ أي والّذي خلقها وأقامها
﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقْوَاهَا﴾ أي علّمها وأخبرها فجورها أي الأعمال الّتي لا تنفعها وتبعدها عن مالكها وموجدها ﴿وَتَقْوَاهَا﴾ أي ألهمها ما يقدّسها عمّا نهيت عنه أي خلقها وعرّفها سبيلَ الهداية والضّلالة والحقّ والباطل والنُّور والظّلمة ثمّ أمرَها بتركها ما نُهِيتْ عنه وإقبالها إلى ما أُمِرَتْ به
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ هذا جواب القَسَم أي فاز من زكّاها أي طهّرها عن النّقائص والهوى وعن كلّ ما نهى عنه في الكتاب فانظر في الّذين زكّوا أنفسَهم في هذه الأيّام لعمري إنّهم هم المفلحون إنّهم رجالٌ ما منعتهم الدّنيا وما فيها عن التّوجّه إلى السّبيل الواضح المستقيم إنّهم مصاديق هذه الآية المباركة وجعلوا التّقوى سرابيلهم وتشبّثوا بذيل عناية ربّهم في هذه الأيَّام الّتي فيها زلّت الأقدام نشهد بما شهد الله ونعترف بما نزل من عنده إنّه هو الحقّ وما بعد الحقّ إلّا الضّلال
﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ أي وقد خسر من دسّاها أي من ضيّعها وما زكّاها وما منعها عمّا نهى عنه وما أمرها بما أُمِر به
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا﴾ وثمود على ما هو المذكور في الكتب طائفة بعث الله عليهم صَالِحَا - عليه السّلام - وأنكروه بعد ما أمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر وهم ما اتّبعوا أمرَ الله وما أطاعوه فيما أُمروا به وتركوا أمرَ الله وسنَنَه إلى أن عقَروا النّاقة
﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِم رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ﴾ أي غضب اللّه عليهم وجعلهم عِبْرَةً للعالمين ولكن في الحقيقة كلّ من أعرض عن الحقّ فهو من ثمود من أيّ نَسْلٍ كان فسوف يُدَمْدِمُ عليهم العذاب كما دَمْدَمَ على الأحزاب من قبلهم إنّ ربّك لهو المقتدر القدير والحمد لله ربّ العالمين
إنّا ما ذكرنا ما قاله المفسّرون في تفسيرالسّورة المباركة لأنّ الكتبَ التّفسيريّة عند القوم موجودة من أراد أن يطّلع على تفاسيرهم وبياناتهم فلينظر إلى كتبهم إنّهم فسّروا الشّمسَ بالشّمسِ الظّاهرة وكذلك في القمر إلى آخر السُّورة سلكوا سبيلَ الظّاهر وقَنِعُوا بما عندهم ولكن إنّا فسّرنا بما لم يُذْكَرْ في الكتب نسأل الله أن يجعلَ كلّ حرف عمّا ذكر كأسَ المعاني والمعارف ويَسْقيك منها ما تنقطع به عمّا يَكرَهُهُ رضاه ويقرّبَك إلى المقام الّذي قدّره لأصفيائه إنّه لهو الغفور الرّحيم والحمد لله ربّ العالمين
سبحانك اللّهمّ يا إلهي أسألك بإسمك الّذي به ينطق كلّ شيء
بثناء نفسك أن تفتح أبصار بريّتك لِيَروا آثارَ عزّ أحديّتك
وتجلّيات شمس عنايتك أي ربّ لا تَدَعْهُم
بأنفسهم لأنّهم عبادك وخلقك فاجذبهم
بالكلمة العُليا إلى مطلع أسمائك
الحسنى ومخزن صفاتك العليا
إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى مَا
تَشَاءُ لَا إِلَهِ إِلَّا
أَنْتَ العَزِيزُ
الحَكِيمُ
"إن من بين النعم والعطايا النادرة لظهور حضرة بهاءالله ما فاض به قلمه الموصوف بالقلم الأعلى، ويدل هذا الوصف فيما يدل عليه من معان إلى أنه مظهر الروح الأعظم. ولم يسبق في تاريخ الأديان، عدا الظهور البابي، أن ترك المظهر الإلهي للأجيال القادمة تراثا من آثاره الكتابية خطّها بيده. فهناك العديد من الألواح في المواعظ والأدعية والصلوات خطّها حضرة بهاءالله بيده وتشكل هذه الألواح أنفس الآثار البهائية المقدسة"، كتاب ظهور حضرة بهاءالله، أديب طاهرزاده، المجلد 1، الصفحة 35
أُنزل هذا اللوح المبارك خلال وجود حضرة بهاءالله في سجن عكّاء "تلبية لطلب الشيخ محمود، أحد علماء المسلمين الذي اعتنق الامر في عكاء فيما بعد"، كتاب ظهور حضرة بهاءالله، أديب طاهرزاده، المجلد 1، الفصل الثالث
نفي حضرة بهاءالله الى سجن عكّاء، "الفرمان الذي أصدره السلطان عبدالعزيز [العثماني] في الخامس من ربيع الاول سنة 1285هـ (الموافق لليوم السادس والعشرين من تمّوز سنة 1868م) لم يقتصر الحكم عليهم بالنفي الدائم، بل وقضى بضرورة حبسهم وعزلهم عزلاً شديدًا. وحرّم عليهم أن يتّصل أحدهم بالآخر أو أن يتّصل أحدهم بالأهالي. وإنذارًا وتحذيرًا للأهالي قُرئ الفرمان في مسجد الجامع عقب وصول المنفين"، كتاب القرب البديع،من آثار حضرة ولي أمر الله شوقي أفندي، الفصل الحادي عشر، الصفحة 226
سورة يُونس (10)، الآية 36
سورة الحُجُرات (49)، الآية 12
مختصر بصائر الدرجات، الحلي، الصفحة 212. أيضا، بحار الانوار، المجلسي، المجلد 53، باب الرجعة، الصفحة 115
إشارة الى واو القسم في ﴿والشمس﴾
راجع، تفسير البسملة، حضرة عبدالبهاء، من مكاتيب عبدالبهاء، المجلد 1، الصفحة 35