مفاوضات - العلاقة بين الحق والخلق

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

العلاقة بين الحقّ والخلق – من مفاوضات عبدالبهاء

السّؤال: ما حقيقة العلاقة بين الحقّ والخلق أي بين الله تعالى وسائر الكائنات؟

الجواب: إنّ علاقة الحقّ بالخلق علاقة الموجد بالموجود، وهي كعلاقة الشّمس بالأجسام المظلمة من الممكنات، وعلاقة الصّانع بالمصنوعات، فالشّمس في حدّ ذاتها مقدّسة عن الأجسام المستنيرة، بل نور الشّمس أيضاً في حيّز ذاته مقدّس مستغن عن الكرة الأرضيّة، وإن كانت الكرة الأرضيّة تحت تأثير الشّمس مستفيضة من أنوارها، ولكنّ الشّمس وشعاعها مقدّسان عنها، فلولا الشّمس ما شوهدت الكرة الأرضيّة وجميع ما فيها من الموجودات.

إنّ قيام الخلق بالحقّ قيام صدوريّ، يعني أنّ الخلق صادر من الحقّ وليس ظاهراً منه، فتعلّقه تعلّق صدوريّ لا ظهوريّ، فأنوار الشّمس صدرت عن الشّمس وما ظهرت منها، فالتّجلّي الصّدوريّ كتجلّي الشّعاع من نيّر الآفاق، يعني أنّ الذّات المقدّسة (شمس الحقيقة) لا تقبل التّجزّؤ ولا تتنزّل إلى رتبة الخلق، كما أنّه ليس لكرة الشّمس أن تتجزّأ أو تتنزّل على الكرة الأرضيّة، بل إنّ شعاع الشّمس فيض صادر عنها وينير الأجسام المظلمة، وأمّا التّجلّي الظّهوريّ فهو كظهور الأفنان والأوراق والأزهار والأثمار من الحبّة، إذ أنّ الحبّة بذاتها تصير أفناناً وأثماراً، فتنزل حقيقتها في الأغصان والأوراق والأثمار، وهذا التّجلّي الظّهوريّ نقص صرف وممتنع ومستحيل في حقّ الباري تعالى، لأنّه يلزم من ذلك اتّصاف القدم المحض بصفة الحدوث، ويصير الغنيّ الصّرف فقراً محضاً وحقيقة الوجود عدماً وهذا مُحال، لهذا صدرت جميع الكائنات من الحقّ، يعني أنّ ما تتحقّق به الأشياء هو الحقّ، والممكنات وجدت به، وأوّل ما صدر عن الحقّ هو تلك الحقيقة الكلّيّة الّتي تسمّى في اصطلاح الفلاسفة الأقدمين بالعقل الأوّل، وباصطلاح أهل البهاء المشيئة الأولى، وهذا الصّدور من حيث الفعل لا يحدّ في عالم الحقيقة بالزّمان والمكان، لا أوّل له ولا آخر، فالأوّليّة والآخريّة بالنّسبة إلى الحقّ على حدّ سواء، وقِدَم الحقّ قِدَم ذاتيّ زمانيّ، وحدوث الإمكان حدوث ذاتيّ لا زمانيّ كما سبق بيانه من قبل على المائدة، وأنّ لا أوّلية العقل الأوّل لا تجعله شريكاً للحقّ في القدم، ذلك لأنّ وجود الحقيقة الكلّيّة بالنّسبة إلى وجود الحقّ عدم صرف وليس لها حكم الوجود حتّى تكون شريكة ومماثلة في القدم، وقد تمّ بيان هذه المسألة سابقاً، أمّا وجود الأشياء فحياتها عبارة عن التّركيب ومماتها عبارة عن التّحليل، وأمّا المادّة والعناصر الكلّيّة فإنّها لا تنعدم مطلقاً، بل انعدامها عبارة عن تحوّلها، مثلاً إذا انعدم الإنسان يصير تراباً ولكنّه لا ينعدم انعداماً صرفاً، بل له وجود ترابيّ ولكن حصل تحوّل وعرض لذلك التّركيب تحليل، وقس على هذا انعدام سائر الموجودات، لأنّ الوجود لا يصير عدماً محضاً والعدم المحض لا يصير وجوداً.

المصادر
المحتوى
OV