معرّب عن الفارسية
حَمْدًا لِمَن صانَ هَيكلَ أمرِه بدِرْعِ الميثاقِ عَن سِهامِ الشُّبُهاتِ وَحَمَى حِمَى شَرِيعَتِه السَّمحاءِ وَوقَى مَحَجَّتَهُ البَيضآءَ بجُنُود عُهودِه من هجُوم عُصبَةٍ ناقِضَةٍ وَثُلَّةٍ هَادِمَةٍ لِلبُنْيَانِ، وَحَرَسَ الحِصْنَ الحَصينَ وَدينَهُ المُبينَ بِرِجالٍ لا تَأْخُذُهُمْ لَوْمَةُ لائِم ولا تُلهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا عِزَّةٌ ولا سُلْطَةٌ عَنْ عَهْدِ اللهِ وَمِيثاقِهِ الثَّابِتِ بِآياتٍ بَيِّناتٍ مِنْ أَثَرِ القَلَم الأَعْلَى فِي لَوْحٍ حَفيظٍ.
وَالتَّحِيَّةُ وَالثَّنآءُ وَالصَّلاةُ وَالبَهاءُ عَلَى أَوَّلِ غُصْنٍ مُبارَكٍ خَضِلٍ نَضِرٍ رَيَّانٍ مِن السِّدْرَةِ المُقَدَّسَةِ الرَّحْمانيَّةِ مُنْشَعِبٍ مِنْ كِلْتَي الشَّجَرَتَيْنِ الرَّبَّانِيَّتَيْنِ، وَأَبْدَعِ جَوْهَرةٍ فَريدَةٍ عَصْماءَ تَتَلأْلأُ مِنْ خِلالِ البَحْرَيْنِ المُتلاطِمَينِ. وَعَلى فُروعِ دَوْحَةِ القُدْسِ وَأَفْنانِ سِدْرَةِ الحَقِّ الَّذين ثَبَتُوا عَلَى المِيثاقِ فِي يَوْمِ الطَّلاقِ، وَعَلَى أَيادي أمرِ اللهِ الَّذينَ نَشَروا نفحاتِ اللهِ وَنَطَقوا بحُجَجِ اللهِ وَبلّغوا دينَ اللهِ وَرَوَّجُوا شَرِيعَةَ اللهِ وَانْقَطَعوا عَن غَيرِ اللهِ وَزَهِدوا فِي الدُّنيا وَأَجَّجُوا نِيرانَ مَحَبَّةِ اللهِ بَيْنَ الضُّلُوعِ وَالأَحشآءِ مِن عِبادِ اللهِ، وَعَلَى الَّذينَ آمنوا وَاطْمَأَنُّوا وَثَبَتُوا عَلَى مِيثاقِ اللهِ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي يَلُوحُ ويُضيءُ مِنْ فَجْرِ الهُدَى مِنْ بَعْدِي أَلا وَهُوَ فَرْعٌ مُقَدَّسٌ مُبَارَكٌ مُنْشَعِبٌ مِنَ الشَّجَرَتَيْنِ المُبَارَكَتَيْنِ. طُوبَى لِمَنِ اسْتَظَلَّ فِي ظِلِّه المَمْدُودِ عَلَى العَالَمِينَ.
يا أحبّاء الله، إنّ أعظم الأمور هو المحافظة عَلَى دين الله وصيانة شريعة الله وحماية أمر الله وخدمة كلمة الله، وفي هذا السّبيل قد سيَّل آلاف من النفوس دماءهم الطّاهرة وفدوا بأرواحهم العزيزة مسرعين إلى مقر الفداء راقصين، ورفعوا علم دين الله ورقموا بدمائهم آيات التّوحيد وأصبح الصّدر المبارك – صدر حضرة الأعلى– روحي له الفداء هدفًا لآلاف سهام البلايا. وقد جرحت قدما حضرة جمال القدم المباركتان روحي لأحبّائه الفداء، وتأثّرتا من الضّرب بالعصا فِي مازندران، وصار عنقه المقدّس وقدمه المباركة مصفّدين بالسّلاسل والأغلال فِي سجن طهران. وفي مدّة خمسين سنة لم تخلُ ساعة من تواتر البلايا والآفات وهجوم المصائب والملمّات. ومن ذلك أنّه نفي من الوطن بعد كلّ هذه الصّدمات الشّديدة وابتُليَ بالآلام والمحن. وفي العراق كان نيّر الآفاق فِي كلّ آن معرض الكسوف من أهل النّفاق، وفي النّهاية نُفي إلى المدينة الكبيرة ومنها إلى أرض السّرّ ثمّ إلى السّجن الأعظم وهو فِي نهاية المظلوميّة. هكذا نُفي مظلوم الآفاق روحي لأحبّائه الفداء، أربع مرّات من مدينة إلى مدينة حتّى استقرّ فِي هذا السّجن حبسًا مؤبّدًا، وبقي سجينًا مظلومًا فِي سجن القتلَة والسّارقين وقطّاع الطّرق. وهذه إحدى البلايا الَّتي نزلت بالجمال المبارك وقيسوا عليها باقي البلايا. وكان من جملة ما ورد عَلَى جمال القدم من هذه البلايا عدوان الميرزا يحيى واعتسافه وطغيانه وجُوره مع أنّه نشأ منذ نعومة أظفاره فِي حضن عناية هذا السّجين المظلوم وكان موضع ملاطفته وتدليله فِي كل حين وأعلى ذكره وحفظه من كلّ الآفات وجعله عزيز الدّارين. فبالرّغم ممَّا ورد فِي وصايا حضرة الأعلى ونصائحه الشّديدة وتصريحه بالنصّ القاطع: (إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَحْتَجِبَ بِالواحِدِ الأَوَّلِ وَمَا نُزِّلَ فِي البَيانِ). والواحد الأول هو نفس حضرة الأعلى المبارك وحروف "حيّ" الثّمانية عشر. بالرّغم من كلّ ذلك فإنّ ميرزا يحيى أظهر إنكاره وتكذيبه وألقى الشّبهات واستنكف وأغمض بصره عَنْ الآيات البيّنات. ويا ليته اكتفى بهذا، بل إنّه عمل عَلَى هدر الدّم الأطهر ورفع عَقِيرَتَهُ بالضّجيج والعويل مُوَلْوِلاً ناسبًا إلى حضرته الظّلم والاعتساف. فما أعظم الفتن والفساد اللّذين أحدثهما فِي أرض السّرّ حتّى كان سببًا فِي نفي نيّر الإشراق إلى السّجن الأعظم إلى أن أفُل عنه مظلومًا.
أيّها الثّابتون عَلَى الميثاق، (اعلموا) أنّ مركز النّقض ومحور الشّقاق – ميرزا محمّد علي– قد انحرف عَنْ ظلّ الأمر ونقض الميثاق وحرّف آيات الكتاب وأوجد الخلل العظيم فِي دين الله وشتّت حزب الله وقام عَلَى أذيّة عبد البهاء بمنتهى البغضاء وهاجم هذا العبد –عبد العتبة المقدّسة– بعداوة لا حدّ لها. ولم يترك سهما إلاّ ورشقه فِي صدر هذا المظلوم، ولم يدَع لي جرحًا إلاّ أدماه، ولم يدّخر سُمًّا إلاّ وجرّعَ هذا البائس إيّاه.
قسمًا بالجمال الأقدس الأبهى وبالنّور المشرق من حضرة الأعلى روحي لأرقّائهما الفداء، لقد بكى من هذا الظّلم أهل سرادق الملكوت الأبهى، وارتفع نحيب وعويل الملأ الأعلى، وجزَعَت وفزَعَت حوريّات الفردوس، وزفَرَت وتأَوّهت طلعات القدس. وقد بلغ الظّلم والاعتساف من عديم الإنصاف هذا درجة أنّه أصاب أصل الشّجرة المباركة بفأس، وضرب هيكل أمر الله ضربة شديدة فأجرى الدّمع دمًا من أعين أحبّاء الجمال المبارك وأبهج وأَسَرَّ أعداء الحقّ ونَفَّرَ الكثيرين من طلاب الحقيقة عَنْ أمر الله بنقض العهد فتوقَّعَت أمّة يحيى المأيوسة حصول ما ترجّته، صيَّر نفسه منفورًا منه، وشجَّع وجرَّأ أعداء الاسم الأعظم، وألقى الشّبهات ونبذ الآيات المحكمات. ولولا ما وعد به جمال القدم من توالي التّأييدات لهذا اللاشيء لانعدم أمر الله ومحا بكلّيته ولتداعى البنيان الرّحماني من أساسه. ولكن الحمد لله، قد جَاءَت نصرة الملكوت الأبهى وهجمت جنود الملأ الأعلى وارتفع أمر الله وطبّق صيت الحقّ كلّ العالم وسُمِعَتْ كلمة الله فِي كل الآفاق وارتفع علم الحقّ وبلغت رايات التّقديس أوج الأثير ورتّلت آيات التّوحيد.
والآن فحفظًا لدين الله ووقايةً وحمايةً لشريعة الله وصيانة لأمر الله، يجب التّشبّث بنصّ الآية المباركة الثّابتة فِي حقّه حيث لا يتصوّر انحراف أعظم من هذا، قوله تعالى وتقدّس (ولكنّ أحبائي الجهلاء اتّخذوه شريكًا لنفسي وفسدوا فِي البلاد وكانوا من المفسدين). لاحظ مقدار جهل النّاس العظيم فإنّ النفوس الَّتي كَانَتْ فِي الحضور، رغم ما شاهدت، قد أذاعت أيضًا مثل هذه الأقاويل، إلى أن قال جلّت صراحته: (وإذا انحرف آنًا عَنْ ظلّ الأمر فيكون معدومًا صرفًا). فلاحظوا عظم قدر هذا التّأكيد فهو يعني صراحة أنّه إذا انحرف آنًا أي إذا حصل ميلٌ قيض رأس شعرة إلى اليمين أو اليسار، تحقّق الانحراف. ثمّ وقوله: (فيكون معدومًا صرفًا) هو كما تشاهدون الآن، كيف أنّ غضب الله قد أحاط به، وكيف أنّه يؤول يومًا فيومًا إلى الانعدام. فسوف ترونه وأعوانه سرًّا وجهارًا فِي خسرانٍ مُبين.
أيّ انحراف أعظم من نقض ميثاق الله! أيّ انحراف أعظم من تحريف الآيات وإسقاط الآيات والكلمات! دقّقوا فِي إعلان الميرزا بديع الله! فأيّ انحراف أعظم من الافتراء عَلَى مركز الميثاق! أيّ انحراف أكبر من نشر الأراجيف فِي حقّ هيكل العهد! أيّ انحراف أشدّ من الفتوى بقتل محور الميثاق. بحيث استدلّ بآية (من يدّعي قبل الألف) مع أنّه بنفسه لم يستحِ بادّعائه فِي أيّام الجمال المبارك، وقد تفضّل جمال القدم بردّ ادّعائه بنفس العنوان الّذي سلف. ولا يزال ادّعاؤه موجودًا بخطّه وختمه.
فأيّ انحراف أتمّ من الكذب والبهتان على أحبّاء الله! أيّ انحراف أسوأ من أن يكون سببًا فِي حبس الأحبّاء الرّبانيّين وسجنهم! أيّ انحراف أصعب من تسليم الآيات والكلمات والمكاتيب إلى الحكومة قصد القيام عَلَى قتل هذا المظلوم! أيّ انحراف أشدّ من تضييع أمر الله واصطناع وتزوير المكاتيب والمراسلات المشحونة بالمفتريات الَّتي تؤدي إلى تخوّف الحكومة ودهشتها والَّتي كان يقصد من ورائها سفك دم هذا المظلوم، ولا تزال تلك المكاتيب فِي حوزة الحكومة! فأيّ انحراف أشنع من الظّلم والطّغيان! أيّ انحراف أرذل من تشتيت شمل الفرقة النّاجية! أيّ انحراف أفضح من إلقاء الشّبهات! أيّ انحراف أفظع من تأويلات أهل الارتياب الرّكيكة! أيّ انحراف أخبث من الاتّفاق مع أعداء الله والغرباء! إذ منذ عدّة أشهر اتّفق ناقض الميثاق مع فئة وأعدّوا تقريرًا ولم يتركوا شيئًا من الافتراء والبهتان إلا وذكروه فيه وقالوا: إنّ عبد البهاء - والعياذ بالله - هو العدوّ الصّائل عَلَى مركز السّلطنة العظمى ولا يريد بها غير السّوء. ولا حصر للمفتريات العديدة الشّديدة من هذا القبيل والَّتي شوّشت أفكار الحكومة السّلطانيّة إلى أن جَاءَت فِي النّهاية هيئة تفتيش من مركز الحكومة وقامت بالتّفتيش، عَلَى غير عادة إنصاف المليك وعدله، حيث أجرته بنهاية الاعتساف، بمعنى أنّه اجتمع بالهيئة أعداء الحقّ وأعطوها تفاصيل وشروحًا تفوق ما ورد فِي التّقرير. وقد أخذت الهيئة بها من دون تحقيق وهي أنّ هذا العبد، معاذ الله، قد رفع عَلَمًا فِي هذه المدينة ودعا النّاس إلى الاجتماع تحت ذلك العَلَمْ لتأسيس سلطنة جديدة وأنّه أنشأ قلعة عَلَى جبل الكرمل، وقد تبعه وأطاعه جميع أهالي هذه الجهات، وعمل عَلَى تفريق الدّين الإسلاميّ وعقد عهدًا مع المسيحيّين وقصد – معاذ الله – أن يحدث الثّلمة الكبرى فِي السّلطنة العظمى، وإلى ما هنالك من تلك المفتريات، أعاذنا الله من هذا الإفك العظيم. والحال إنّنا ممنوعون بالنّصوص الإلهيّة عَنْ الفساد ومأمورون بالصّلح والصّلاح ومجبورون عَلَى المصادقة والمحبّة والمسالمة مع جميع الأقوام وأمم الآفاق وعلى إطاعة الحكومة ومحّبة الخير لها. فخيانة السّلطنة العادلة خيانة الحقّ وطلب السّوء للحكومة تمرّد عَلَى أمر الله. فمع وُجُود هذه النّصوص القاطعة كيف يخطر ببال أمثالنا المسجونين مثل هذا التّصور الباطل. وبما أنّنا مسجونون فِي هذا السّجن فكيف يتسنّى لنا مثل هذه الخيانة ولكن ما الفائدة وهيئة التّفتيش صدّقت هذه المفتريات من أخي وعمّال السوء وقدّمتها إلى حضرة المليك. ولا يزال هذا المسجون محاطًا بالطّوفان الأعظم إلى أن تصدر إرادة حضرة السّلطان أيّده الله عَلَى العدل، إِمّا لي وَإِمَّا عَلَيَّ. وفي كلّ حال فإنّ عبد البهاء فِي نهاية السّكون والاستقرار، مستعدّ لتضحية الرّوح بغاية التّسليم والرّضاء.
فأيّ انحراف أشنع وأفظع وأقبح من هذا! وهكذا يفكّر مركز البغضاء فِي قتل عبد البهاء كما هو ثابت بخطّ ميرزا شعاع طيّ هذه الوصيّة وهو يثبت ويوضّح أنّهم حقًّا يعملون بكمال التّدبير عَلَى القتل. وهاكم نصّ عبارة ميرزا شعاع كما رُقمت فِي مكتوبه (إنّني فِي كلّ حين ألعن كلّ من سبّب هذا الاختلاف وأنطق قائلاً: ربّي لا ترحمه! وآمل أن يظهر سريعًا مظهر "يبعث"، ولو أنّه ظاهرٌ مشهود من غير التباس. وإنّني لا أستطيع زيادة فِي الشرح). والمقصود من هذه العبارة، الآية المباركة: (من ادّعى قبل الألف). ومنها يتّضح كيف يترصّدون لقتل عبد البهاء. ومن قوله: (لا أستطيع زيادة فِي الشرح) يفهم بالفراسة ما اتّخذوه من التّمهيد والتّدبير بهذا الصّدد. فإذا بيّنوا أكثر من ذلك، ربّما تقع الورقة فِي اليد فيحبط ذلك التّمهيد وذلك التّدبير. وهذه العبارة هي لمجرّد التّبشير بأنّ كافّة التّدابير والقرارات قد اتّخذت بهذا الصّدد.
إِلهِي إِلهِي تَرَى عَبْدَكَ المَظْلُومَ بَيْنَ مَخالِبِ سِباعٍ ضارِيَةٍ وَذِئابٍ كاسِرَةٍ وَوُحُوشٍ خاسِرَةٍ. رَبِّ وَفِّقْنِي فِي حُبِّكَ علَى تَجَرُّعِ هذِهِ الكَأَسِ الطَّافِحَةِ بصَهْبآءِ الوَفآءِ المُمْتَلِئَةِ بِفَيْضِ العَطآءِ حَتَّى يَحْمَرَّ قَمِيصِي بِدَمِي طَرِيحًا عَلَى التُّرابِ صَرِيعًا لا حَراكَ لِلأَعْضآءِ، هذا مُنَائِي وَرَجَائي وَأَمِلِي وَعِزِّي وَعَلائي، وَلْيَكُنْ خاتِمَةُ حَياتِي خِتامَ مِسْكٍ يا رَبِّي وَمَلاذِي. وَهَلْ مِنْ مَوْهِبَةٍ أعْظَمُ مِنْ هَذَا؟ لا وَحَضْرةِ عِزِّكَ، وَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّنِي أَذُوقُ هذِهِ الكَأْسَ فِي كُلِّ الأَيَّامِ بِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدِي الَّذِينَ نَقضُوا المِيثاقَ وأَعْلَنُوا الشِّقَاقَ وَأَظْهَرُوا النِّفاقَ وَأَظْهَرُوا فِي الأَرْضِ الفَسادَ وَما رَاعُوا حُرمَتَكَ بَيْنَ العِبادِ. رَبِّ احْفَظْ حِصْنَ دِينِكَ المُبِينِ مِنْ هَؤلاءِ النَّاكِثينَ، وَاحْرُسْ حِماكَ الحَصِينَ مِنْ عُصْبَةِ المَارِقين، إِنَّكَ أَنْتَ القَوِيُّ المُقْتَدِرُ العَزِيزُ المَتِينُ.
وبالاختصار يا أحباء الله، إنّ مركز النّقض – الميرزا محمّد علي – قد سقط وانفصل من الشّجرة المباركة وفقًا للنّصّ القاطع الإلهيّ بسبب هذه الانحرافات الَّتي لا تُحصى. وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِنْ كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
إِلهِي إِلهِي، احفَظْ عبادَك الأُمنآءَ مِنْ شَرِّ النَّفسِ وَالهَوى وَاحْرُسْهمْ بِعَينِ رعايَتِكَ من الحِقدِ وِالحَسَدِ وَالبَغضآءِ وَأَدْخِلْهُم فِي حِصنِ كِلاءَتِكَ الحَصِينِ مِنْ سِهَامِ الشُّبُهاتِ وَاجْعَلْهُمْ مَظاهِرَ آياتِكَ البَيِّناتِ وَنَوِّرْ وجُوهَهُمْ بِشُعاعٍ سَاطِعٍ مِنْ أُفُقِ تَوْحِيدِكَ، وَاشْرَحْ صُدُورَهُمْ بِآياتٍ نازِلةٍ مِنْ مَلَكُوتِ تَفْريدِكَ وَاشْدُدْ أُزُورَهُمْ بقُوَّةٍ نَافِذَةٍ مِنْ جَبَرُوتِ تَجْرِيدِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الفَضَّالُ الحَافِظُ القَوِيُّ العَزِيزُ.
أيّها الثّابتون عَلَى الميثاق. إذا قصد هذا الطّائر المظلوم المكسور الجناح الملأ الأعلى، وأسرع إلى عالم الخفا واستقرّ جسده تحت أطباق التّراب أو فُقد، فعلى الأفنان الثّابتين الرّاسخين فِي ميثاق الله الذين نبتوا من سدرة التّقديس أن يقوموا بالاتّفاق مع حضرات أيادي أمر الله عليهم بهاء الله، ومع جميع الأنصار والمحبّين عَلَى نشر نفحات الله وتبليغ أمر الله وترويج دين الله قلبًا وروحًا ولا يصبرون دقيقة ولا يستريحون آنًا، وينتشرون فِي الممالك والدّيار ويطوفون كلّ البلاد ويجوسون خلال الأقاليم لا يستقرّون دقيقة ولا يهدأون آنًا ولا تطلب نفس الرّاحة، وتعلو منهم فِي كلّ صقعٍ صيحة – يا بهاء الأبهى – وتطبق الآفاق شهرتهم فِي كلّ البلاد، ويكونون شموعًا مضيئة فِي كلّ نادٍ، ويشعلون نار العشق فِي كلّ محفل كي تشرق أنوار الحقّ فِي قطب الآفاق وتدخل أمم الشّرق والغرب أفواجًا فِي ظلّ كلمة الله، وتهبّ نفحات القدس وتستنير الوجوه وتصير القلوب ربّانيّة والنّفوس رحمانيّة، ويجب اعتبار أهميّة أمر التّبليغ – فإنّه أسّ الأساس. لأنّ أهمّ الأمور فِي هذه الأيّام هداية الملل والأمم، وإنّ هذا العبد المظلوم مشغول ليلاً ونهارًا بالتّرويج والتّشويق، ولم يسكن دقيقة حتّى أحاط الآفاق صيت أمر الله وأيقظت الشّرق والغرب نفحات الملكوت الأبهى، فيجب عَلَى أحبّاء الله أن ينسجوا عَلَى هذا المنوال. هذا هو شرط الوفاء، هذا ما تقتضيه عبوديّة عتبة البهآء. إنّ حواريّي حضرة الرّوح قد نسوا أنفسهم وجميع شؤونهم بالكلّيّة وتركوا بهجتهم وراحتهم وتقدّسوا وتنزهوا عَنْ الهوس والهوى وبرّأوا أنفسهم من كلّ علقة وانتشروا فِي الممالك والدّيار وقاموا عَلَى هداية من عَلَى الأرض حتّى جعلوا العالم عالمًا جديدًا وأناروا عالم التّراب وضحّوا بآخر نسمة من حياتهم فِي سبيل محبوب القلوب الرّحمانيّ واستشهد كلّ واحد منهم فِي جهة. فَبِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ.
يا أحبّائي الأودّاء، بعد فقدان هذا المظلوم، يجب عَلَى أغصان السّدرة المباركة وأفنانها وأيادي أمر الله وأحبّاء الجمال الأبهى أن يتوجّهوا إلى فرع السّدرتين النّابت من الشّجرتين المقدّستين المباركتين – الّذي برز إلى الوجود من اقتران فرعيّ الدّوحتين الرّحمانيّتين يعني – شوقي أفندي – إذ هو آية الله والغصن الممتاز ووليّ أمر الله ومرجع جميع الأغصان والأفنان وأيادي أمر الله وأحبّاء الله ومبيّن آيات الله ومن بعده بكرًا بعد بكرٍ يعني من سلالته، والفرع المقدّس - أي وليّ أمر الله – وبيت العدل العمومي الّذي يؤسّس ويشكّل بانتخاب العموم، كلاهما تحت حفظ وصيانة الجمال الأبهى وحراسة العصمة الفائضة من حضرة الأعلى، روحي لهما الفداء، كلّ ما يقرّرانه من عند الله. مَنْ خَالَفَهُ وَخَالَفَهُمْ فَقَدْ خالَفَ اللهَ، وَمَنْ عَصَاهُمْ فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ عَارَضَهُ فَقَدْ عَارَضَ اللهَ، وَمَنْ نازَعَهُمْ فَقَدْ نازَعَ اللهَ، وَمَنْ جادَلَهُ فَقَدْ جادَلَ اللهَ، وَمَنْ جَحَدَهُ فَقَدْ جَحَدَ اللهَ، وَمَنْ أَنْكَرَهُ فَقَدْ أَنْكَرَ اللهَ، وَمَنْ انْحازَ وَافْتَرَقَ وَاعْتَزَلَ عَنْهُ، فَقَدِ اعْتَزَلَ وَاجْتَنَبَ وَابْتَعَدَ عَن اللهِ، عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ، عَلَيْهِ قَهْرُ اللهِ، وَعَلَيْهِ نَقْمَةُ اللهِ.
إنّه بطاعة من هو وليّ أمر الله يبقى حصن أمر الله المتين محفوظًا ومصونًا. فيجب على أعضاء بيت العدل وجميع الأغصان والأفنان وأيادي أمر الله كمال الطّاعة والتّمكين والانقياد والتّوجه والخضوع والخشوع لوليّ أمر الله. فأيّ نفس خالفت فقد خالفت الحقّ وكانت سبب تشتيت أمر الله وعلّة تفريق كلمة الله ومظهرًا من مظاهر مركز النّقض. حذارِ من أن يحدث مثل ما حدث بعد الصّعود حيث أبى مركز النّقض واستكبر فقد أدّعى التّوحيد المصطنع وحرم نفسه وشوّش الأفكار وسمّ النفوس ولا شكّ أنّ كلّ مغرور أراد الفساد والتّفرقة، لا يقول صراحة إنّ له غرضًا، بل لا بد أن ينتحل أسبابًا ويتوسّل بذرائع عدّة كالعسجد المغشوش فيكون سبب تفريق جمع أهل البهاء. فالمقصود أنّه يجب أن يكون أيادي أمر الله يقظين، ويُخرجوا من جمع أهل البهاء فورًا أيّ شخص بمجرّد اعتراضه عَلَى وليّ أمر الله ومخالفته له، ولا يقبلون منه أبدًا أيّ عذر كان. فكثيرًا ما يتمثّل الباطل المحض بصورة الخير لإلقاء الشّبهات.
يا أحبّاء الله، يجب عَلَى وليّ أمر الله أن يعيّن فِي زمان حياته من هو بعده لكيلا يحصل الاختلاف بعد صعوده. والشّخص المعيّن يجب أن يكون مظهر التّقديس والتّنزيه وتقوى الله والعلم والفضل والكمال. لهذا إذا لم يكن الولد البكر لوليّ أمر الله مظهر الولد سرّ أبيه، يعني ليس من عنصره الرّوحاني ولم يجتمع شرف الأعراق بحسن الأخلاق، فيجب أن ينتخب غصنًا آخر. وعلى أيادي أمر الله أن ينتخبوا تسعة أفراد من جمعهم ليشتغلوا عَلَى الدّوام بالخدمات المهمّة لوليّ أمر الله. ويتحقّق انتخاب هؤلاء التّسعة إما باتّفاق مجمع أيادي أمر الله أو بأكثرية الآراء. وعلى هؤلاء التّسعة أن يصدّقوا، إما بالاتّفاق أو بأكثرية الآراء عَلَى الغصن المنتخب الّذي يعيّنه وليّ أمر الله بعده. ويجب أن يتمّ هذا التّصديق بحيث لا يعلم المصدّق من غير المصدّق.
أيّها الأحباء، عَلَى وليّ أمر الله أن يسمّي أيادي أمر الله ويعيّنهم ويجب عَلَى الكلّ أن يكونوا فِي ظلّه وتحت حكمه. فإذا تمرّد أحد من الأيادي أو غيرهم، وأراد الانشقاق فعليه غضب الله وقهره لأنّه يكون سبب تفريق دين الله. ووظيفة أيادي أمر الله هي نشر نفحات الله وتربية النفوس بتعليم العلوم وتحسين أخلاق العموم والتّقديس والتّنزية فِي جميع الشّؤون. ويجب أن تتجلّى واضحة تقوى الله من أطوارهم وأحوالهم وأعمالهم وأقوالهم. ومجمع الأيادي هذا هو تحت إدارة ولي أمر الله الّذي عليه أن يحضّهم دائمًا عَلَى السّعي والجدّ والجهد فِي نشر نفحات الله وهداية من عَلَى الأرض، لأنّ جميع العوالم تضيء بنور الهداية. ولا يجوز الفتور دقيقة فِي هذا الأمر المفروض عَلَى كلّ نفس حتّى يصبح عالم الوجود جنّة الأبهى ويصير وجه الغبراء فردوسًا أعلى ويزول النّزاع والجدال من بين الأمم والملل والشّعوب والقبائل والدّول، ويصير كلّ من عَلَى الأرض ملّة واحدة وجنسًا واحدًا ووطنًا واحدًا، وإذا حصل اختلاف، فعلى المحكمة العموميّة المشتملة عَلَى أعضاء من جميع الدّول والملل أن تفصل فِي الدّعوى، وحكمها هو القاطع.
يا أحبّاء الله، إنّ النّزاع والجدال ممنوع فِي هذا الدّور المقدس، وكلّ متجاوز محروم، ويجب معاملة جميع الطّوائف والقبائل سواء أكانوا من الأحبّاء أو الأغيار بنهاية المحبّة والصِّدْقِ والأمانة وبالمودّة القلبيّة حتّى تكون المحبّة والرّعاية بدرجة يرى غير الحبيب نفسه حبيبًا، والعدوّ نفسه صديقًا بمعنى أنّه لا يرى تفاوتًا فِي المعاملة أبدًا لأنّ الإطلاق أمر إلهيّ والتّقييد من خصائص الإمكان. لهذا يجب أن تظهر الفضائل والكمالات من حقيقة كلّ إنسان ويشمل نورها العموم. وكما أنّ نور الشّمس يشرق عَلَى العالم وأمطار الرّحمة الإلهيّة تفيض عَلَى كلّ الأمم ونسيم الحياة المنعش يحيي كلّ ذي روح، والمائدة الإلهيّة ممدودة لجميع الكائنات الحيّة. هكذا يجب أن تشمل عواطف عباد الله وألطافهم جميع البشر بنحو الإطلاق. ففي هذا المقام يمتنع التّقييد والتّخصيص بالمرّة. إذًا، أيها الأحبّاء الأودّاء، يجب أن تعاملوا جميع الملل والطّوائف والأديان بكمال المحبّة والخلوص والصّداقة والوفاء والمودّة ملتمسين الخير لهم حتّى يصبح عالم الوجود ثملاً من كأس فيض البهآء وتُمحى الجهالة والعداوة والبغضاء والأحقاد من عَلَى وجه الأرض، وتُبدَّلَ ظلمة التّفرقة بين جميع الشّعوب والقبائل بأنوار الوحدة. فإذا عاملكم سائر الملل والطّوائف بالجفاء فعاملوهم بالوفاء، أو الظّلم فبالعدل، وإن اجتنبوكم فاجتذبوهم، وإن أظهروا لكم العداوة قابلوهم بالمحبّة، وإن أعطوكم السّمّ فامنحوهم الشّهد، وإذا جرحوكم فكونوا مرهمًا. هذه صِفَةُ المُخلِصينَ وَسِمَةُ الصَّادِقِينَ.
أمّا بيت العدل الّذي جعله الله مصدر كلّ خير ومصونًا من كلّ خطأ، فيجب أن يُنتخب انتخابًا عامًّا وأن يُشكّل من النّفوس المؤمنة، ويجب أن يكون أعضاؤه مظاهر تقوى الله ومطالع العلم والنّهى ومن الثّابتين فِي دين الله والمحبّين لخير جميع نوع الإنسان. والمقصود ببيت العدل هو بيت العدل العموميّ وذلك يعني أن تُشكّل فِي جميع البلاد بيوت عدل خصوصيّة وهذه تنتخب بيت العدل العموميّ. وهذا المجمع هو مرجع كلّ الأمور ومؤسّس القوانين والأحكام الَّتي لم ترد فِي النّصوص الإلهيّة. وفي هذا المجلس تحلّ جميع المسائل المُشكلة. ووليّ أمر الله هو الرّئيس المُقدّس لهذا المجلس والعضو الأعظم الممتاز الذي لا ينعزل. وإذا لم يحضر بذاته الاجتماعات فيختار نائبًا ووكيلاً عنه، وإذا اقترف أحدُ الأعضاء ذنبًا يلحق ضرّه العموم. فأمرُ إخراجه لوليّ أمر اللهِ خاصّة وأمّا انتخاب غيره فمن حقّ الأمة. وبيت العدل هذا هو مصدر التّشريع، والحكومة هي القوّة التّنفيذيّة. والتّشريع يجب أن يكون مؤيّدًا بالتّنفيذ، والتّنفيذ يجب أن يكون ظهيرًا ومعينًا للتّشريع حتّى يحصل من ارتباط هاتين القوّتين والتئامهما متانة دعائم العدل والإنصاف ورزانته، فتصير الأقاليم جنّة نعيم وفردوسًا أعلى.
رَبِّ وَفِّقْ أَحِبَّاءَكَ عَلى الثَّبُوتِ عَلى دِينِكَ وَالسُّلُوكِ فِي سَبِيلِكَ وَالاسْتِقَامَةِ عَلَى أَمْرِكَ، وَأَيِّدْهُمْ عَلَى مُقاوَمَةِ النَّفْسِ وَالهَوى وَاتِّباعِ نُورِ الهُدَى، إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ العَزيزُ القَيُّومُ، وَإِنَّكَ أَنْتَ الكَريمُ الرَّحِيمُ العَزِيزُ الوَهَّابُ.
يا أحبّاء عبد البهآء، إنّ حضرة ذي الجلال قد مَنَّ عَلَى عباده بمحض ألطافه الَّتي لا نهاية لها بتعيين حقوق اللهِ، وإلا فالحقّ وعباده مستغنون عن الكائنات، والله غنيّ عن العالمين. وفرض الحقوق إنّما هو سبب لثبوت النّفوس ورسوخها وحصول البركة فِي جميع الشّؤون، وترجع حقوق الله إلى وليّ أمر الله لتُصرف فِي نشر نفحات الله وارتفاع كلمة الله والأعمال الخيريّة والمنافع العموميّة.
يا أحبّاء الله، إنّ الواجب عليكم الخضوع لسلطان كلّ ذي تاج عادل، والخشوع للسّدّة الملوكيّة من كلّ ملك كامل، وخدمة الملوك بمنتهى الصّداقة والأمانة مطيعين محبّين للخير غير متداخلين فِي الشّؤون السّياسيّة إلا بإذن وإجازة منهم، لأنّ خيانة كلّ سلطان عادل هي خيانة الله. هَذِهِ هِيَ نَصِيحَةٌ مِنِّي وَفَرْضٌ عَلَيكُم مِن اللهِ. فَطُوبَى لِلْعَامِلِينَ. ع ع
هذه الورقة كَانَتْ محفوظة بباطن الأرض مدّة وأثّرت فيها الرّطوبة وعند إخراجها لوحظ أنّ الرطوبة أثّرت فِي بعض المواقع فيها، وإذ كَانَتْ البقعة المباركة فِي أشدّ حالات الانقلاب، فقد تركت الورقة عَلَى حالها. ع ع
رَبِّ وَرَجائِيْ وَمُغِيثِي وَمُنائِي وَمُجِيرِي وَمُعِينِي وَمَلاذِي، تَرَانِيْ غَرِيقًا فِي بِحَارِ المَصائِبِ القَاصِمَةِ لِلظُّهُورِ وَالرَّزايَا الْمُضَيِّقَةِ لِلصُّدُورِ وَالبَلايا المُشَتِّتَةِ لِلشَّمْلِ وَالمِحَنِ وَالآلامِ المُفَرِّقةِ لِلجَمْعِ. وَأحاطَتْنِي الشَّدائِدُ مِنْ جَمِيعِ الجِهَاتِ وِأَحْدَقَتْ بِي المَخَاطِرُ مِن كُلِّ الأطرافِ خَاِئضًا فِي غِمارِ الطَّامَّةِ الكُبرَى، واقِعًا فِي بِئرٍ لا قَرارَ لَهَا، مُضْطَهَدًا مِنَ الأَعدآءِ، ومُحْتَرِقًا فِي نِيرانِ البَغضآءِ مِنْ ذَوِي القُربَى، الَّذِينَ أَخَذْتَ مِنهُم العَهْدَ الوَثِيقَ وَالمِيثَاقَ الغَليظَ أَنْ يَتَوجَّهُوا بِالقُلُوبِ إِلى هَذَا المَظْلُومِ، ويَدْفَعوا عَنِّي كُلَّ جَهُولٍ وَظَلومٍ، وَيُرْجِعُوا ما اخْتَلَفوا فِي الكِتابِ إِلى هَذا الفَرِيدِ الوَحِيدِ حَتّى يَظْهَرَ لَهُمُ الصَّوابُ، وَتَنْدَفِعَ الشُّبُهَاتُ، وَتَنْتَشِرَ الآيَاتُ. وَلكِنَّهُمْ، يَا إِلهِي، تَراهُمْ بِعَينِكَ الَّتي لا تَنامُ نَقَضُوا المِيثَاقَ وَنَكَصُوا عَلَى الأَعقَابِ، وَنَكَثُوا العَهْدَ بِكلِّ بُغْضٍ وَشِقاقٍ، وَقامُوا عَلَى النِّفاقِ وَاشْتَدَّ بِذَلِكَ السَّاقُ بِالسَّاقِ، وَقَامُوا عَلَى قَصْمِ ظَهِري وَكَسرِ أَزرِي بِظُلْمٍ لا يُطَاقُ، وَنَشَرُوا أَورَاقَ الشُّبُهاتِ وَافتَرَوْا عَلَيَّ بكُلِّ كِذْبٍ واعتِسافٍ. وَلَمْ يَكتَفُوا بِذَلِكَ، بَلْ زَعيمُهُمْ تَجاسَرَ يا إِلهي بِتَحْريفِ الكِتابِ وَتَبْدِيلِ فَصْلِ الخِطَابِ وَتَبعيضِ آثارِ قَلَمِكَ الأَعلَى وتَلصِيقِ مَا كَتَبْتَهُ بِحَقِّ أَوَّلِ ظَالِمٍ ظَلَمَكَ وأَنْكَرَكَ وَكَفَرَ بِآياتِكَ الكُبْرَى بِما أَنْزَلْتَهُ بِحَقِّ عَبْدِكَ المَظْلُومِ فِي الآفاقِ حَتَّى يَخْدَعَ النَّاسَ وَيُوَسْوِسَ فِي صُدُورِ أَهْلِ الإِخْلاصِ. كَما أَقَرَّ وَاعتَرَفَ بِهِ زَعيمُهُم الثَّانِي بِخَطِّهِ وَخَتْمِهِ وَنَشَرَهُ فِي الآفاقِ، فَهَلْ يا إِلهِي ظُلمٌ أَعظَمُ مِن هَذَا؟ وَلَمْ يَكتَفُوا بِذَلِكَ، بَلْ سَعَوْا بِكُلِّ فَسادٍ وعِنَادٍ وَكِذْبٍ وَبُهتَانٍ وَافْتِرآءٍ وَازْدِراءٍ عِنْدَ الحُكُومةِ بِهَذا القُطْرِ وسَائِرِ الجِهاتِ وَنَسَبُوا إِليَّ الفَسادَ وَمَلأُوا الآذانَ بما تَشْمَئِزُّ مِنه الأَسْماعُ. فَخَشِيَتِ الحُكُومَةُ وخَافَ السُّلطَانُ وَتَوَهَّمَ الأَعْيَانُ فَضاقَتِ الصُّدُورُ وَتَشَوَّشَتِ الأُمورُ وَاضْطَرَبَتِ النُّفُوسُ وَاضْطَرَمَتْ نيران الحَسْرَةِ وَالأَحْزَانِ فِي القُلُوبِ وَتَزَلْزَلَتْ وَتَفَرَّقَتْ أَرْكَانُ الأَوْرَاقِ المُقَدَّسَةِ فَسَالَتْ أَعْيُنُهُنَّ بِالعَبَراتِ وَصَعِدَتْ مِنْ قُلُوبِهِنَّ الزَّفَراتُ واحْتَرَقَتْ أَحْشَاؤُهُنَّ بِنارِ الحَسَراتِ حُزْنًا عَلَى عَبْدِكَ المَظْلُومِ بِأَيْدِي هَؤلآءِ الأَقْرِبآءِ الأَعْدَاءِ.
تَرَى يا إِلهِي يَبْكِي عَلَيَّ كُلُّ الأَشْياءِ، وَيَفْرَحُ بِبَلائِي ذَوُو القُرْبَى، فَوَعِزَّتِكَ يَا إِلهِي، بَعْضُ الأَعْداءِ رَثَوْا عَلَى ضُرِّي وَبَلائِي، وَبَكَوْا بَعْضُ الحُسَّادِ عَلَى كُرْبَتِي وَغُرْبَتِي وَابْتِلائِي، لأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا مِنِّي إِلا كُلَّ مَوَدَّةٍ وَاعْتِنآءٍ، وَلَمْ يُشاهِدُوا مِنْ عَبْدِكَ إِلاَّ الرَّأْفَةَ وَالوَلآءَ. فَلَمَّا رَأَوْنِي خَائِضًا فِي عُبابِ المَصَائِبِ وَالبَلاءِ وَهَدَفًا لِسِهامِ القَضاءِ، رَقَّوْا لي وَتَدَمَّعَت أَعْينُهُمْ بِالبُكاءِ وَقالُوا: نَشْهَدُ بِاللهِ بأَنَّنا ما رَأَيْنَا مِنْهُ إِلاَّ وَفاءً وَعطاءً وَالرَّأْفَةَ الكُبْرَى، وَلكِنَّ النّاقِضِينَ النَّاعِقِينَ زادُوا فِي البَغْضآءِ وَاسْتَبشَروا بِوُقُوعِي فِي المِحْنَةِ العُظْمَى وَشَمَّرُوا عَنِ السَّاقِ وَاهْتَزُّوا طَرَبًا مِنْ حُصُولِ حَوادِثَ مُحْزِنَةٍ لِلْقُلُوبِ وَالأَرْواحِ.
رَبِّ إِنّي أَدْعُوكَ بِلِسانِي وَجِنانِي أَنْ لا تُؤآخِذَهُم بِظُلْمِهِمْ وَاعْتِسَافِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ وَشِقَاقِهِمْ لأنَّهُمْ جُهَلآءُ بُلَهآءٌ، لا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ وَلا يُمَيِّزُونَ العَدْلَ وَالإِنْصافَ عَنِ الفَحْشآءِ وَالمُنْكَرِ وَالاعْتِسَافِ، يَتَّبِعُونَ شَهَواتِ أَنْفُسِهِم وَيَقْتَدُونَ بِأَنْقَصِهِم وَأَجْهَلِهِمْ. رَبِّ ارْحَمْهُمْ وَاحْفَظْهُمْ مِنَ البَلاءِ بِهَذا الأَثْناءِ، وَاجْعَلْ جَميعَ المِحَنِ وَالآلامِ لِعَبْدِكَ الوَاقِعِ فِي هَذِهِ البِئْرِ الظَّلمآءِ، وَخَصِّصْنِي بِكُلِّ بَلاءٍ وَاجْعَلْنِي فِداءً لِجَمِيعِ الأَحِبَّاءِ فَدَيْتُهُمْ بِرُوحِي وَذَاتِي وَنَفْسِي وَكَيْنونَتي وَهُوِيَّتِي وَحَقِيقَتِي، يا رَبِّيَ الأَعْلَى.
إِلهِي إِلهِي، إِنِّي أُكِبُّ بوَجهِي عَلى تُرابِ الذُّلِّ والانْكِسَارِ وَأَدْعُوكَ بِكُلِّ تَضَرُّعٍ وَابْتِهَالٍ، أَنْ تَغْفُرَ لِكُلِّ مَنْ آذانِي وَتَعْفُوَ عَنْ كُلِّ مَنْ أَرادَنِي بِسُوءٍ وَأَهانَنِي، وتُبَدِّلَ سَيِّئاتِ كُلِّ مَنْ ظَلَمَنِي بِالحَسَناتِ وَتَرْزُقَهُم مِنَ الخَيراتِ وَتَقَدِّرَ لَهُم كلَّ المَسَرّاتِ وَتُنْقِذَهُم مِنَ الحَسَراتِ وَتُقَدِّرَ لَهُم كلَّ راحةٍ ورَخاءٍ وتَخْتَصَّهُمْ بِالعَطآءِ وَالسَّراءِ إِنَّكَ أَنْتَ المُقتَدِرُ العَزيزُ المُهَيْمِنُ القَيُّوم.
أيّها الأحبّاء الأعزّاء، أنا الآن في خطر عظيم، وأمل ساعة في الحياة مفقود. فاضطررت لتحرير هذه الورقة حفظًا لأمر الله وصيانة لدينه وحفظًا لكلمته وصونًا لتعاليمه. قسمًا بجمال القدم، إنّ هذا المظلوم كان وعلى الدّوام، لا يحمل بغضًا ولا يضمر سوءًا لأحد ولم أذكر إلا كلمة الخير. غير أنّي مكلّف أشد التّكليف ومضطرّ ومجبر على حفظ أمر الله وصيانته ووقايته. لهذا، وأنا في نهاية الحسرة والأسف، أوصيكم أن تحافظوا على أمر الله وتصونوا شريعة الله وتتجنّبوا الاختلاف كلّ التّجنّب فأساس عقائد أهل البهاء روحي لهم الفدآء، هو أنّ حضرة الرّبّ الأعلى مظهر الوحدانيّة والفردانيّة الإلهيّة ومبشّر جمال القدم، وحضرة جمال الأبهى، روحي لأحبّائه الثّابتين فداء، المظهر الكلّيّ الإلهيّ ومطلع الحقيقة المقدّسة الرّبّانيّة، وما دون كلّ عباد له وكلّ بأمره يعملون، ومرجع الكلّ الكتاب الأقدس وكلّ مسألة غير منصوصة ترجع إلى بيت العدل العموميّ، وكلّ ما يقرّره بيت العدل بالاتّفاق أو باكثريّة الآراء هو حقّ وهو مراد الله. من تجاوز عنه فهو ممّن أحبّ الشّقاق وأظهر النّفاق وأعرض عن ربِّ الميثاق. والمراد هو بيت العدل العموميّ الّذي يُنتخب من جميع البلاد، وذلك يعني أنّ أحّباء الشّرق والغرب الموجودين ينتخبون الأعضاء بقاعدة الانتخاب المصطلح عليها في بلاد الغرب كالإنجليز ويجتمع هؤلاء الأعضاء فِي مكان ويتذاكرون في كلّ ما وقع فيه الاختلاف أو في المسائل المبهمة أو في المسائل غير المنصوصة وكلّ ما يقررونه هو كالنّصّ وحيث إنّ بيت العدل هو واضع قوانين المعاملات غير المنصوصة فهو أيضًا يستطيع نسخ تلك القوانين يعني أنّ بيت العدل يضع اليوم قانونًا في مسألة ويعمل به، ولكن بعد مائة سنة يحصل تغيّرٌ كلّيّ فِي الحالة العموميّة ويحصل اختلاف في الأزمان، فيستطيع بيت العدل الثّاني أن يبدّل تلك المسألة القانونيّة حسب اقتضاء الزّمان لأنّها لم تكن نصًّا صريحًا إلهيًّا فالواضع هو بيت العدل والنّاسخ أيضًا هو بيت العدل.
إنّ أعظم أساس لأمر الله هو الاجتناب والابتعاد عن النّاقضين لأنّهم يمحون أمر الله بالكلّيّة ويسحقون شريعة الله وتذهب جميع المتاعب سدًى. أيّها الأحباء، يجب الرّحمة بحضرة الأعلى والوفاء للجمال المبارك، يجب السّعي بكلّ القوى حتّى لا تذهب هدرًا جميع هذه البلايا المحن والصّدمات والدّماء النّقيّة الطّاهرة الَّتي سُفكت فِي سبيل الله. وإنّكم تعلمون ما فعله مركز النّقض – الميرزا محمّد علي – وأعوانه. فأحد أعمال هذا الشّخص تحريف الكتاب وهو ما عرفه الكلّ بحمد الله – وذلك مثبوت وواضح بشهادة أخيه – الميرزا بديع الله – الّذي كتبها وختمها وهي موجودة وثابتة ومطبوعة وهذه إحدى سيّئاته فهل يتصوّر انحراف أعظم من هذا الانحراف المنصوص؟ لا والله، وإنّ سيّئاته مرقومة فِي ورقة مخصوصة ستطّلعون عليها إن شاء الله. وباختصار فإنّ هذا الشّخص قد سقط بالنّص الإلهيّ، لمجرّد انحراف بسيط، فكيف به وقد هدم البنيان ونقض العهد والميثاق وحرّف الكتاب وألقى الشبهات وافترى على عبد البهآء وادّعى ادعاءآت ما أنزل الله بها من سلطان، وألقى الفساد وسعى فِي سفك دم عبد البهاء وغير ذلك ممّا يعلمه الجميع. ومعلوم أيضًا أنّ هذا الشّخص إذا وجد فرجة أو ثغرة ينفذ منها إلى هذا الأمر لكان سببًا فِي محوه وانعدامه بالكلّيّة، فحذار من التّقرّب من هذا الشّخص لأن التّقرّب إليه أفظع من الاقتراب من النّار.
سبحان الله، بعد أن أعلن الميرزا بديع الله نقض هذا الشخص بخطّه وأعلن تحريفه للكتاب، عاد فأظهر ندمه وأسفه لأنّه لم يستطع التّوفيق بين أهوائه النّفسانيّة وبين مقتضيات الإيمان والإذعان واتّباع العهد والميثاق وأراد أن يجمع أوراقه المطبوعة سرًّا واتّصل خفية بمركز النّقض وعكف على إطلاعه على ما يجري فِي البيت يوميًّا وكان له دخل كبير فِي الفساد الأخير. وبعد أن كانت الأمور قد انتظمت، والحمد لله، واستراح الأحبّاء نوعًا، ظهر الفساد مرّة أخرى من اليوم الذي عاد فيه هذا مرّة ثانية. وحرّرنا فِي ورقة أخرى بعضًا من أطواره وحركاته الَّتي ترمي إلى الفساد. والمقصود أنّ أنصار العهد والميثاق يجب أن يكونوا يقظين بعد هذا المظلوم حتّى لا يُحدث هذا الشّخص المُفسد ثغرة ويلقي الشّبهات والفساد سرًّا فيقتلع أمر الله من جذوره بالكلّيّة. فاحذروا ألبتّة بل مائة مرّة ألبتّة من معاشرته. ودقّقوا وراقبوا وابحثوا وافحصوا حتّى إذا كانت أيّة صلة لنفس به سرًّا أو جهرًا فأخرجوا ذلك الشخص أيضًا من بينكم لئلا يظهر الفساد والفتن.
يا أحبّاء الله اسعَوْا بالرّوح لكي تحفظوا أمر الله من هجوم النّفوس غير المخلصة. لأنّ أمثال هذه النّفوس يكونون سببًا لاعوجاج المستقيم من الأمور وعكس نتائج المساعي الخيرية.
إِلهِي إِلهِي، أُشْهِدُكَ وَأَنبياءَكَ وَرُسُلَكَ وَأَوليَاءَكَ وأَصفِيِاءَكَ بِأَنِّي أَتمَمْتُ الحُجَّةَ عَلَى أَحِبَّائِكَ وَبَيَّنْتُ لَهُم كُلَّ شَيْءٍ حَتّى يُحافِظوا عَلى دِينِكَ وَالطَّرِيقَةِ المُسْتَقِيمَةِ وَشَريعَتِكَ النَّوْراءِ إِنَّكَ أَنْتَ المُطَّلِعُ العَلِيمُ. ع ع
رَبِّ ومَحْبُوبِي ومَقْصُودِي، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ وَتَرى ما وَرَدَ علَى عَبْدِكَ المُتَذَلِّلِ بِبابِ أَحَدِيَّتِكَ وَمَا جَنَى عَلَيْهِ أَهْلُ الجَفاءِ النَّاقِضُونَ لِمِيثاقِ فَرْدَانِيَّتِكَ النَّاكِثُونَ لِعَهدِ حَضْرةِ رَحْمانِيَّتِكَ. إِنَّهُ ما مِنْ يَوْمٍ إِلاّ وَرَمَوْني بِسِهام البَغْضآءِ، وما مِنْ ليلٍ إِلاّ وبَيَّتُوا يُشاوِرونَ فِي ضُرِّي فِي السِّرِّ وَالخَفَى، وَمَا مِنْ صَباحٍ إِلاّ ارْتَكَبوا ما ناحَ بهِ الملأُ الأَعْلَى. وما مِنْ مَساءٍ إِلاّ أَنْ سَلَّوْا عَليَّ سَيْفَ الاعْتِسَافِ وَرَشَقُونِي بِنِصَالِ الافْتِراءِ عِنْدَ الأَشْقِيآءِ، مَعَ ذَلِكَ صَبَر عَبْدُك المُتَذَلِّلُ إِلَيْكَ وَاحْتَمَلَ مِنْهُمْ كُلَّ بَلاءٍ وَأَذَىً مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إِزْهاقِ كَلِمَتِهِمْ وَإِخْمَادِ جَمْرَتِهِم وَإِطْفاءِ نِيرانِ طُغْيَانِهِمْ بِقُوَّتِكَ وقُدْرَتِكَ. وَتَرَى يا إِلهِي لَمْ يَزِدْهُمْ صَبْرِي وَتَحَمُّلِي وَصَمْتِي إِلاَّ ظُلْمًا وَعُتُوًا وَاسْتِكبارًا. فَوَعِزَّتِكَ يا مَحْبُوبِي طَغَوْا وَبَغَوْا حَتّى لَمْ يَدَعُوني آنًا مُستَرِيحَ الفُؤآدِ سَاكِنَ الجأْشِ حَتَّى أَقُومَ عَلَى إِعْلاءِ كَلِمَتِكَ كما يَنْبغِي بَيْنَ الوَرَى وأَخْدِمَ عَتَبَةَ قُدْسِكَ بِقَلْبٍ طَافِحٍ بِسُرورِ أَهْلِ مَلَكُوتِ الأَبْهَى.
رَبِّ قَدْ طَفَحَ عَلَيَّ كَأْسُ البَلاءِ وَاشْتَدَّتِ اللَّطَماتُ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ الجِهاتِ وتَتابَعَتْ سِهامُ الرَّزِيَّةِ وَتَوَالَت أَسِنَّةُ المُصيبَةِ، فَعَجِزْتُ مِنَ الشَّدائِدِ وِوَهَنَتْ مِنِّي القُوى مِن هُجُومِ الشَّارِدِ وَالوارِدِ مِنَ الأَعْداءِ، وَأَنا فَريدٌ وَوَحيدٌ فِي هذِه المَواردِ، رَبِّ ارْحَمْنِي وَارْفَعْنِي إِلَيْكَ وَاسْقنِي كَأْسَ الفِداءِ فَقَدْ ضاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِرَحْبِها إِنَّكَ أَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَإِنّكَ أَنْتَ الفَضَّالُ الكَريمُ.
أيّها الأحبّاء المخلصون الحقيقيّون الموفون لهذا المظلوم، علمتم وشهدتم جميعًا ما وقع فيه هذا المظلوم والمسجون بعد صعود نيّر الآفاق واصطلائه بنار الفراق، من المصائب والبلايا من مساعي ناقضي الميثاق حتى إنّ جميع أعداء الحقّ من كلّ الجهات انتهزوا فرصة أفول شمس الحقيقة واتّخذوها غنيمة وهجموا هجمة واحدة بكلّ ما لديهم من قوّة وفي مثل هذه الحالة وتلك المصيبة قام النّاقضون بمنتهى الاعتساف عَلَى الأذيّة والبغضاء وأظهروا فِي كلّ لحظة مائة ألف جفاء. وقاموا عَلَى هدم بنيان الميثاق بفساد عظيم. وكان هذا المظلوم المسجون قائمًا بكمال الهمّة عَلَى السّتر والكتمان علّهم بذلك يرجعون ويندمون. ولكن الصّبر والتّحمّل عَلَى هذا الجفآء أدّى إلى زيادة جرأة أهل الطّغيان وجسارتهم حتّى إنّهم حرّروا أوراق الشّبهات بخطّهم ونشروها مطبوعة فِي جميع الآفاق، وظنّوا أنّ مثل هذا الهذيان يكون سبب انعدام العهد والميثاق، بناءً عَلَى ذلك نهض أحبّاء الله بكمال القوّة والوثوق وقاوموا أعداء الميثاق بقوّة ملكوتيّة وقدرة جبروتيّة وتأييد سماويّ وتوفيق صمدانيّ وموهبة ربّانيّة وأجابوا عَلَى رسالة الشّبهات والأوراق المهيّجة النّارية بالبراهين القاطعة والأدلّة الواضحة والنّصوص الإلهيّة بما يقرب من سبعين رسالة فَرَجَعَ كَيْدُ مَرْكَزِ النَّقْضِ إِلى نَحْرِهِ وَباءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِ الذِّلَّةُ وَالهَوانُ إِلَى يَوْمِ القِيامِ. فَتَبًّا وَسُحْقًا وَذُلاًّ لِقوْمٍ سُوءِ أَخْسَرينَ. وعندما خابوا وخسروا فِي سعيهم أمام أحباء الله ورأَوْا عَلَم الميثاق مرتفعًا فِي جميع الآفاق وشاهدوا قوّة ميثاق حضرة الرّحمن، شبّت فِي صدورهم نيران الحسد عَلَى شأنٍ لا يذكر بالبيان، واتّخذوا بكلّ ما استطاعوا من قوّة وبغض وعداوة طريقًا آخر وسلكوا سبيلاً آخر وأظهروا رأيًا آخر. وفكّروا فِي إشعال نار الفتنة عند الحكومة واتّهموا هذا المظلوم المسجون بالفساد ومعاندته للدّولة وبغضه وعدائه لسرير السّلطنة رجاء أن يعدم ويقتل عبد البهآء ويتّسع الميدان لأعداء الميثاق يجولون فيه ويصولون بخيلهم ويوقعون الجميع فِي الخسران ويهدمون بنيان أمر الله تمامًا من أساسه إذا سنحت لهم الفرصة. لهذا يجب عَلَى أحبّاء الله أن يجتنبوا ويحترزوا من هؤلاء بالمرّة ويقاوموا دسائسهم ووساوسهم ويحافظوا عَلَى شريعة الله ودين الله وأن يَهْتَمَّ جميع الأحبّاء بالسّعي فِي التّبليغ ونشر نفحات الله. وإن منع شخص أو محفل من المحافل نشر أنوار الإيقان ينصحهم أحبّاء الله بأنّ أعظم موهبة إلهية هي التّبليغ وهو سبب التّأييد وأوّل تكليف علينا فكيف نحرم أنفسنا عَنْ هذه الموهبة ولا نجعل أرواحنا وأموالنا وراحتنا وهدوءنا فداء للجمال الأبهى وتبليغ أمر الله ولكن بالحكمة المذكورة فِي الكتاب لا بخرق الأحجاب وعليكم البهاء الأبهى.
يا أحبّاء عبد البهاء الأوفياء، يجب أن تحافظوا كلّ المحافظة عَلَى فرع الشّجرتين المباركتين، وثمرة السّدرتين الرّحمانيّتين – شوقي أفندي – حتّى لا يغبّر خاطره النّوراني بغبار الكدر والحزن ويزداد فرحه وسروره وروحانيّته يومًا فيومًا وحتّى يصبح شجرة ذات ثمر، إذ إنّه هو وليّ أمر الله بعد عبد البهاء ويجب عَلَى الأفنان والأيادي وأحباء الله إطاعته والتّوجّه إليه. مَنْ عَصَى أَمْرَهُ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَقَدْ أَعْرَضَ عَنِ اللهِ وَمَنْ أَنْكَرَهُ فَقَدْ أَنْكَرَ الحَقَّ. حَذارِ أَنْ يُأَوِّل أحد هذه الكلمات ليتذرّع به كلّ ناقض ناكث فِي رفع عَلَم المخالفة أو يستبدّ برأيه ويفتح باب الاجتهاد كما حصل بعد الصّعود. فليس لنفس حقّ فِي رأي واعتقاد مخصوص، عَلَى الكلّ أن يقتبس من مركز الأمر وبيت العدل ومَا عَداهُمَا كُلُّ مُخالِفٍ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَعَلَيكُمُ البَهآءُ الأَبْهِى.
(عبدالبهاءعبّاس)