وممّن أوتي هذه القوّة وأيّد بها حضرة إبراهيم، والبرهان على ذلك أنّ حضرته ولد في ما بين النّهرين من أسرة غافلة عن وحدانيّة الله فخالف ملّته ودولته حتّى عائلته وأنكر جميع آلهتهم وقاوم وحيداً فريداً قوماً قويّاً، وما كانت هذه المخالفة بالسّهل الهيّن، فهو كمن يعترض اليوم على حضرة المسيح عند الملل المسيحيّة المتمسّكة بالتّوراة والإنجيل، أو كمثل من يسبّ المسيح (أستغفر الله) في مركز البابا (الفاتيكان) ويقاوم الملّة بأسرها ببالغ القدرة والمهابة، وما كان لهؤلاء إله واحد بل كانوا يعتقدون بآلهة متعدّدة، ويروون عنها المعجزات، ولذا قام الكلّ على حضرة إبراهيم، ولم يتبعه أحد سوى ابن أخيه لوط وواحد أو اثنان ممّن لا شأن لهم، ثمّ خرج حضرته من وطنه مظلوماً مضطهداً من شدّة ما لقيه من مقاومة الأعداء، وفي الحقيقة أنّهم أخرجوا حضرته من وطنه كي يهلك وينعدم ولا يبقى له أثر، فجاء حضرته إلى هذه الجهات أي الأراضي المقدّسة، وخلاصة القول أنّ أعداءه اعتبروا أنّ هذه الهجرة ستؤدّي إلى انعدامه واضمحلاله، وحقيقة الواقع أنّ من يطرد من وطنه المألوف ويحرم من حقوقه ويحيق به الظّلم من جميع الجهات لينعدم ولو كان سلطاناً، ولكنّ حضرة إبراهيم ظلّ ثابت القدم وأظهر استقامة خارقة للعادة، وجعل الله هذه الغربة له عزّة أبديّة حتّى أسّس الوحدانيّة الإلهيّة، لأنّ جميع البشر كانوا عبدة أوثان، فكانت هذه الهجرة سبباً لترقّي سلالة إبراهيم، كانت هذه الهجرة سبباً في إعطاء الأرض المقدّسة لسلالة إبراهيم، وكانت هذه الهجرة سبباً في انتشار تعاليم إبراهيم، وكانت هذه الهجرة سبباً لظهور يعقوب ويوسف الّذي صار عزيز مصر وهما من سلالة إبراهيم، وكانت هذه الهجرة سبباً لظهور مثل حضرة موسى من سلالة إبراهيم، وكانت هذه الهجرة سبباً لظهور مثل حضرة عيسى من سلالة إبراهيم، وكانت هذه الهجرة سبباً لظهور هاجر الّتي ولدت إسماعيل فظهر من سلالته حضرة محمّد، وكانت هذه الهجرة سبباً في ظهور حضرة الأعلى من سلالته، وكانت هذه الهجرة سبباً لظهور أنبياء بني إسرائيل من سلالة إبراهيم، وكذلك يستمرّ إلى أبد الآباد، وكانت هذه الهجرة سبباً لدخول أوروبّا وأكثر أمم آسيا في ظلّ إله إسرائيل، فانظر ما أعجب هذه القدرة الّتي تجعل شخصاً مهاجراً يكوّن أسرة كهذه ثمّ ملّة كهذه ثمّ يروّج تعاليم كهذه!
فهل يمكن الآن لأحد أن يقول بأنّ كلّ ذلك يحدث عن طريق الصّدفة؟ إذاً يلزم الإنصاف، هل كان هذا الشّخص مربّياً أم لا؟ ويجب التّأمّل قليلاً في أنّ هجرة إبراهيم كانت من أرفة بحلب إلى سوريّة، وكانت تلك نتائجها، فماذا تكون نتيجة هجرة حضرة بهاء الله من طهران إلى بغداد ومن هناك إلى إسلامبول ومنها إلى الرّوملِّي (أدرنة) ومنها إلى الأرض المقدّسة؟
إذاً فانظر كيف أنّ حضرة إبراهيم كان مربّياً ماهراً.