الدين البهائي أحد الأديان السماوية في سلسلة التطور الروحي لعالم الإنسان، ويشترك في أساسه مع باقي الأديان السماوية بوحدانية الله وفردانيته ويقرّ بوحدة رسله وأنبيائه ووحدة جميع الأديان في جوهرها وإن اختلفت شرائعها نظرًا لتطور حاجات البشرية ومتطلباتها من عصر إلى عصر، ويدعو إلى وحدة العالم الإنساني انسجامًا مع وحدة وجوده العنصري، وأن الكون هو وجود متكامل تجمعه الوحدة الشاملة.
للدين البهائي تعاليمه وأحكامه ومبادئه كالصوم والصلاة والحج وغيرها، ومنتشر في أرجاء العالم على اختلاف المجتمعات وأنظمتها. تلقى مبادئه القبول لدى كافة الطبقات والخلفيات الدينية وغير الدينية، وتتميز تعاليمه بالبساطة والوضوح، وتركّز على الجوهر بعيدًا عن الشّكليّات، وتحثّ على تحرّي الحقيقة، وتـنادي بنبذ التّقليد والأوهام، وتهتمّ بنقاء الوجدان، وتـنشد السّعادة الحقّة في السّموّ الرّوحانيّ، وتؤكّد أبديّة الرّوح الإنسانيّ، وتبشّر باستمرار تتابع الأديان، وتعلن أنّ الدّين هو سبب نظم العالم واستقرار المجتمع وانتظام شؤونه ولذلك فهو وسيلة للتعايش والحياة ولتنقية العلاقة بين الفرد وخالقه ومع سائر البشر، وتعتبر الحرية بجوهرها بأنها التحرر من قوى النفس الأمارة بالسوء إلى قوى الروح بفضائلها المطيعة لأحكام الله وأوامره، وتشترط أن تكون أقوال الإنسان وأعماله مصداقًا لعقيدته ومرآة لإيمانه، وترفع إلى مقام العبادة كل عمل يؤدّيه الفرد بروح البذل والخدمة، وتعتبر فضل الإنسان في الخدمة والكمال لا في الزّينة والثروة والمال، وتدعو للصّلح والصّلاح، وترفع راية السلام العالمي على أسس إلهية جاء بها مؤسسه، وتـنادي بنزع السّلاح ضمن شروط محددة، وتروم تأسيس الوحدة والسّلام بين الأمم، وترى إن كان حبّ الوطن من الإيمان فمن الواجب أن يكون حبّ العالم وخدمة الإنسان تعبيرًا عن ذلك الإيمان أيضًا. ليس في الدّين البهائيّ كهنة، ولا رهبان، ولا رجال دين، ولا قدّيسين، ولا أولياء. والعبادة فيه خالية من الطّقوس والمراسيم، وتؤدّى صلواته على انفراد. وتميل أحكامه لتهذيب النّفس أكثر منها للعقاب. وتجعل أساس الطّاعة هو حبّ الله. هذا هو روح العصر الذي ينشده كل مؤمن غيور بل وكل فرد في الوجود. ويعترف الدّين البهائيّ بأن الأديان السماويّة واحدة في أصلها، متّحدة في أهدافها، متكاملة في وظائفها، متّصلة في مقاصدها، جاءت جميعًا بالهدى لبني الإنسان. ولا يخالف الدّين البهائيّ في جوهره المبادئ الرّوحانيّة الخالدة الّتي أُنزلت على الأنبياء والرّسل السّابقين، وإنّما تباينت عنها قوانينه وأحكامه وفقًا لمقتضيات العصر ومتطلّبات الحضارة، وأتت بما يدعم روح الحياة في هياكل الأديان، وهيّأت ما يزيل أسباب الخلاف والشّقاق، وأتت بما يقضي على بواعث الحروب، ونادت بضرورة التوفيق بين الدين والعلم، وساوت بين حقوق الرّجال والنّساء توطيدًا لأركان المجتمع. هذا بعض ما يقدّمه الدّين البهائيّ لإنقاذ عالم مضّطرب، وحماية انسانيّة محاطةٍ بخطر الفناء، ما لم يتجدّد تفكيرها وتتطوّر أساليبها لتتماشّى مع احتياجات عصر جديد.
حامل هذه الرسالة السماوية هو ميرزا حسين علي الذي تلقب فيما بعد بـ "بهاءالله"، وقد أعلن دعوته جهارًا عام ١٨٦٣ ثم أرسل رسائله الشهيرة إلى ملوك العالم ورؤسائه في ذلك الوقت وإلى رجال الدين يحثهم فيها على نبذ الظلم وتحقيق العدل والإنصاف لرعاياهم، والسماح بفتح آفاق المعرفة الدينية الحقة أمام الفكر الإنساني بتحري الحقيقة في كل شيء والتحرر من قيود التقاليد والأوهام.
يمثل البهائيون في العالم جامعة بهائية عالمية تحظى باحترام موفور في المجالس الدّوليّة، وبوصفها منظّمة عالميّة غير حكوميّة، فإنها تشترك في نشاطات هيئة الأمم المتّحدة ووكالاتها المتخصصّة ومؤتمراتها التي تُدعى لها، وفي مناقشاتها وتقديم أوراق العمل التي تمثل وجهة النظر البهائية في الحلول المناسبة لمختلف القضايا والمشاكل العالمية خاصةً في ما يتعلق بالتعليم، وحماية البيئة، ورعاية الأم والطفل، وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان، وغيرها مما يخدم البشرية عامة.
إنّ مبادئ وأحكام الدّين البهائيّ الّتي أعلن حضرة بهاءالله أنّها السّبب الأعظم لنجاة البشر واتّحاد العالم، قد أثبتت قدرتها على تحقيق غاياتها في المجتمعات البهائية: فقد أدّت إلى تطوير أفكار النّاس، وتقويم سلوك الملايين من أتباعه، وألّفت بين قلوبهم رغم تباين أعراقهم وثقافاتهم وبيئاتهم ومكاناتهم الاجتماعية وثرواتهم وسابق معتقداتهم، جامعة إنسانيّة لا شرقيّة ولا غربيّة متّحدة في مُثُلها ودوافعها وأهدافها، دائبة السّعي لرعاية مصالح الإنسانيّة جمعاء، بغض النّظر عن اختلاف الدّين والرّأي والفكر. كما أظهرت الهيئات الإداريّة لهذا الدّين، رغم حداثة عهدها، أمانة ونزاهة في قيادتها، ورشدًا في تدبيرها، وحنكة في تخطيطها، وتمتّعت بتأييد أتباعها، وسعت لحلّ مشاكل المجتمعات الّتي وجدت فيها، وجهدت في تقديم يد العون لكثير من المجتمعات في مجالات التّـنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة في أنحاء العالم، ووضعت وتبنّت مناهج دراسية لغرس وتنمية الفضائل الإلهية في نفوس الناشئة من الشباب واليافعين، وقدّمت حلولاً عمليّة للمشاكل المعضلة الّتي تواجه البشرية في زماننا. إنّ هذا النّظم الإلهي المتدفّق بالثّقة والحيويّة، والقادر على مواجهة المشاكل بأنواعها، هو نظم توفّرت فيه عناصر الصّلاحية والكفاءة والنّجاح، ودلّل على قدرته على مجابهة تحدّيات هذا العصر ومشاكله. فالأديان أُمّ الحضارات ونبع الفضائل والكمالات. وتتابعها هو الّذي مهّد طريق الرّقي الفكريّ، والسموّ الخلقيّ، والتقدّم الاجتماعيّ الّذي سلكته شعوب الأرض عبر أحقاب التّاريخ. فما من حضارة خلت من هذا الجوهر الّذي أمدّها بالقدرة والحيويّة والإلهام، وقاد أهَّلها إلى أوج المجد ومعارج الابتكار. إنّ المسلّمات القديمة الّتي يطرحها الدّين البهائيّ على بساط البحث من جديد، والمفاهيم الواضحة الّتي يقدّمها لمن يعنيهم موضوع دراسة الأديان على أسس جديدة، والحلول الّتي يقدّمها لإعادة تـنظيم الحياة الفرديّة والجماعيّة على السّواء، تفتح أمام المتطلّعين لغد أفضل آفاقًا واسعة لما يمكن أن يقود العالم إلى التّعاون والوحدة والاتّفاق.
ليس أمام هذه المحاولة العاجلة في التّعريف بالحقائق الأساسيّة للدّين البهائيّ إلاّ أن تكتفي بموجز لبعض المبادئ الّتي تدور حولها تعاليمه وأحكامه، ثم بنذر يسير من أحداث تاريخه، وعرض سريع لآراء بعض من عرفوه عن كثب، ومقتطفات موجزة من نصوصه وآياته. هذا ما ستسعى لتقديمه الصّفحات التّالية، في جهد متواضع لا يكاد يفي بالغاية، ولكن الأمل معقود على أن يكون فيما تعرضه ما يحثّ القارئ على مداومة البحث بدافع المسئولية والسّعي الحثيث وراء الحقيقة التي ينشدها كل باحث منصف.