مفاوضات - في بيان المراتب الجسمانية والروحانية لمظاهر الظهور

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

في بيان المراتب الجسمانيّة والرّوحانيّة لمظاهر الظّهور – من مفاوضات عبدالبهاء

سبق أن قلنا أن لمظاهر الظّهور مراتب ثلاث، الأوّل الحقيقة الجسمانيّة الّتي تتعلّق بهذا الجسد، والثّاني الحقيقة الشّاخصة (أي مشخّصة) أي النّفس النّاطقة، والثّالث الظّهور الرّبّانيّ وهو الكمالات الإلهيّة وسبب حياة الوجود وتربية النّفوس وهداية الخلق ونورانيّة الإمكان.

فمقام الجسد مقام البشريّة وهو يتلاشى لأنّه تركيب عنصريّ وما يتركّب من العناصر لا بدّ من تحليله وتفريقه، أمّا الحقيقة الشّاخصة للمظاهر الرّحمانيّة فهي حقيقة مقدّسة، لأنّها من حيث الذّات والصّفات ممتازة عن جميع الأشياء، مثلاً إنّ الشّمس من حيث الاستعداد تقتضي الإنوار ولا تقاس بالأقمار، فالأجزاء المركّبة منها كرة الشّمس لا تقاس بالأجزاء المركّبة منها كرة القمر، وتلك الأجزاء وذلك التّركيب يقتضي ظهور الأشعّة، أمّا الأجزاء المركّب منها القمر فلا تقتضي الإشعاع بل تقتضي الاقتباس، وعلى هذا فسائر الحقائق الإنسانيّة هي نفوس كالقمر الّذي يقتبس الأنوار من الشّمس. أمّا تلك الحقيقة المقدّسة فهي مضيئة بنفسها.

والمقام الثّالث هو نفس الفيض الإلهيّ وجلوة جمال القديم وإشراق أنوارالحيّ القدير، وليس للحقيقة الشّاخصة للمظاهر المقدّسة انفكاك عن الفيوضات الإلهيّة والجلوة الرّبّانيّة، لهذا فصعود المظاهر المقدّسة عبارة عن تركهم هذا القالب العنصريّ، كالسّراج المتجلّي في هذه المشكاة ينقطع شعاعه منها عند تلاشيها، أمّا فيض السّراج فلا ينقطع، وبالاختصار فالفيض القديم في المظاهر المقدّسة بمثابة السّراج والحقيقة الشّاخصة بمثابة الزّجاج والهيكل البشريّ بمثابة المشكاة فلو تحطّمت المشكاة فالمصباح مضيء.

والمظاهر الإلهيّة هم مرايا متعدّدة لأنّهم ذوو شخصيّة مخصوصة، أمّا المتجلّي في هذه المرايا فهي شمس واحدة، ومن المعلوم أنّ الحقيقة المسيحيّة غير الحقيقة الموسويّة، ولا شكّ أنّ الحقيقة المقدّسة واقفة على سرّ الوجود من البداية وآثار العظمة ظاهرة واضحة فيها من سنّ الطّفولة، فكيف لا يكون لها الشّعور حينئذٍ مع وجود هذه الفيوضات والكمالات.

قد ذكرنا للمظاهر المقدّسة ثلاث مقامات: مقام الجسد، والحقيقة الشّاخصة، والمظهريّة الكاملة، مثل الشّمس وحرارتها وضيائها، ولسائر النّفوس أيضاً مقام الجسد ومقام النّفس النّاطقة أي الرّوح والعقل، فالمقامات الّتي يذكر فيها كنت نائماً مرّت عليَّ نفحات الله وأيقظتني هي كبيان حضرة المسيح الّذي يتفضّل فيه بقوله "أما الرّوح فنشيط وأمّا الجسد فضعيف" أي أنّ المشقّة أو الرّاحة أو التّعب هذه كلّها راجعة إلى مقام الجسد ليس لها دخل بتلك الحقيقة الشّاخصة ولا بمظهر الحقيقة الرّحمانيّة، مثلاً تلاحظ أنّه يحدث في جسد الانسان ألف انقلاب ولكن ليس للّروح خبر عن هذا أبداً، فمن الممكن أن يختلّ بعض الأعضاء كلّيّة من جسد الإنسان ولكن جوهر العقل باقٍ مستقرّ، يرد على الملابس مائة ألف آفة ولكنّه لا يحدث للابسها أيّ خطر وما تفضّل حضرة بهاء الله قائلاً كنت نائماً مرّت عليَّ النّسائم فأيقظتني راجع إلى الجسد، وليس في عالم الحقّ زمن ماضٍ وحالٍ ومستقبل فالماضي والحال والاستقبال كلّها واحدة، مثلاً يقول حضرة المسيح كان في البدء الكلمة يعني كان ويكون وسيكون لأنّه ليس من زمان في عالم الحقّ، بل حكم الزّمان للخلق لا للحقّ، مثلاً يقول في الصّلاة "فليكن اسمك مقدّسا" والمقصود من هذا أنّ اسمك كان مقدّساً وسيظلّ مقدّساً، مثلاً إنّ الصّبح والظّهر والعصر هو بالنّسبة إلى الأرض أمّا في الشّمس فليس ثمّة صبح ولا عصر ولا ظهر ولا مساء.

المصادر
المحتوى
OV