الطّبيعة هي كيفيّة أو حقيقة ينسب إليها بحسب الظّاهر الحياة أو الموت أو بعبارة أخرى يرجع إليها تركيب جميع الأشياء وتحليلها، وهي خاضعة لنظم صحيحة وقوانين ثابتة وترتيبات كاملة وهندسة بالغة لا تتجاوزها أبداً إلى درجة أنّك لو تلاحظ بنظر دقيق وبصر حديد تجد أنّ الكائنات في عالم الوجود من الذّرّات غير المرئيّة إلى أعظم الكرات الجسيمة ككرة الشّمس وسائر النّجوم العظيمة والأجسام النّورانيّة في نهاية درجة من الانتظام سواء من حيث التّرتيب أو التّركيب أو من حيث الهيئة أو الحركة، وتراها جميعاً تحت قانون كلّيّ واحد لا تتجاوزه أبداً، وإذا نظرت إلى الطّبيعة ذاتها، تجدها بلا شعور ولا إرادة، فمثلاً النّار طبيعتها الإحراق وتحرق بلا إرادة ولا شعور، والماء طبيعته الجريان ويسيل بلا إرادة ولا شعور، والشّمس طبيعتها الضّياء وتضيء بلا إرادة ولا شعور، والبخار طبيعته الصّعود ويصعد بلا إرادة ولا شعور، ويتّضح من هذا أنّ الحركات الطّبيعيّة لجميع الكائنات جبريّة، ليست لكائن ما حركة إراديّة سوى الحيوان ولا سيّما الإنسان، فالإنسان يقدر على مخالفة الطّبيعة ومقاومتها، لأنّه كشف طبائع الأشياء، وبذلك يحكم على الطّبيعة وأنّ ما وصل إليه من الاختراعات والصّنائع كانت نتيجة كشفه النّقاب عن طبائع الأشياء كاختراعه البرق (التّلغراف) الّذي اتّصل به الشّرق والغرب، ومن هذا نعلم أنّ للإنسان سلطاناً وحكماً على الطّبيعة.
فهل يمكن أن يقال أنّ تلك النّظم والتّرتيبات والقوانين الّتي تشاهدها في الوجود هي من تأثيرات الطّبيعة، مع أنّها لا إدراك لها ولا شعور؟ إذاً فالطّبيعة ليس لها إدراك ولا شعور وهي في قبضة الحقّ القدير، المدبّر لعالم الطّبيعة ويظهر منها ما يشاء.
يقولون إنّ من جملة الأمور الّتي تحدث في عالم الوجود من مقتضيات الطّبيعة هو وجود الإنسان، إن صحّ ذلك يكون الإنسان فرعاً والطّبيعة أصلاً، وهل من الممكن أن توجد إرادة وشعور وكمالات في الفرع ولا يوجد لها في الأصل؟ فتبيّن من هذا أنّ الطّبيعة من حيث ذاتها في قبضة الحقّ الحيّ القدير الّذي حكمها وأخضعها لقوانين ونظم ثابتة.