المدعون كثيرون والمختارون قليلون

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

المدعوّون كثيرون والمختارون قليلون – من مفاوضات عبدالبهاء

السّؤال: يقول حضرة المسيح في الإنجيل "المدعوّون كثيرون والمختارون قليلون" ويقول في القرآن "يختصّ برحمته من يشاء" فما حكمة ذلك؟

الجواب: اعلم أنّ نظام الكون وكماله يقتضيان أن يكون الوجود منحلاًّ في صور لا عداد لها، فلهذا لم تكن الموجودات في مرتبة واحدة أو مقام واحد ونمط واحد ولا جنس واحد أو نوع واحد ولا في صورة واحدة، بل لا بدّ من تفاوت في المراتب وتمايز في الأصناف وتعدّد في الأجناس والأنواع يعني من المحتّم وجود مراتب الجماد والنّبات والحيوان والإنسان، لأنّ عالم الوجود لا يتمّ تكوينه وتنظيمه وكماله بالإنسان وحده، وكذلك لا يمكن أن يظهر العالم بالمنظر البديع والتّرتيب الدّقيق والرّونق اللّطيف بالحيوان وحده، أو النّبات وحده أو الجماد وحده، بل لا بدّ من تفاوت المراتب والمقامات والأجناس والأنواع حتّى يتجلّى الوجود في نهاية الكمال، مثلاً لو أنّ هذه الشّجرة كانت كلّها ثمرة لما تمّ كمالها النّباتيّ، لأنّ الأوراق والبراعم والثّمار جميعها لازمة حتّى يتجلّى النّبات في نهاية الزّينة والكمال، وكذلك انظروا في هيكل الإنسان إذ لا بدّ فيه من تفاوت في الأعضاء والأجزاء والأركان، فجمال الوجود الإنسانيّ وكماله يقتضي وجود العين والأذن والمخّ حتّى الأظافر والشّعر، فلو كان هيكل الإنسان كلّه مخّاً أو عيناً أو أذناً لكان ذلك عين النّقص، وكذلك يكون ناقصاً لو كان بدون شعر أو أهداب أو أظافر أو أسنان، ولو أنّ هذه كلّها بالنّسبة إلى العين في حكم الجماد والنّبات لعدم الإحساس، ولكنّ عدم وجودها في هيكل الإنسان مكروه ومذموم للغاية، إنّ مراتب الموجودات مختلفة متفاوتة، اختار الله سبحانه لبعض الأشياء الرّتبة العليا كالإنسان، ووضع بعضها في الرّتبة الوسطى كالنّبات، وترك بعضها في الرّتبة الدّنيا كالجماد، فتخصيص الإنسان بالرّتبة العليا إنّما هو من فضله، والتّفاوت بين النّوع الإنسانيّ من حيث التّرقّيات الرّوحانيّة والكمالات الملكوتيّة إنّما هو أيضاً بإرادة حضرة الرّحمن، لأنّ الإيمان الذّي هو حياة أبديّة من آثار فضل الله لا من نتائج العدل، فشعلة نار المحبّة إنّما هي بقوّة الانجذاب لا بالسّعي والاجتهاد في عالم الماء والتّراب، بل الذّي يحصل بالسّعي والاجتهاد هو الاطّلاع والعلم وسائر الكمالات، إذاً فانبعاث الأرواح واهتزازها لا يكون إلاّ بأنوار الجمال الإلهيّ وقوّته الجاذبة لهذا يقول "المدعوّون كثيرون والمختارون قليلون"، أمّا الكائنات الجسمانيّة ليست مذمومة ومحكومة ومسؤولة في مراتبها ومقاماتها، فمثلاً الجماد في رتبته الجماديّة والنّبات في رتبته النّباتيّة والحيوان في رتبته الحيوانيّة كلّ مقبول في رتبته، بل تلك الرّتب هي عين الكمال ولكنّها إذا كانت ناقصة في رتبها ولم تبلغ حدّ الكمال فيها فهي مذمومة وغير مقبولة.

وأمّا التّفاوت بين النّوع الإنسانيّ فهو على قسمين، أحدهما التّفاوت من حيث المراتب وهذا التّفاوت ليس بمذموم، والقسم الآخر هو التّفاوت من حيث الإيمان والإيقان وعدمهما وذلك مذموم، لأنّ تلك النّفس تكون قد ابتليت بهواها وطيشها حتّى حرمت من مثل هذه الموهبة ومنعت من قوّة جذب محبّة اللّه، ومع أنّ الإنسان في رتبته ممدوح ومقبول إلاّ أنّه بحرمانه من كمالات تلك الرّتبة يصبح معدن النّقائص بناءً على ذلك فهو مسؤول.

المصادر
المحتوى
OV