هو العزيز
هَذا لَوْحُ الْقُدْسِ قَدْ جَعَلَ الله مَقامَهُ مَقامَ النُّقْطَةِ كما إِنَّ مِنَ النُّقْطَةِ فُصِّلَتْ كلُّ الْحُرُوْفاتِ وَالْكَلِماتِ، وَكذلِك مِنْ هَذا اللَّوْحِ فُصِّلَ ما نُزِّلَ مِنْ أَزَلِ الآزالِ وَ يُفَصَّلُ إِلى أَبَدِ الآبِدِينَ، قُلْ إِنَّهُ وَلَوْ ساكِنًا فِيْ مَحَلِّهِ وَلَكِنْ مِنْهُ حُرِّكَتِ الْمُمْكِناتُ وَظَهَرَتْ مِنَ الْعَدَمِ فِيْ خِلَعِ الْوُجُوْدِ، فَتَبارَكَ الله سُلْطانُ الْمُقْتَدِرِينَ، قُلْ إِنَّ ساذَجَ الْقِدَمِ ظَهَرَ بِالْحَقِّ فَتَعالَى الله مُرَبِّي الْكَوْنَينِ وَرَبُّ الْعالَمَينِ، وَأَنْتَ يا عَبْدُ فَاسْمَعْ نِداءَ الله عَنْ سِدْرَةِ الْفُؤادِ الَّتِي اسْتَنارَتْ فِيْ صَدْرٍ مُمَرَّدٍ مُنِيرٍ، ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ نَبَأَ الَّذِيْ كانَ مِنْ قَبْلِ الْقَبْلِ قَدْ فُصِّلَ مِنْ هَذا النَّبَإِ الْعَظِيمِ، وَأَمْرَ الَّذِيْ قَدْ جَرَى مِنْ قِدَمِ الأَقْدامِ قَدْ أَشْرَقَ مِنْ هَذا الطِّرازِ الأَقْدَمِ الْقَوِيمِ، قُلْ يا مَلأَ الأَرْضِ تَالله لَوْحًا مِنْ أَثَرِ اللهِ خَيرٌ عَنْ مُلْك الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، بَلْ أَسْتَغْفِرُ اللهَ عَنْ ذَلِك لأَنَّ بِحَرْفٍ مِنْهُ خُلِقَ كُلُّها إِنْ أَنْتُمْ مِنَ الشَّاعِرِينَ، وَحَرْفٌ مِنْهُ لأَحْلَى عَمَّا ظَهَرَ بِالْقَلَمِ وَجَرَى مِنَ اللِّسانِ وَتَكَلَّمَتْ بِها خَلْفَ حُجُباتِ الْقُدْسِ مَلأُ الْمُسَبِّحِينَ، كَذَلِكَ أَخَذَتْ هَذِهِ الْطَّيْرَ جَذَباتُ الشَّوْقِ فِيْ هَذا اللَّيْلِ الَّذِيْ يفْتَخِرُ عَلى فَجْرٍ دُرِّيٍّ وَكُلِّ صُبْحٍ مُنِيرٍ، بِحَيْثُ يَجْرِيْ مِنْ قَلَمِهِ ما لا سَبَقَتْهُ إِرادَتُهُ وَينْدَكُّ مِنْهُ جَبَلُ الْعارِفِينَ، الَّذِينَ لَنْ ينْظُرُوا بِالْمَنْظَرِ الأَعْلى وَكانُوا بِالْحُجُبِ وَالإِشاراتِ لَمِنَ النَّاظِرِينَ، طَهِّرُوا يا قَوْمِ آذانَكُمْ عَنْ كُلِّ ما سَمِعْتُمْ أَوْ عَرَفْتُمْ وَقَدِّسُوا قُلُوْبَكُمْ عَنْ كُلِّ ما انْطَبَعْتُمْ فِيهِ وَعَلَيهِ مِنْ صُوَرِ الْفانِيَةِ لِينْطَبِعَ عَلَيهِ جَمالُ اللهِ الْعالِي الْمُتَعالِي الْعَظِيمِ الْقَدِيمِ، يا أَهْلَ لُجَّةِ الْفِرْدَوْسِ إِنْ تُرِيدُوا أَنْ تَقْرَئُوا هَذِهِ الْوَرَقَةَ الْمُنِيرَةَ الْباقِيَةَ فَتَوَضَّئُوا أَوَّلاً مِنْ مآءِ التَّسْنِيمِ الَّذِيْ جَرَى عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ ثُمَّ اغْسِلُوا بِهِ ظاهِرَكُمْ وَباطِنَكُمْ لِتَسْمَعُوا ما غَرَّدَ وَرْقاءُ الرِّضْوانِ فِيْ هَذا الْجِنانِ بِبَدائِعِ أَلْحانٍ بَدِيعٍ، وَمِنْ دُوْنِ ذَلِكَ لَنْ تَجِدُوا لَذائِذَها الْمَكنُونَةَ وَلَنْ تَعْرِفُوا جَواهِرَ حِكَمِهِ الْمَخْزُوْنَةَ وَلَوْ تَقْرَئُوْنَها فِيْ أَيامِ عُمْرِكمْ وَفِيْ كُلِّ صَباحٍ وَمَساءٍ أَوْ فِيْ كُلِّ حِينٍ، كَذَلِكَ يُغَرِّدُ الْوَرْقآءُ فِيْ هَذا الْفَضآءِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ مُقَدَّسًا عَنْ وُجُوْهِ الْمُشْرِكينَ، وَرَقَّ هَواها وَراقَ رِياحُها وَطُيِّبَ عَرْفُها وَتَضَوَّعَ مِسْكُها إِذًا فَاقْصِدُوْها يا مَلأَ الْمُقَرَّبِينَ، وَكَذَلِكَ َيبْذُلُ اللهُ نِعَمَهُ الْباقِيَةَ الأَزَلِيَّةَ الأَبَدِيَّةَ الأَحَدِيَّةَ السَّمائِيَّةَ عَلى الْعالَمِينَ، وَأَنْتُمْ يا أَهْلَ مَلإِ الأَعْلى وَيا مَعْشَرَ الإِنْسانِ فِيْ أَرْضِ الأَدْنَى لا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ عَنْها وَلا تَكفُرُوا بِها اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَكونُنَّ مِنَ الْغافِلِينَ، فَطُوْبَى لِمَنْ رُزِقَ بِها وَمِنْها مِنْ دُوْنِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلى أَهْلِ السَّمواتِ وَالأَرَضِينَ، وَهَذا الرَّوْحُ مِنَ الرُّوْحِ عَلَيْكُمْ يا أَيُّها الْمُقْبِلِينَ.