أَنْ يا قَلَمَ الأَعْلَى تَحَرَّكْ عَلَى ذِكْرِ مُلُوكٍ أُخْرَى فِي هذِهِ الوَرَقَةِ المُبارَكَةِ النَّوْراءِ لِيَقُومُنَّ عَنْ رَقْدِ الهَوَى وَيَسْمَعُنَّ ما تُغَرِّدُ بِهِ الوَرْقآءُ عَلَى أَفْنانِ سِدْرَةِ المُنْتَهى وَيَسْرُعُنَّ إِلَى اللهِ في هذَا الظُّهُورِ الأَبْدَعِ المَنِيعِ، قُلْ يا مَلِكَ البارِيسِ نَبِّئِ القِسِّيسَ بِأَنْ لا يَدُقَّ النَّواقِيسَ تَاللهِ الحَقِّ قَدْ ظَهَرَ النَّاقُوسُ الأَفْخَمُ عَلَى هَيْكَلِ الاسْمِ الأَعْظَمِ وَتَدُقُّهُ أَصَابعُ مَشِيَّةِ رَبِّكَ العَلِيِّ الأَعْلَى فِي جَبَرُوتِ البَقاءِ بِاسْمِهِ الأَبْهَى، كَذلِكَ نُزِّلَتْ آياتُ رَبِّكَ الكُبْرى تارَةً أُخْرى لِتَقُومَ عَلى ذِكْرِ اللهِ فاطِرِ الأَرْضِ وَالسَّماءِ في تِلْكَ الأَيَّامِ الَّتي فِيها ناحَتْ قَبائِلُ الأَرْضِ كُلُّها وَتَزَلْزَلَتْ أَرْكَانُ البِلادِ وَغَشَتِ العِبادَ غُبْرَةُ الإِلْحادِ إِلاّ مَنْ شاءَ رَبُّكَ العَزِيزُ الحَكِيمُ، قُلْ قَدْ أَتَى المُخْتارُ فِي ظُلَلِ الأَنْوارِ لِيُحْيِي الأَكْوانَ مِنْ نَفحاتِ اسْمِهِ الرَّحْمنِ وَيَتَّحِدَ العالَمَ وَيَجْمَعَهُمْ عَلَى هذِهِ المائِدَةِ الَّتي نُزِّلَتْ مِنَ السَّماءِ، إِيَّاكُمْ أَنْ تَكْفُرُوا نِعْمَةَ الله بَعْدَ إِنْزالِها هذا خَيْرٌ لَكُمْ عَمَّا عِنْدَكُمْ لأَنَّهُ سَيَفْنَى وَما عِنْدَ اللهِ يَبْقَى إِنَّهُ لَهُوَ الحَاكِمُ عَلَى ما يُرِيدُ، قَدْ هَبَّتْ نَسَماتُ الغُفْرانِ مِنْ شَطْرِ رَبِّكُمُ الرَّحْمنِ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيْها طَهَّرَتْهُ عَنِ العِصْيانِ وَعَنْ كُلِّ داءٍ وَسَقَمٍ، طُوبى لِمَنْ أَقْبَلَ إِلَيْها وَوَيْلٌ لِلْمُعْرِضِينَ، لَوْ تَتَوَجَّهُ بِسَمْعِ الفِطْرَةِ إِلَى الأَشْياءِ لَتَسْمَعُ مِنْها: قَدْ أَتَى القَدِيمُ ذُو المَجْدِ العَظِيمِ، يُسَبِّحُ كُلُّ شَيْءٍ بِحَمْدِ رَبِّهِ، مِنهُمْ مَنْ عَرَفَ الله وَيَذكُرُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُ وَلا يَعْرِفُ كَذلِكَ أَحْصَيْنا الأَمْرَ فِي لَوْحٍ مُبِينٍ.
أَنْ يا مَلِكُ أَنْ استَمِعِ النِّدآءَ مِنْ هذِهِ النَّارِ المُشْتِعَلَةِ مِنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ الخَضْرآءِ فِي هذَا الطُّورِ المُرْتَفِعِ عَلَى البُقْعَةِ المُقَدَّسَةِ البَيْضآءِ خَلْفَ قُلْزُمِ البَقآءِ إِنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا الغَفُورُ الرَّحيمُ، قَدْ أَرْسَلْنا مَنْ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ القُدُسِ لِيُخْبِرَكُمْ بِهذَا النُّورِ الَّذِي أَشْرَقَ مِنْ أُفُقِ مَشِيِّةَ رَبِّكُمُ العَلِيِّ الأَبْهَى وَظَهَرَتْ فِي الغَرْبِ آثارُهُ لِتَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ فِي هذَا اليَوْمِ الَّذي جَعَلَهُ اللهُ غُرَّةَ الأَيَّامِ وَفِيهِ تَجَلَّى الرَّحْمنُ عَلَى مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرَضِينَ، قُمْ عَلى خِدْمَةِ اللهِ وَنُصْرَةِ أَمْرِه إِنّهُ يُؤَيِّدُكَ بِجُنُودِ الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَيَجْعَلُكَ سُلْطاناً عَلَى ما تَطْلُعُ الشَّمْسُ عَلَيْها إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ المُقْتَدِرُ القَدِيرُ، قَدْ فاحَتْ نَفَحاتُ الرَّحْمنِ فِي الأَكْوانِ طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ عَرْفَها وَأَقْبَلَ إِلَيْها بِقَلبٍ سَلِيمٍ، زَيِّنْ هَيْكَلَكَ بِطِرازِ اسْمي وَلِسانَكَ بِذِكْرِي وَقَلْبَكَ بِحُبِّيَ العَزِيزِ المَنِيعِ، ما أَرَدْنا لَكَ إِلاَّ ما هُوَ خَيْرٌ لَكَ عَمَّا عِنْدَكَ وَعَنْ خَزَائِنِ الأَرْضِ كُلِّها إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَلِيمُ الخَبِيرُ، قُمْ بَيْنَ العِبادِ بِاسْمي وَقُلْ يا أَهْلَ الأَرْضِ أَنْ أَقْبِلُوا إِلى مَنْ أَقْبَلَ إِلَيكُمْ إِنَّهُ لَوَجْهُ اللهِ بَينَكُمْ وَحُجَّتُةُ فِيكُمْ وَدَليلُهُ لَكُمْ قَدْ جَاءَكُمْ بِالآياتِ الَّتي عَجِزَتْ عَنْهَا العالَمُونَ، إِنَّ شَجَرَة الطُّورِ تَنْطِقُ في صَدْرِ العالَمِ وَرُوحُ القُدُسِ يُنادِي بَيْنَ الأُمَمِ قَدْ أَتى المَقْصُودُ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ.
أَنْ يا مَلِكُ قَدْ سَقَطَتْ أَنْجُمُ سماءِ العِلْمِ الَّذِينَ يَسْتَدِلُّونَ بِما عِنْدَهُمْ لإِثْباتِ أَمْرِي وَيَذْكُرُونَ اللهَ بِاسْمِي فَلَمَّا جِئْتُهُمْ بِمَجْدِي أَعْرَضُوا عَنِّي أَلا إِنَّهُمْ مِنَ السَّاقِطينَ، هذا ما أَخْبَرَكُمْ بِهِ الرُّوحُ إِذْ أَتَى بِالحَقِّ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ عُلَماءُ اليَهُودِ إِلَى أَنِ ارْتَكَبُوا ما ناحَ بِهِ رُوحُ القُدُسِ وَتَذَرَّفَتْ عُيُونُ المُقَرَّبينَ، فَانْظُر فِي الفَرِّيسِيِّينَ مِنْهُمْ مَنْ عَبَدَ اللهَ سَبْعِينَ سَنَةً فَلَمَّا أَتَى الابْنُ كَفَرَ بِهِ وَدَخَلَ المَلَكُوتَ مَنِ ارْتَكَبَ الْفَحْشاءَ كَذلِكَ يُذَكِّرُكَ القَلَمُ مِنْ لَدُنْ مالِكِ القِدَمِ لِتَطَّلِعَ بِما قُضِيَ مِنْ قَبْلُ وَتَكُونَ اليَوْمَ مِنَ المُقْبِلينَ، قُلْ يا مَلأَ الرُّهْبانِ لا تَعْتَكِفُوا فِي الكَنائِسِ وَالمَعابِدِ أَنِ اخْرُجُوا بِإِذْنِي ثُمَّ اشْتَغِلُوا بِما تَنْتَفِعُ بِهِ أَنْفُسُكُمْ وَأَنْفُسُ العِبادِ كَذلِكَ يَأْمُرُكُمْ مالِكُ يَوْمِ الدِّينِ، أَنِ اعْتَكِفُوا فِي حِصْنِ حُبِّي هذا حَقُّ الاعْتِكافِ لَوْ أَنْتُمْ مِنَ العارِفينَ، مَنْ جاوَرَ البَيْتَ إِنَّهُ كَالمَيِّتِ يَنْبَغِي لِلإِنْسانِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ ما يَنْتَفِعُ بِهِ الأَكْوانُ، وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ ثَمَرٌ يَنْبَغي لِلنَّارِ كَذلِكَ يَعِظُكُمْ رَبُّكُمْ إِنَّهُ لَهُوَ العَزِيزُ الكَريمُ، تَزَوَّجُوا لِيَقُومَ بَعْدَكُمْ أَحَدٌ مَقامَكُم إِنّا مَنَعْناكُمْ عَنِ الخِيانَةِ لا عَمَّا تَظْهَرُ بِهِ الأَمانةُ، أَأَخَذْتُمْ أُصُولَ أَنْفُسِكُمْ وَنَبَذْتُمْ أُصُولَ اللهِ وَراءَكُمْ اتَّقُوا اللهَ وَلا تَكُونوا مِنَ الجاهِلينَ، لَوْلا الإِنْسانُ مَنْ يَذْكُرُنِي فِي أَرْضِي وَكَيْفَ تَظْهَرُ صِفاتِي وَأَسْمائِي تَفَكَّرُوا وَلا تَكُونوُا مِنَ الَّذِينَ احْتَجَبُوا وَكانُوا مِنَ الرَّاقِدينَ، إِنَّ الَّذِي ما تَزَوَّجَ إِنَّهُ ما وَجَدَ مَقَرَّاً ليَسْكُنَ فِيهِ أَوْ يَضَعَ رَأْسَهُ عَلَيْهِ بِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدِي الخائِنِينَ، لَيْسَ تَقْدِيسُ نَفْسِهِ بِما عَرَفْتُم وَعِندَكُمْ مِنَ الأَوْهامِ بَلْ بِما عِنْدَنا أَنِ أَسْئَلُوا لِتَعْرِفُوا مَقامَهُ الَّذي كانَ مُقَدَّساً عَنْ ظُنُونِ مَنْ عَلَى الأَرْضِ كُلِّها طُوبى لِلعارِفينَ.
أَنْ يا مَلِكُ إِنّا سَمِعْنا مِنْكَ كَلِمَةً تَكَلَّمْتَ بِها إِذْ سَأَلَكَ مَلِكُ الرُّوسِ عَمَّا قَضَى مِنْ حُكْمِ الغَزا إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَلِيمُ الخَبِيرُ، قُلْتَ: كُنْتُ راقِداً في المِهادِ أَيْقَظَنِي نِدآءُ العِبادِ الَّذينَ ظُلِمُوا إِلى أَنْ غَرِقُوا فِي البَحْرِ الأَسْودِ، كَذلِكَ سَمِعْنا وَرَبُّكَ عَلَى ما أَقوُلُ شَهِيدٌ، نَشْهَدُ بأَنَّكَ ما أَيْقَظَكَ النِّدآءُ بَلِ الهَوى لأَنَّا بَلَوْناكَ وَجَدْناكَ فِي مَعْزِلٍ أَنِ اعْرَفْ لَحْنَ القَوْلِ وَكُنْ مِنَ المُتَفَرِّسِينَ، إِنَّا ما نُحِبُّ أَنْ نُرْجِعَ إِلَيْكَ كَلِمَةَ سُوءٍ حِفْظاً لِلْمَقامِ ٱلَّذِي أَعْطَيْناكَ فِي الحَيوةِ الظَّاهِرَةِ إِنَّا اخْتَرنَا الأَدَبَ وَجَعَلناه سَجِيَّةَ المُقَرَّبينَ، إِنَّهُ ثَوُبٌ يُوافِقُ النُّفُوسَ مِنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، طُوبَى لِمَن جَعَلَهُ طِرازَ هَيْكَلَهِ وَيْلٌ لِمَنْ جُعِلَ مَحْرُوماً مِنْ هذا الفَضْلِ العَظِيمِ، لَوْ كُنْتَ صاحِبَ الكَلِمَةِ ما نَبَذْتَ كِتابَ اللهِ وَرآءَ ظَهْرِكَ إِذْ أُرْسِلَ إِلَيْكَ مِنْ لَدُنْ عَزِيزٍ حَكيمٍ إِنّا بلَوْناكَ بِهِ ما وَجَدْناكَ عَلَى ما ادَّعَيْتَ قُمْ وَتَدارَكْ ما فاتَ عَنْكَ سَوْفَ تَفْنَى الدُّنْيا وَما عِنْدَكَ وَيَبْقى المُلْكُ للهِ رَبِّكَ وَرَبِّ آبائِكَ الأَوَّلِينَ، لا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقْتَصِرَ الأُمُورَ عَلَى ما تَهْوَى بِهِ هَواكَ اتَّقِ زَفَراتِ المَظْلُومِ أَنِ احْفَظْهُ مِن سِهامِ الظَّالِمِينَ، بِما فَعَلْتَ تَخْتَلِفُ الأُمُورُ فِي مَمْلَكَتِكَ وَتَخْرُجُ المُلْكُ مِنْ كَفِّكَ جَزاءَ عَمَلِكَ إِذاً تَجِدُ نَفْسَكَ فِي خُسْرانٍ مُبِينٍ، وَتَأْخُذُ الزَّلازِلُ كُلَّ القَبائِلِ فِي هُناكَ إِلاَّ بِأَنْ تَقُومَ عَلَى نُصْرَةِ هذَا الأَمْرِ وَتَتَّبِعَ الرُّوحَ فِي هذَا السَّبِيلِ المُسْتَقيمِ، أَعِزُّكَ غَرَّكَ لَعَمْرِي إِنَّهُ لا يَدُومُ وَسَوْفَ يَزُولُ إِلاّ بِأَنْ تَتَمَسَّكَ بِهذَا الحَبْلِ المَتِينِ، قَدْ نَرَى الذِّلَّةَ تَسْعَى عَنْ وَرَائِكَ وَأَنْتَ مِنَ الرَّاقِدِينَ، يَنْبَغِي لَكَ إِذا سَمِعْتَ النِّدَاءَ مِنْ شَطْرِالكِبْرِياءِ تَدَعُ ما عِنْدَكَ وَتَقُولُ لَبَّيْكَ يا إِلهَ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرَضِينَ.
أَنْ يَا مَلِكُ قَدْ كُنَّا بِأُمِّ العِراقِ إِلى أَنْ حُمَّ الفِراقُ تَوَجَّهْنا إِلى مَلِكِ الإِسْلامِ بِأَمْرِه فَلَمَّا أَتَيْناهُ وَرَدَ عَلَيْنا مِنْ أُولِي النِّفاقِ ما لا يَتِمُّ بِالأَوْراقِ بِذلِكَ ناحَ سُكَّانُ الفِرْدَوْسِ وَأَهْلُ حَظائِرِ القُدُسِ وَلكِنَّ القَوْمَ فِي حِجابٍ غَلِيظٍ، قُلْ أَتَعْتَرِضُونَ عَلَى الَّذِي جاءَكُمْ بِبَيِّناتِ اللهِ وَبُرْهانِهِ ثُمَّ حُجَّتِهِ وَآياتِهِ؟ إِنْ هِيَ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِهِ بَلْ مِنْ لَدُنْ مَنْ بَعَثَهُ وَأَرْسَلَهُ بِالحَقِّ وَجَعَلَهُ سِراجاً لِلْعالَمِينَ، قَدِ اشتَدَّ عَلَيْنَا الأَمْرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بَلْ فِي كُلِّ ساعَةٍ إِلى أَنْ أَخْرَجُونا مِنَ السِّجنِ وَأَدْخَلُونا فِي السِّجْنِ الأَعْظَمِ بِظُلْمٍ مُبِينٍ، إِذا قِيلَ بِأَيِّ جُرْمٍ حُبِسُوا قالُوا إِنَّهُمْ أَرادُوا أَنْ يُجَدِّدُوا الدِّينَ، لَوْ كانَ القَدِيمُ هُوَ المُخْتارُ عِنْدَكُم لِمَ تَرَكْتُم ما شُرِّعَ فِي التَّوْراةِ وَالإِنْجِيلِ؟ تَبَيَّنُوا يا قَومِ لَعَمري لَيْسَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنْ مَحيصٍ، إِنْ كانَ هذا جُرْمِي قَدْ سَبَقَنِي في ذلِكَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَمِنْ قَبْلِهِ الرُّوحُ وَمِنْ قَبْلِهِ الكَلِيمُ، وَإِنْ كانَ ذَنْبِي إِعْلاءَ كَلِمَةِ اللهِ وَإِظْهارَ أَمْرِهِ فَأَنا أَوَّلُ المُذْنِبينَ، لا أُبَدِّلُ هذَا الذَّنْبَ بِمَلَكُوتِ مُلكِ السَّمَواتِ وَالأَرَضِينَ، إِنَّا لَمَّا وَرَدْنَا السِّجْنَ أَرَدْنا أَنْ نُبَلِّغَ المُلُوكَ رِسالاتِ رَبِّهِمِ العَزِيزِ الحَمِيدِ، وَلَو إِنَّا بَلَّغْناهُمْ ما أُمِرْتُ بِهِ فِي أَلواحٍ شَتَّى تِلْكَ مَرَّةً أُخْرَى فَضْلاً مِنَ اللهِ لَعَلَّ يَعرِفُونَ الرَّبَّ إِذْ أَتَى عَلَى السَّحابِ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ، كُلَّما ازْدَادَ البَلآءُ زادَ البَهَاءُ فِي حُبِّ اللهِ وَأَمْرِهِ بِحَيْثُ مَا مَنَعَنِي ما وَرَدَ عَلَيَّ مِنْ جُنُودِ الغافِلِينَ، لَوْ يَسْتُرُونَنِي فِي أَطْباقِ التُّرابِ يَجِدُونَنِي راكِباً عَلى السَّحابِ وَداعِياً إِلى اللهِ المُقْتَدرِ القَدِيرِ، إِنِّي فَدَيْتُ نَفْسِي فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَشْتاقُ البَلايا فِي حُبِّهِ وَرِضائِهِ يَشْهَدُ بِذلِكَ ما أَنَا فِيهِ مِنَ البَلايَا الَّتي ما حَمَلَها أَحَدٌ مِنَ العالَمِينَ، وَيَنْطِقُ كُلُّ شَعْرٍ مِنْ شَعَراتِي بِما نَطَقَ شَجَرُ الطُّورِ وَكُلُّ عِرْقٍ مِنْ عُرُوقِي يَدْعُو اللهَ وَيَقُولُ يا لَيْتَ قُطِعْتُ في سَبِيلِكَ لِحَيوةِ العالَمِ وَاتِّحادِ مَنْ فِيهِ، كَذلِكَ قُضِيَ الأَمْرُ مِنْ لَدُنْ عَلِيمٍ خَبِيرٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ أَماناتُ اللهِ بَينَكُمْ أَنِ احْفَظُوهُمْ كَما تَحْفَظُونَ أَنْفُسَكُمْ، إِيَّاكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا الذِّئابَ رُعاةَ الأَغْنامِ وَأَنْ يَمْنَعُكُمُ الغُرُورُ وَالاسْتِكْبارُ عَنِ التَوَجُّهِ إِلى الفُقَرآءِ وَالمَساكِينِ، لَوْ تَشْرَبُ رَحِيقَ الحَيَوانِ مِن كُؤُوسِ كَلِماتِ رَبِّكَ الرَّحْمنِ لَتَصِلُ إِلى مَقامٍ تَنْقَطِعُ عَمّا عِنْدَكَ وَتَصِيحُ بِاسْمِي بَيْنَ العالَمِينَ، أَنِ اغْسِلْ نَفْسَكَ بِماءِ الانْقِطاعِ هذَا الذِّكْرِ الَّذِي أَشْرَقَ مِنْ أُفُقِ الإِبْداعِ إِنَّهُ يُطَهِّرُكَ عَنْ غُبارِ الدُّنْيا دَعِ القُصُورَ لأَهْلِ القُبُورِ وَالمُلْكَ لِمَنْ أَرادَ ثُمَّ أَقْبِلْ إِلى المَلَكُوتِ، هذا ما اخْتارَهُ اللهُ لَكَ لَوْ أَنْتَ مِنَ المُقْبِلِينَ، إِنَّ الَّذِينَ ما أَقْبَلُوا إِلى الوَجْهِ فِي هذَا الظُّهُورِ إِنَّهُمْ غَيْرُ أَحْياءٍ يُحَرِّكُهُمُ الهَوَى كَيْفَ يَشاءُ أَلا إِنَّهُمْ مِنَ المَيِّتِينَ، لَوْ تُحِبُّ أَنْ تَحْمِلَ ثِقَلَ المُلْكِ أَنِ احْمِلْهُ لِنُصْرَةِ أَمْرِ رَبِّكَ، تَعالَى هذَا المَقامُ الَّذي مَنْ فازَ بِه فازَ بِكُلِّ الخَيْرِ مِنْ لَدُنْ عَلِيمٍ حَكِيمٍ، أَنِ اطْلَعْ مِنْ أُفُقِ الانْقِطاعِ بِاسْمِي ثُمَّ أَقْبِلْ إِلى المَلَكُوتِ بِأَمْرِ رَبِّكَ المُقْتَدرِ القَدِيرِ، قُمْ بَيْنَ العِبادِ بِسُلْطانِي قُلْ يا قَوْمِ قَدْ أَتَى اليَوْمُ وَفاحَتْ نَفَحاتُ اللهِ بَيْنَ العالَمِينَ، إِنَّ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ الوَجْهِ أُولئِكَ غَلَبَتْ عَلَيْهِمْ أَهْواءُ أَنفُسِهِمْ أَلا إِنَّهُمْ مِنَ الهائِمِينَ، زَيِّنْ جَسَدَ المُلْكِ بِطِرازِ اسْمِي وَقُمْ عَلَى تَبْلِيغِ أَمْرِي هذا خَيْرٌ لَكَ عَمَّا عِنْدَكَ وَيَرْفَعُ اللهُ بِهِ اسْمَكَ بَيْنَ المُلُوكِ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أَنِ امْشِ بَيْنَ النَّاسِ بِاسْمِ اللهِ وَسُلْطانِهِ لِتَظْهَرَ مِنْكَ آثارُهُ بَيْنَ العَالَمِينَ، أَنِ اشْتَعِلْ بِهذِهِ النَّارِ الَّتِي أَوْقَدَها الرَّحْمنُ فِي قُطْبِ الأَكْوانِ لِتَحْدُثَ مِنْكَ حَرَارَةُ حُبِّهِ فِي أَفْئِدَةِ المُقْبِلينَ، أَنِ اسْلُكْ سَبِيلي ثُمَّ اجْذِبِ القُلُوبَ بِذِكْرِيَ العَزِيزِ المَنِيعِ، قُلْ إِنَّ الَّذي لَم تَنْتَشِرْ مِنْهُ نَفَحاتُ قَمِيصِ ذِكْرِ رَبِّهِ الرَّحْمنِ فِي هذَا الزَّمانِ لَنْ يَصْدُقَ عَلَيْهِ اسْمُ الإِنْسانِ، إِنَّهُ مِمَّنِ اتَّبَعَ الهَوَى سَوْفَ يَجِدُ نَفْسَهُ فِي خُسْرانٍ عَظِيمٍ، قُلْ يا قَوْمِ هَلْ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَنْسِبُوا أَنْفُسَكُم إِلى الرَّحْمنِ وَتَرْتَكِبُوا ما ارْتَكَبَهُ الشَّيْطانُ لا وَجَمالِ السُّبْحانِ لَوْ أَنْتُمْ مِنَ العارِفِينَ، قَدِّسُوا قُلُوبَكُم عَنْ حُبِّ الدُّنْيا وَأَلْسُنَكُمْ عَنِ الافْتِراءِ وَأَرْكانَكُمْ عَمَّا يَمنَعُكُمْ عَنِ التَّقَرُّبِ إِلى الله العِزيزِ الحَميدِ، قُلِ الدُّنْيا هِيَ إِعْراضُكُمْ عَنْ مَطْلِعِ الوَحْيِ وَإِقْبالُكُمْ بِما لا يَنْفَعُكُمْ وَما مَنَعَكُمُ اليَوْمَ عَنْ شَطْرِ اللهِ إِنَّهُ اصْلُ الدُّنْيا أَنِ اجْتَنِبُوا عَنْها وَتَقَرَّبُوا إِلَى المَنْظَرِ الأَكْبَرِ هذَا المَقَرِّ المُشْرِقِ المُنِيرِ، طُوبَى لِمَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ عَنْ رَبِّهِ إِنَّهُ لا بَأْسَ عَلَيْهِ لَوْ يَتَصَرَّفُ فِي الدُّنْيا بِالْعَدْلِ لأَنّا خَلَقْنا كُلَّ شَيْءٍ لِعِبادِنَا المُوحِّدِينَ، يا قَوْمِ إِنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُوا فَمَا الفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَالَّذِينَ قالُوا اللهُ رَبُّنا فَلَمَّا أَتَى فِي ظُلَلِ الغَمامِ أَعْرَضُوا وَاسْتَكْبَرُوا عَلَى اللهِ العَزِيزِ العَلِيمِ، يا قَوْمِ لا تَسْفِكُوا الدِّماءَ وَلا تَحْكُمُوا عَلَى نَفْسٍ إِلاَّ بِالْحَقِّ كَذلِكَ أُمِرتُم مِنْ لَدُنْ عَلِيمٍ خَبِيرٍ، إِنَّ الَّذِين يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها أُولئِكَ تَجاوَزُوا عَمَّا حُدِّدَ فِي الكِتابِ فَبِئْسَ مَثْوى المُعْتَدِينَ، قَدْ كَتَبَ اللهُ لِكُلِّ نَفْسٍ تَبْلِيغَ أَمْرِهِ وَالَّذِي أَرادَ ما أُمِرَ بِهِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّصِفَ بِالصِّفاتِ الحَسَنَةِ أَوَّلاً ثُمَّ يُبَلِّغَ النَّاسَ لِتَنْجَذِبَ بِقَوْلِهِ قُلُوبُ المُقْبِلِينَ، وَمِنْ دُونِ ذلِكَ لا يُؤَثِّرُ ذِكْرُهُ فِي أَفئِدَةِ العِبادِ كَذلِكَ يُعَلِّمُكُمُ اللهُ إِنَّهُ لَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، إِنَّ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْعَدْلِ يُكَذِّبُهُمْ بِما يَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ أَهْلُ المَلَكُوتِ وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ حَوْلَ عَرْشِ رَبِّكُمُ العَزِيزِ الجَمِيلِ، يا قَومِ لا تَرْتَكِبُوا ما تَضِيعُ بِهِ حُرْمَتُكُمْ وَحُرْمَةُ الأَمْرِ بَيْنَ العِبادِ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَقَرُبُوا ما تُنْكِرُهُ عُقُولُكُمْ، اتَّقُوا اللهَ وَلا تَتَّبِعُوا الْغافِلِينَ، لا تَخُونُوا فِي أَمْوالِ النَّاسِ كُونُوا أُمَناءَ فِي الأَرْضِ وَلا تَحْرِمُوا الفُقَراءَ عَمَّا أَتاكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ يُعْطِيكُمْ ضِعْفَ ما عِنْدَكُمْ إِنَّهُ لَهُوَ المُعْطِي الكَرِيمُ، قُلْ قَدْ قَدَّرْنَا التَّبْلِيغَ بِالبَيانِ إِيَّاكُمْ أَنْ تُجادِلُوا مَعَ أَحَدٍ وَالَّذِي أَرادَ التَّبْلِيغَ خالِصاً لِوَجْهِ رَبِّهِ يُؤَيِّدُهُ رُوحُ القُدُسِ وَيُلهِمُهُ ما يَسْتَنِيرُ بِهِ صَدْرُ العَالَمِ وَكَيْفَ صُدُورُ المُرِيدِينَ، يا أَهْلَ البَهآءِ سَخِّرُوا مَدائِنَ القُلُوبِ بِسُيُوفِ الحِكْمَةِ وَالبَيانِ، إِنَّ الَّذينَ يُجادِلُونَ بِأَهْواءِ أَنْفُسِهِم أُولئِكَ فِي حِجابٍ مُبِينٍ، قُلْ سَيْفُ الحِكْمَةِ أَحَرُّ مِنَ الصَّيْفِ وَأَحَدُّ مِنْ سَيْفِ الحَدِيدِ لَوْ أَنْتُمْ مِنَ العارِفينَ، أَنْ أَخْرِجُوهُ بِاسْمِي وَسُلْطانِي ثُمَّ افْتَحُوا بِهِ مَدَائِنَ أَفْئِدَةِ الَّذِينَ اسْتَحْصَنُوا فِي حِصْنِ الهَوى كَذلِكَ يأْمُرُكُمْ رَبُّكُمُ الأَبْهَى إِذْ كانَ جالِساً تَحْتَ سُيُوفِ المُشْرِكينَ، إِنِ اطَّلَعْتُمْ عَلَى خَطِيئَةٍ أَنِ استُرُوها لِيَسْتُرَ اللهُ عَنْكُمْ إِنَّهُ لَهُوَ السَّتَّارُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ، يا مَلأَ الأَغْنِياءِ إِنْ رَأَيْتُمْ فَقِيراً لا تَسْتَكْبِرُوا عَلَيْهِ تَفَكَّرُوا فِيما خُلِقْتُمْ مِنْهُ قَدْ خُلِقَ كُلٌّ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ، عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ بِهِ تُزَيَّنُ هَياكِلُكُمْ وَتُرْفَعُ أَسْماؤُكُمْ وَتَعْلُو مَراتِبُكُمْ بَيْنَ الخَلْقِ وَلَدَى الحَقِّ لَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ، يا مَلأَ الأَرْضِ أَنِ اسْتَمِعُوا ما يَأْمُرُكُمْ بِهِ القَلَمُ مِنْ لَدُنْ مالِكِ الأُمَمِ، فَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّرَائِعَ قَدِ انْتَهَتْ إِلى الشَّرِيعَةِ المُنْشَعِبَةِ مِنَ البَحْرِ الأَعْظَمِ أَنْ أَقْبِلُوا إِلَيْها أَمْراً مِنْ لَدُنَّا إِنَّا كُنَّا حاكِمِينَ، فانْظُرُوا العالَمَ كَهَيْكَلِ إِنْسانٍ اعْتَرَتْهُ الأَمْراضُ وَبُرْؤُهُ مَنُوطٌ بِاتِّحادِ مَنْ فِيهِ أَنِ اجْتَمِعُوا عَلَى ما شَرَّعْناهُ لَكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا سُبُلَ المُخْتَلِفينَ، قَدِ انْتَهَتِ الأَعْيادُ إِلَى العِيدَينِ الأَعْظَمَيْنِ الأَوَّلُ أَيَّامٌ فِيها تَجَلَّى اللهُ بِأَسْمائِهِ الحُسْنَى عَلَى مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرَضِينَ وَالآخَرُ يَوْمٌ فِيهِ بَعَثْنا مَنْ بَشَّرَ العِبادَ بِهذا النَّبَإِ العَظِيمِ، وَآخَرَيْنِ فِي يَوْمَيْنِ كَذلِكَ حُدِّدَ فِي الكِتابِ مِنْ لَدُنْ مُقْتَدِرٍ قَدِيرٍ، تِلْكَ أَرْبَعَةٌ كامِلَةٌ وَعَنْ وَرَائِها أَنِ اشْتَغِلُوا بِأُمُورِكُم وَلا تَمْنَعُوا أَنْفُسَكُمْ عَنِ الاقْتِرافِ وَالصَّنائِعِ كَذلِكَ قُضِيَ الأَمْرُ وَأَتَى الحُكْمُ مِنْ لَدُنْ رَبِّكُمُ العَلِيمِ الحَكِيمِ، قُلْ يا مَلأَ القِسِّيسِينَ وَالرُّهبانِ كُلُوا ما أَحَلَّهُ اللهُ وَلا تَجْتَنِبُوا اللُّحُومَ قَدْ أَذِنَ اللهُ لَكُمْ أَكْلَها إِلاَّ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَضْلاً مِنْ لَدُنْهُ إِنَّهُ لَهُوَ العَزِيزُ الكَرِيمُ، ضَعُوا ما عِنْدَكُمْ خُذُوا ما أَرَادَهُ اللهُ هذا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ أَنْتُمْ مِنَ العارِفينَ، قَد كَتَبْنَا الصَّوْمَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْماً فِي أَعْدَلِ الفُصُولِ وَعَفَوْنا ما دُونَها فِي هذا الظُّهُورِ المُشْرِقِ المُنِيرِ، كَذلِكَ فَصَّلْنا وَبَيَّنَّا لَكُمْ ما أُمِرْتُمْ بِهِ لَتَتَّبِعُوا أَوامِرَ اللهِ وَتَجْتَمِعُوا عَلَى ما قُدِّرَ لَكُمْ مِنْ لَدُنْ عَزيزٍ حَكِيمٍ، إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى مَنْ فِي الأَكْوانِ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ وَهَيْكَلٍ واحِدٍ أَنِ اغْتَنِمُوا فَضْلَ اللهِ وَرَحْمَتَهُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ الَّتِي ما رَأَتْ عَيْنُ الإِبْدَاعِ شِبْهَها طُوبَى لِمَنْ نَبَذَ ما عِنْدَهُ ابْتِغاءً لِما عِنْدَ اللهِ نَشْهَدُ أَنَّهُ مِنَ الفائِزِينَ، أَنْ يا مَلِكُ أَنِ اشْهَدْ بِما شَهِدَ اللهُ لِذاتِه بِذاتِهِ قَبْلَ خَلْقِ سَمائِهِ وَأَرْضِهِ إِنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنا الواحِدُ الفَرْدُ المُتَعالِي العَزِيزُ المَنِيعُ، قُمْ بِالاسْتِقامَةِ الكُبْرَى عَلَى أَمْرِ رَبِّكَ الأَبْهَى كَذلِكَ أُمِرْتَ فِي هذَا اللَّوْحِ البَدِيعِ، إِنَّا ما أَرَدْنا لَكَ إِلاَّ ما هُوَ خَيْرٌ لَكَ عَمَّا عَلَى الأَرْضِ كُلِّها وَيَشْهَدُ بِذلِكَ كُلُّ الأَشْياءِ وَعَنْ وَرائِها هذَا الكِتابُ المُبِينُ، تَفَكَّرْ فِي الدُّنْيا وَشَأْنِ أَهْلِها إِنَّ الَّذِي خُلِقَ العالَمُ لِنَفْسِهِ قَدْ حُبِسَ في أَخْرَبِ الدِّيارِ بِما اكْتَسَبَتْ أَيْدِي الظَّالِمِينَ، وَمِنْ أُفُقِ السِّجْنِ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى فَجْرِ اللهِ العَلِيِّ العَظِيمٍ، هَلْ تَفْرَحُ بِما عِنْدَكَ مِنَ الزَّخارِفِ بَعْدَ الَّذِي تَعْلَمُ أَنَّها سَتَفْنَى أَوْ تَسْتَرُّ بِما تَحْكُمُ عَلى شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ بَعْدَ الَّذِي كُلُّها لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَهْلِ البَهاءِ إِلاَّ كَسَوادِ عَيْنِ نَمْلَةٍ مَيْتَةٍ دَعْها لأَهْلِها ثُمَّ أَقْبِلْ إِلَى مَقْصُودِ العالَمِينَ، أَيْنَ أَهْلُ الغُرُورِ وَقُصُورُهُمْ فَانْظُرْ فِي قُبُورِهِمْ لِتَعْتَبِرَ بِما جَعَلْناها عِبْرَةً لِلنَّاظِرِينَ، لَوْ تَأْخُذُكَ نَفَحاتُ الوَحْيِ لَتَفِرُّ مِنَ المُلْكِ مُقْبِلاً إِلَى المَلَكُوتِ وَتُنْفِقُ ما عِنْدَكَ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى هذَا المَنْظَرِ الكَرِيمِ، إِنَّا نَرى أَكثَرَ العِبادِ عَبَدَةَ الأَسْماءِ كَما تَراهُم يُلْقُونَ أنْفُسَهُمْ في المَهالِكِ لإِبْقاءِ أَسْمائِهِمْ بَعْدَ الَّذِي يَشْهَدُ كُلُّ ذِي دِرايَةٍ أَنَّ الاسْمَ لا يَنْفَعُ أَحَداً بَعْدَ مَوْتِهِ إِلاَّ بِأَنْ يُنْسَبَ إِلَى اللهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ، كَذَلِكَ سُلِّطَتْ عَلَيْهِمِ الأَوْهَامُ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ، فَانْظُرْ فِي قِلَّةِ عُقُولِهِمْ يَبْتَغُونَ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ بِمُنْتَهى الجِدِّ وَالاجْتِهادِ وَلَوْ تَسْأَلُهُمْ هَلْ يُنْفَعُكُمْ مَا أَرَدْتُمْ تَجِدُهُمْ مُتَحَيِّرِينَ، وَلَو يُنْصِفُ أَحَدٌ يَقُولُ لَا وَرَبِّ العَالَمِينَ، هَذَا شَأْنُ النَّاسِ وَمَا عِنْدَهُمْ دَعْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ ثُمَّ وَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اللهِ، هذَا مَا يَنْبَغِي لَكَ أَنِ اسْتَنْصِحْ بِمَا نُصِحْتَ مِنْ لَدُنْ رَبِّكَ وَقُلْ أَنِ الحَمْدُ لَكَ يَا إِلَهَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ.