السّؤال: يقول في الآية المباركة "ليس لمطلع الأمر شريك في العصمة الكبرى إنّه لمظهر يفعل ما يشاء في ملكوت الإنشاء قد خصّ الله هذا المقام لنفسه وما قدّر لأحد نصيباً من هذا الشّأن المنيع" فما تفسيرها؟
الجواب: اعلم أنّ العصمة على قسمين، عصمة ذاتيّة وعصمة صفاتيّة، وهكذا سائر الأسماء والصّفات كالعلم الذّاتيّ والعلم الصّفاتيّ، فالعصمة الذّاتيّة مختصّة بالمظهر الكلّي، لأنّ العصمة من لزومه الذّاتيّ، ولا ينفكّ اللّزوم الذّاتيّ عن الشّيء، فالشّعاع لازم ذاتيّ للشّمس ولا ينفكّ عنها، والعلم لازم ذاتيّ للحقّ ولا ينفكّ عنه، والقدرة لازم ذاتيّ للحقّ ولا تنفكّ عنه، فلو تقبل الانفكاك لا يكون الحقّ حقّاً، ولو انفكّ الشّعاع عن الشّمس لا تكون الشّمس شمساً، لهذا لو يتصوّر الانفكاك في العصمة الكبرى عن المظاهر الكلّيّة فلا يكون مظهراً كلّيّاً ويسقط عن كماله الذّاتيّ.
أمّا العصمة الصّفاتيّة فليست من اللّوازم الذّاتيّة للشّيء، بل هي شعاع العصمة الّذي يسطع من شمس الحقيقة على القلوب ويعطي لتلك النّفوس قسطاً ونصيباً، فهذه النّفوس وإن لم تكن لهم العصمة الذّاتيّة، ولكنّهم تحت حفظ الحقّ وعصمته وحمايته، يعني أنّ الحقّ يحفظ هؤلاء من الخطأ، مثلاً لم يكن كثير من النّفوس المقدّسة مظاهر العصمة الكبرى، ولكن كانوا محفوظين مصونين عن الخطأ في ظلّ الله وحفظه وحمايته، لأنّهم كانوا واسطة الفيض بين الحقّ والخلق، فإذا لم يحفظ الحقّ هؤلاء من الخطأ لأدّى خطأهم إلى وقوع كلّ النّفوس المؤمنة في الخطأ، فينهدم أساس الدّين الإلهيّ بالكلّيّة وهذا لا يليق بحضرة الأحديّة.
وخلاصة القول إنّ العصمة الذّاتيّة محصورة في المظاهر الكلّيّة، والعصمة الصّفاتيّة موهوبة لكلّ نفس مقدّسة، مثلاً لو يتشكّل بيت العدل العموميّ بالشّرائط اللاّزمة أي بانتخاب جميع الملّة فإنّه يكون تحت عصمة الحقّ وحمايته، وكلّ ما لم ينصّ عليه في الكتاب ويقرّره بيت العدل باتّفاق الآراء أو الأكثريّة، فإنّ ذلك القرار والحكم يكون محفوظاً من الخطأ، والحال أنه ليس لكلّ فرد من أعضاء بيت العدل العصمة الذّاتيّة، ولكن هيئة بيت العدل تحت حماية الحقّ وعصمته، وهذه تسمّى بالعصمة الموهوبة، والخلاصة إنّه يقول أنّ مطلع الأمر مظهر يفعل ما يشاء، وهذا المقام مختصّ بالذّات الأقدس وليس لغيره نصيب من هذا الكمال الذّاتيّ، يعني لمّا تحقّقت العصمة الذّاتيّة للمظاهر الكلّيّة فكلّ ما يصدر عنهم هو عين الحقيقة ومطابق للواقع، فهؤلاء ليسوا تحت ظلّ الشّريعة السّابقة، وكلّ ما يقولون هو قول الحقّ، وكلّ ما يعملون فهو العمل الصّحيح، وليس لأيّ مؤمن حقّ الاعتراض، وفي هذا المقام يجب التّسليم المحض، لأنّ مظهر الظّهور قائم بالحكمة البالغة، وقد تعجز العقول عن إدراك الحكمة الخفيّة في بعض الأمور، لهذا فكلّ ما يقوله مظهر الظّهور الكلّيّ وما يعمله هو محض الحكمة ومطابق للواقع، وإذا لم يهتدِ بعض النّفوس إلى الأسرار الخفيّة لحكم من الأحكام أو عمل من الأعمال فلا يجوز لها الاعتراض، حيث أنّ المظهر الكلّيّ مظهر يفعل ما يشاء، فكثيراً ما حدث أن صدر أمر من شخص عاقل كامل عالم ثمّ اعترض النّاس عليه لعجزهم عن إدراك حكمته، واستغربوا كيف أنّ هذا الشّخص الحكيم قال أو عمل مثل هذا، إنّ هذا الاعتراض صادر عن جهل هؤلاء، أمّا حكمة الحكيم فهي مقدّسة عن الخطأ ومنزّهة عنه، وكذلك الطّبيب الحاذق في علاج المريض فإنّه يفعل ما يشاء، وليس للمريض حقّ الاعتراض، وكلّ ما يصفه له الطّبيب ويشير به فهو الصّحيح، فينبغي للكلّ أن يعدّوه مظهر يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا بدّ أنّ رأي الطّبيب في علاج المريض يكون مخالفاً لآراء الآخرين، فهل يجوز إذاً الاعتراض من نفوس لم تدرس الطّبّ وليس لها دراية بالحكمة؟ لا والله، فيجب على الكلّ الخضوع والتّسليم وإجراء كلّ ما يقوله الطّبيب الحاذق، فالطّبيب الحاذق له أن يفعل ما يشاء وليس للمريض نصيب من هذا المقام، ولا بدّ من ثبوت حذق الطّبيب، وحيث ثبت حذق الطّبيب فله أن يفعل ما يشاء، كذلك قائد الجنود من حيث أنّه تفرّد بالفنون الحربيّة فله أن يفعل ما يشاء في كلّ ما يقوله ويأمر به، وربّان السّفينة من حيث أنّ الكلّ يقرّ بإلمامه فنّ الملاحة فله أن يفعل ما يشاء في كلّ ما يقوله ويأمر به.
وحيث أنّ المربّي الحقيقيّ هو شخص كامل فله أن يفعل ما يشاء في كلّ ما يقوله ويأمر، والخلاصة أنّ المقصود من يفعل ما يشاء أنّه قد يصدر مظهر الظّهور أمراً أو يجري حكماً أو عملاً يعجز المؤمنون عن إدراك حكمة ذلك، فلا يجوز أن يخطر الاعتراض بخاطر أحد ويقول لماذا أمر بكذا ولِمَ أجرى كذا؟ أمّا سائر النّفوس الّذين استظلّوا بظلّ المظهر الكلّيّ، فهم تحت حكم شريعة الله ولا يجوز لهم التّجاوز قيد شعرة عن الشّريعة، ويجب أن يطبّقوا جميع الأعمال والأفعال على شريعة الله، وإذا تجاوزوا عنها كانوا مسؤولين لدى الله ومؤاخذين، وليس لهؤلاء قسط ولا نصيب من حكم يفعل ما يشاء ألبتّة، لأنّ هذا المقام مختصّ بالمظهر الكلّيّ، مثلاً حضرة المسيح روحي له الفداء كان مظهر يفعل ما يشاء ولم يكن للحواريّين نصيب من هذا المقام، لأنّهم كانوا في ظلّ حضرة المسيح فيجب ألاّ يتجاوزوا عن أمره وإرادته والسّلام.