مفاوضات - الروح والعقل يظهران في الانسان حين ولادته

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

الرّوح والعقل يظهران في الإنسان حين ولادته – من مفاوضات عبدالبهاء

السّؤال: هل للإنسان عند ولادته عقل وروح؟ أم أنّهما يظهران تدريجيّاً تبعاً لنموّه. أو أنّه لا يحصل عليهما إلاّ بعد كمال نموّه؟

الجواب: إنّ ابتداء تكوين الإنسان على سطح الكرة الأرضيّة يشبه تكوينه في رحم الأمّ، فالنّطفة تنشأ وتنمو في رحم الأمّ بالتّدريج حتّى الولادة ثمّ تستمرّ في النّمو والنّشوء حتّى تصل إلى درجة الرّشد والبلوغ، ولو أنّه في دور الطّفولة يظهر للعقل والرّوح آثار في الإنسان إلا أنّهما ليسا في رتبة الكمال بل يكونان ناقصين، وعندما يصل إلى درجة البلوغ يظهر العقل والرّوح في نهاية الكمال، وكذلك كان تكوين الإنسان في رحم العالم في أوّل أمره كتكوين النّطفة، ثمّ ترقّى تدريجيّاً في مراتبه ونما ونشأ حتّى وصل إلى رتبة البلوغ، وحينئذ ظهر العقل والرّوح في الإنسان في نهاية الكمال، وكان العقل والرّوح موجودين أيضاً في بداية تكوينه ولكنّهما كانا مكنونين ثمّ ظهرا، لأنّ العقل والرّوح موجودان أيضاً في النّطفة في عالم الرّحم، ولكنّهما مكنونان ثمّ يظهران، كالحبّة إذ توجد فيها الشّجرة ولكنّها مكنونة مستورة، حتّى إذا نشأت ونمت تظهر الشّجرة بتمامها، كذلك نشوء ونمو جميع الكائنات يكون تدريجيّاً ، هذا هو القانون الكلّيّ الإلهيّ والنّظم الطّبيعيّ، فالحبّة لا تكون شجرة بغتة، ولا تكون النّطفة إنساناً دفعة واحدة، ولا يكون الجماد حجراً مرّة واحدة، بل بالنّشوء والنّمو بالتّدريج حتّى تصل إلى حدّ الكمال. فجميع الكائنات من كلّيّات وجزئيّات خلقت من مبدئها تامّة كاملة، غير أنّ كمالها يظهر بالتّدريج، والقانون الإلهيّ واحد وترقّيات الوجود واحدة، والنّظام الإلهيّ واحد في جميع الكائنات، صغيراً كان أم كبيراً، والكلّ تحت قانون واحد، ونظام واحد، وكلّ حبّة مودع فيها من البداية جميع الكمالات النّباتيّة، فمثلاً هذه الحبّة موجود فيها من البداية جميع الكمالات النّباتيّة ولكنّها كانت مخفيّة ثمّ ظهرت بعد بالتّدريج، مثلاً ظهر من الحبّة أوّلاً السّاق ثمّ الأغصان ثمّ الأوراق ثمّ البراعم ثمّ ظهر الثّمر، وكلّ هذا من بداية تكوينها موجود فيها بالقوّة ولو أنّه غير ظاهر، وكذلك النّطفة من البداية حائزة لجميع الكمالات كالرّوح والعقل والبصر والشّامّة والذائقّة وبالاختصار جميع القوى ولكنّها غير ظاهرة ثمّ تظهر بالتّدريج، وكذلك خلقت الكرة الأرضيّة من المبدأ مع جميع عناصرها وموادّها ومعادنها وأجزائها وترتيبها، ولكنّ ظهور كلّ منها كان بالتّدريج، فقد ظهر أوّلاً الجماد ثمّ النّبات ثمّ الحيوان ثمّ الإنسان، أمّا في البداية فكانت هذه الأجناس والأنواع موجودة كامنة في الكرة الأرضيّة ثمّ ظهرت بالتّدريج، لأنّ هذا هو شأن القانون الأعظم الإلهيّ والنّظام الطّبيعيّ العموميّ الذّي يحيط بجميع الكائنات والكلّ تحت حكمه، إذا نظرت إلى هذا النّظام العموميّ رأيت أنّ كلّ كائن من الكائنات لا يصل إلى حدّ الكمال بمجرد التّكوين، بل إنّما ينشأ وينمو بالتّدريج حتّى يصل إلى درجة الكمال.

المصادر
المحتوى
OV