السّؤال: مذكور في إنجيل متّى أنّ المسيح قال لبطرس أنت الصّخرة وعليك أبني كنيستي فما معنى هذا؟
الجواب: إنّ هذا البيان من حضرة المسيح تصديق لقول بطرس حينما قال له "أنت المسيح بن الله الحيّ" ثم قال حضرة المسيح في جوابه "أنت الكيفا" والكيفا في اللّغة العبريّة هي الصّخرة ولذا قال حضرة المسيح "وعلى هذه الصّخرة أبني كنيستي" لأنّ بعضهم قال لحضرة المسيح أنت إيليّا، وقال بعضهم أنت يوحنّا المعمدان، وقال بعضهم أنت إرميا أو أحد الأنبياء، فأراد حضرة المسيح أن يؤيّد بيان بطرس بالكناية أو الإشارة ولكونه تسمّى بالصّخرة قال بهذه المناسبة أنت الصّخرة وعليك أبني كنيستي يعني سيكون أساس دين اللّه مبنيّاً على عقيدتك: إنّ المسيح ابن اللّه الحيّ، وعلى هذه العقيدة سيوضع أساس كنيسة اللّه التّي هي شريعة اللّه، ووجود قبر بطرس بروميّة مشكوك فيه وغير مسلّم به، غير أنّ البعض يقول إنّه في أنطاكية، وفضلاً عن هذا فلو نطبّق أعمال بعض الباباوات على شريعة حضرة المسيح نجد أنّ حضرته كان جائعاً عرياناً يأكل الحشائش في هذه البرّيّة وما رضي بتكدير قلب أحد، مع أنّ البابا يجلس في عربة مرصّعة ويمضي أوقاته بنهاية العظمة في جميع الملذّات والشّهوات وحبّ الذّات والنّعمة التّي لا يتيسّر للملوك مثلها، على أنّ حضرة المسيح لم يكدّر نفساً ولكنّ بعضاً من الباباوات قتلوا نفوساً كثيرة بريئة، فارجعوا إلى التّاريخ لتعلموا كيف كانوا يعارضون الحقيقة وكم سفكوا من الدّماء محافظةً على سلطتهم الزّمنيّة وكم اضطهدوا وسجنوا، وقتلوا الآلاف من خدّام الإنسانيّة وأهل المعرفة الذّين كشفوا أسرار الكائنات وذلك فقط لمجرّد المخالفة في الرّأي وكم كانت معارضتهم شديدة للحقيقة. تأمّلوا في وصايا حضرة المسيح وتفحّصوا في أحوال الباباوات وأطوارهم، فهل تجدون أيّة مشابهة بين وصايا حضرة المسيح وأطوار حكومة الباباوات، مع أنّنا لا نحبّ ذمّ النّفوس والقدح فيها ولكنّ تاريخ الفاتيكان مملوء بالعجائب، والمقصود من هذا أنّ وصايا حضرة المسيح شيء وأطوار حكومة البابا شيء آخر، وليس بينهما تشابه ما. انظروا كم قتلوا من البروتستانت وكان كلّه بفتوى البابا، وكم أباحوا من الظّلم والجور وكم عذّبوا النّاس واضطهدوهم. فهل تستشمّ روائح حضرة المسيح الطيّبة الذّكيّة من هذه الأعمال؟ لا واللّه، فهؤلاء ما أطاعوا المسيح بل إنّ بربارة القدّيسة التّي صورتها أمامنا قد أطاعت حضرة المسيح واقتفت أثره وأجرت وصاياه، وكان من بين الباباوات نفوس مباركة اتّبعوا خطوات حضرة المسيح، وعلى الخصوص في القرون المسيحيّة الأولى التّي كانت فيها الأسباب الدّنيويّة مفقودة والامتحانات الإلهيّة شديدة، ولكن لمّا تيسّرت أسباب السّلطنة وحصلت العزّة والسّعادة الدّنيويّة نسيت حكومة البابا المسيح بالكلّيّة واشتغلت بالسّلطنة والعظمة والرّاحة والنّعم الدّنيويّة وقتلت النّفوس وعارضت في نشر المعارف وآذت أرباب الفنون وحالت دون انتشار نور العلم وحكمت بالقتل وشنّ الغارة وهلك آلاف من النّفوس من أهل الفنون والمعارف والأبرياء في سجن روميّة، فكيف مع وجود هذا السّلوك وتلك الأعمال يكون البابا خليفة حضرة المسيح، فكرسيّ حكومة البابا كان معارضاً للعلم دائماً، حتّى صار من المسلّم في أوروبّا أنّ الدّين معارض للعلم والعلم مخرّب لبنيان الدّين، والحال أنّ دين اللّه مروّج للحقيقة ومؤسّس للعلم والمعرفة ومشوّق للعرفان، وهو أسّ المدنيّة للنّوع الإنسانيّ وكاشف لأسرار الكائنات ومنّور للآفاق، بناءً على ذلك فكيف يعارض العلم، أستغفر اللّه عن ذلك، أجل إنّ العلم لدى اللّه أفضل ميزة للإنسان وأشرف الكمالات البشريّة، فمعارضة العلم جهل وكاره العلوم والفنون ليس بإنسان، بل هو حيوان لا شعور له، لأنّ العلم نور وحياة وسعادة وكمال وجمال ووسيلة التّقرّب لدى عتبة الأحديّة وشرف العالم الإنسانيّ وأعظم موهبة إلهيّة، فالعلم حقيقة الهداية والجهل عين الضّلالة، طوبى للذّين يصرفون أيّامهم في تحصيل العلوم وكشف أسرار الكائنات والتّدقيق في الحقيقة وويل للذّين يقتنعون بالجهل والغفلة وتنشرح قلوبهم بالتّقاليد وهم ساقطون في أسفل دركات الجهل والذّهول وأعمارهم ذاهبة أدراج الرّياح.