سُبْحَانَ مَنْ أَنْشَأَ الوُجُودَ وَأَبْدَعَ كُلَّ مَوْجُودٍ وَبَعَثَ المُخْلِصِينَ مَقَامًا مَحْمُودًا، وَأَظْهَرَ الغَيْبَ فِي حَيِّزِ الشُّهُودِ وَلَكِنَّ الكُلَّ فِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، وأسّس بنيان القصر المشيد والكور المجيد وخلق الخلق الجديد في حشر مبين والقوم في سكراتهم لغافلون، ونفخ في الصّور ونقر في النّاقور وارتفع صوت السّافور وصعق من في صقع الوجود والأموات في قبور الأجساد لراقدون، ثمّ نفخ النّفخة الأخرى وأتت الرّادفة بعد الرّاجفة وظهرت الفاجعة وذهلت كلّ مرضعة عن راضعها والنّاس في ذهولهم لا يشعرون، وقامت القيامة وأتت السّاعة وامتدّ الصّراط ونصب الميزان وحشر من في الإمكان والقوم في عمه مبتلون، وأشرق النّور وأضاء الطّور وتنسّم نسيم رياض الرّبّ الغفور وفاحت نفحات الرّوح وقام من في القبور والغافلون في الأجداث لراقدون، وسعّرت النّيران وأزلفت الجنان وأزدهت الرّياض وتدفّقت الحياض وتأنّق الفردوس والجاهلون في أوهامهم لخائضون، وكشف النّقاب وزال الحجاب وانشقّ السّحاب وتجلّى ربّ الأرباب والمحرومون لخاسرون، وهو الّذي أنشأ لكم النّشأة الأخرى وأقام الطّامّة الكبرى وحشر النّفوس المقدّسة في الملكوت الأعلى إنّ في ذلك لآيات لقوم يبصرون
ومن آياته ظهور الدّلائل والإشارات وبروز العلائم والبشارات وانتشار آثار الأخبار وانتظار الأبرار والأخيار وأولئك هم الفائزون
ومن آياته أنواره المشرقة من أفق التّوحيد وأشعّته السّاطعة من المطلع المجيد وظهور البشارة الكبرى من مبشّره الفريد إنّ في ذلك لدليل لائح لقوم يعقلون
ومن آياته ظهوره وشهوده وثبوته ووجوده بين ملأ الأشهاد في كلّ البلاد بين الأحزاب المهاجمة كالذّئاب وهم من كلّ جهة يهجمون
ومن آياته مقاومة الملل الفاخمة والدّول القاهرة وفريق من الأعداء السّافكة للدّماء السّاعية في هدم البنيان في كلّ زمان ومكان إنّ ذلك لتبصرة للّذين في آيات ٱللّه يتفكّرون
ومن آياته بديع بيانه وبليغ تبيانه وسرعة نزول كلماته وحكمه وآياته وخطبه ومناجاته وتفسير المحكمات وتأويل المتشابهات، لعمرك إنّ الأمر واضح مشهود للّذين ببصر الإنصاف ينظرون
ومن آياته إشراق شمس علومه وبزوغ بدر فنونه وثبوت كمالات شئونه وذلك ما أقرّ به علماء الملل الرّاسخون
ومن آياته صون جماله وحفظ هيكل إنسانه مع شروق أنواره وهجوم أعدائه بالسّنان والسّيوف والسّهام الرّاشقة من الألوف وإنّ في ذلك لعبرة لقوم ينصفون
ومن آياته صبره وبلاؤه ومصائبه وآلامه تحت السّلاسل والأغلال وهو ينادي إِلَيَّ إِلَيَّ يا ملأ الأبرار إِلَيَّ إِلَيَّ يا حزب الأخيار إِلَيَّ إِلَيَّ يا مطالع الأنوار، قد فتح باب الأسرار والأشرار في خوضهم يلعبون
ومن آياته صدور كتابه وفصل خطابه عتابا للملوك وإنذارا لمن هو أحاط الأرض بقوّة نافذة وقدرة ضابطة وانثلّ عرشه العظيم بأيّام عديدة وإنّ هذا لأمر مشهود مشهور عند العموم
ومن آياته علوّ كبريائه وسموّ مقامه وعظمة جلاله وسطوع جماله في أفق السّجن، فذلّت له الأعناق وخشعت له الأصوات وعنت له الوجوه وهذا برهان لم يسمع به القرون الأوّلون
ومن آياته ظهور معجزاته وبروز خوارق العادات متتابعا مترادفا كفيض سحابه وإقرار الغافلين بنفوذ شهابه، لعمره إنّ هذا الأمر ثابت واضح عند العموم من كلّ الطّوائف الّذين حضروا بين يديّ الحيّ القيّوم
وَمِنْ آياتِهِ سُطُوعُ شَمْسِ عَصْرِهِ وَشُرُوقِ بَدْرِ قَرْنِهِ فِي سَمَاءِ الأَعْصَارِ وَالأَوْجِ الأَعْلَى مِنَ القُرُونِ بِشُئُونٍ وَعُلُومٍ وَفُنُونٍ بَهَرَتْ فِي الآفاقِ وَذُهِلَتْ بِهَا العُقُولُ وَشَاعَتْ وَذَاعَتْ وَإِنَّ هَذَا لَأَمْرٌ مَحْتُومٌ. (عبدالبهاء عبّاس)