مفاوضات - تفسير الآية الــ ٢٢ من الاصحاح الــ ١٥ من رسالة بولس الاولى الى كورنثوس

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

تفسير الآية 22 من الأصحاح 15 من رسالة بولس الأولى إلى كورنتوس – من مفاوضات عبدالبهاء

السّؤال: مكتوب في الآية 22 من الأصحاح 15 من رسالة بولس الأولى إلى كورنتوس "لأنّه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح يحيا الجميع"

الجواب: اعلم أنّ في الإنسان طبيعتين طبيعة جسمانيّة وطبيعة روحانيّة، فالطّبيعة الجسمانيّة موروثة من آدم، والطّبيعة الرّوحانيّة موروثة من حقيقة كلمة اللّه وهي روحانيّة حضرة المسيح، فالطّبيعة الجسمانيّة تولّدت من آدم وأمّا الطّبيعة الرّوحانيّة فمتولّدة من فيض روح القدس، الطّبيعة الجسمانيّة مصدر كلّ نقص والطّبيعة الرّوحانيّة مصدر كلّ كمال، وقد فدى حضرة المسيح بنفسه ليخلّص الخلق من نقائص الطّبيعة الجسمانيّة وليتّصفوا بفضائل الطّبيعة الرّوحانيّة، وهذه الطّبيعة الرّوحانيّة التّي تحقّقت من فيض الحقيقة الرّحمانيّة جامعة لجميع الكمالات وظهرت من نفخة روح القدس وهذه الطّبيعة لهي كمالات إلهيّة، وهي أنوار روحانيّة وهداية ورفعة وعلوّ همّة، وهي عدالة ومحبّة، وموهبة ورأفة بجميع الخلق وهي برّ وخير وحياة في حياة، وهذه الطبيعة الرّوحانيّة تجلٍّ من إشراقات شمس الحقيقة، فالمسيح هو مركز روح القدس ومولود من روح القدس، ومبعوث بروح القدس ومن سلالة روح القدس، يعني ليست الحقيقة المسيحيّة من سلالة آدم بل هي وليدة روح القدس، إذاً فالمقصود من الآية 22 من أصحاح 15 من رسالة بولس لأهل كورنتيان التّي يقول فيها "لأنّه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع" هو أنّ آدم حسب الاصطلاح أبو البشر يعني أنّه سبب الحياة الجسمانيّة للنّوع الإنسانيّ وله أبوّة جسمانيّة ونفس حيّة ولكن ليست بمحيية، وأنّ حضرة المسيح هو سبب حياة البشر الرّوحانيّة وله الأبوّة الرّوحانيّة من حيث الرّوح، فآدم نفس حيّة والمسيح روح محيية، وهذا العالم الجسمانيّ للإنسان له قوى شهوانيّة، ومن لوازم القوى الشّهوانيّة العصيان، لأنّ القوى الشّهوانيّة ليست تحت قانون العدل والحقّ، إذ أنّ جسم الإنسان أسير الطّبيعة وكلّما تحكّمت به الطّبيعة يتحرك بمقتضاها، إذاً ثبت أنّ الخطيئة موجودة في العالم الجسمانيّ كالغضب والحسد والنّزاع والحرص والطّمع والجهل والتّعصّب والإفساد والتّكبّر والظّلم، فجميع هذه الصّفات البهيميّة موجودة في طبيعة الإنسان، لأنّ الإنسان الذّي لم يتربَّ التّربية الرّوحانيّة هو حيوان كمتوحّشي أواسط أفريقيا، إذ أنّ حركات هؤلاء وسكناتهم وأخلاقهم شهوانيّة محضة يعملون حسبما تمليه عليهم الطّبيعة حتّى أنّهم ليفترس ويأكل بعضهم بعضاً، إذاً اتّضح أنّ العالم الجسمانيّ للإنسان عالم خطيئةٍ وعصيانٍ وليس للإنسان في العالم الجسمانيّ امتياز عن الحيوان، فكلّ الخطايا من مقتضيات الطّبيعة وتلك المقتضيات الطّبيعيّة التّي هي من الخصائص الجسمانيّة بالنّسبة للحيوان ليست بخطايا ولكنّها خطايا بالنّسبة للإنسان، فالحيوان مصدر النّقائص كالغضب والشّهوة والحسد والحرص والاعتداء والتّعاظم، يعني أنّ جميع الخلائق الذّميمة كامنة في طبيعة الحيوان فهي بالنّسبة إليه ليست بخطيئة أمّا بالنّسبة إلى الإنسان فهي خطيئة، فحضرة آدم هو سبب حياة الإنسان الجسمانيّة أمّا حقيقة المسيح يعني كلمة اللّه فهي سبب الحياةِ الرّوحيّة لأنّها روح محيية، يعني أنّ جميع النّقائص التّي هي من مقتضيات الحياة الجسمانيّة للإنسان تتبدّل بالكمالات الإنسانيّة بتعليم ذلك الرّوح المجرّد وتربيته. إذاً فحضرة المسيح كان روحاً محيية وسبب الحياة الرّوحانيّة للجميع، وحضرة آدم كان سبب الحياة الجسمانيّة، وحيث أنّ العالم الجسمانيّ للإنسان هو عالم النّقائص، والنّقائص هي عين الموت، لهذا عبّر بولس عن النقائص الجسمانيّة بالموت، أمّا جمهور المسيحيّين فمتّفقون على أنّ حضرة آدم لمّا أن تناول من الشّجرة التي منع أن يأكل منها أخطأ وعصى وظلّت النّتيجة المشؤومة لهذا العصيان ميراثاً ثابتاً في سلالة آدم، وعلى هذا فحضرة آدم صار سبب موت الخلق وهذا بديهيّ البطلان، لأنّ معناه أنّ جميع الخلق حتّى الأنبياء والرّسل من دون ذنب ولا تقصير ولمحض أنّهم كانوا من سلالة آدم صاروا مذنبين ومقصّرين بدون سبب، وكانوا مبتلين إلى يوم قربان المسيح بالعذاب الأليم في نار الجحيم، وهذا بعيد من العدالة الإلهيّة، وإذا كان آدم قد أذنب فما ذنب حضرة إبراهيم وما تقصير إسحاق ويوسف وما خطأ موسى.

أمّا أنّ حضرة المسيح كان كلمة اللّه وفدى نفسه فلها معنيان: معنى ظاهريّ ومعنى حقيقيّ، فالمعنى الظّاهريّ أنّه لمّا كان مقصد حضرة المسيح أن يقوم بأمر يكون فيه تربية العالم الإنسانيّ وإحياء بني آدم وهداية عموم الخلق والقيام بأمرٍ عظيمٍ كهذا فيه مخالفة لجميع العالم ومقاومة لسائر الملل والدّول ولا بدّ أن يؤدّي ذلك إلى القتل والصّلب وإهدار الدّم، لهذا فدى حضرة المسيح روحه حينما أظهر أمره وعد الصّليب سريراً والجرح مرهماً والسّمّ شهداً وسكّراً، وقام بتعليم النّاس وتربيتهم يعني فدى بنفسه حتّى يهب روح الحياة وفنى بجسده ليحيي الآخرين بالرّوح، أمّا المعنى الثّاني للفداء فهو أنّ حضرة المسيح كان مثل حبّة ضحّت صورتها لتنمو الشّجرة منها وتعلو، ولو أنّ صورة الحبّة تلاشت إلاّ أنّ حقيقتها ظهرت على هيئة الشّجرة بكمال العظمة واللّطافة، فمقام المسيح كان كمالاً محضاً، فأشرقت تلك الكمالات الإلهيّة كالشّمس على جميع النّفوس المؤمنة وسطعت ولمعت فيوضات الأنوار في حقائق النّفوس، ولهذا يقول "أنا الخبز النّازل من السّماء وكلّ من يتناول من هذا الخبز لا يموت" يعني أنّ كلّ من يأخذ نصيباً من هذا الغذاء الإلهيّ يصل إلى الحياة الأبديّة، ولذلك كان كلّ من أخذ نصيباً من هذا الفيض واقتبس من هذه الكمالات وجد حياةً أبديّةً واستفاض من فيض القدم وخرج من ظلمات الضّلالة واستنار بنور الهداية، ومع أنّ صورة الحبّة صارت فداءً للشّجرة إلاّ أنّها ظهرت وانكشفت كمالاتها بسبب هذا الفداء لأنّ الشّجرة والأغصان والأوراق والأزهار كانت مخفيّةً مستورةً في الحبّة فلمّا أن ضحّت الحبّة بصورتها ظهرت كمالاتها وتجلّت بكمال الظّهور على هيئة الأوراق والبراعم والأثمار.

المصادر
المحتوى
OV