السّؤال: هل الإنسان في جميع أعماله فاعل مختار أو مجبور وليس له اختيار؟
الجواب: إنّ هذه المسألة من أمّهات المسائل الإلهيّة وهي غامضة جدّاً وإن شاء الله في يوم آخر عند الابتداء بالغداء سنشرع في بيانها بالتّفصيل ومع هذا فلنتكلّم عنها الآن مختصراً في كلمات قليلة، وذلك إنّ الأمور الّتي تدخل تحت اختيار الإنسان كالعدل والإنصاف والظّلم والاعتساف وبالاختصار أعمال الخير وأفعال الشّر، فمن الواضح المعلوم أنّ لإرادة الإنسان دخلاً عظيماً فيها، ولكن هناك أمور مجبول ومجبر عليها الإنسان كالنّوم والموت والتّعرض للأمراض وانحطاط القوى والضّرر والخسارة فهي ليست تحت إرادة الإنسان وهو غير مسؤول عنها لأنّه مجبر عليها.
وأمّا في أعمال الخير وأفعال الشّر فهو مخيّر فيها وتصدر عنه باختياره، مثلاً يمكنه أن يشتغل بذكر الله، أو إذا أراد أن يشتغل بذكر غيره، وفي استطاعته أن يكون شمعة موقدة من نار محبّة الله، ومن الميسّر له أن يكون محبّاً للعالم أو مبغضاً لبني آدم، أو يشتغل بحبّ الدّنيا أو يكون عادلاً أو ظالماً، فهذه الأعمال والأفعال تحت تصرّفه واختياره ولهذا فهو مسؤول عنها.
وهناك مسألة أخرى وهي أنّ البشر عجز صرف وفقر بحت، والقوّة والقدرة مختصّتان بالحضرة الأحدية، والعلوّ والدّنوّ متعلّقان بمشيئة وإرادة الله ذي الكبرياء، كما هو مذكور في الإنجيل أنّ الله كالفّخّاريّ يصنع كأساً عزيزاً وقدحاً ذليلاً فليس للإبريق الذّليل حقّ الاعتراض على الفخَّاريّ بقوله لماذا لم تصنعني كأساً عزيزاً تتناوبه الأيدي، والمقصود من هذه العبارة أنّ مقامات النّفوس مختلفة، فالذي في المقام الأدنى من الوجود كالجماد لا حقّ له في الاعتراض بقوله إلهي لماذا لم تعطني الكمالات النّباتيّة، وكذلك ليس للنّبات حق الاعتراض بقوله لماذا حرمتني من كمالات العالم الحيوانيّ، كذلك الحيوان لا يليق به أن يشكو من حرمانه من الكمالات الإنسانيّة، بل إنّ كلّ الأشياء كاملة في مراتبها ويجب عليها أن تتحرّى الكمالات في رتبتها فالكائنات الدّانية كما سبق ليس لها الحقّ ولا الصّلاحيّة لمقام وكمالات ما هو أعلى منها، بل يجب عليها أن تطلب الكمال والرّقيّ في رتبتها، وكذلك سكون الإنسان وحركته يتوقّفان على تأييد الحضرة الأحديّة، وإذا انقطع عنه المدد الإلهيّ لما استطاع عمل الخير أو فعل الشّر، ولكن عندما يأتيه مدد الوجود من ربّ الجود فإنّه يستطيع أن يعمل الخير وأن يفعل الشّر كليهما، أمّا لو انقطع المدد يكون عاجزاً بالكلّيّة، هذا هو السّبب في ذكر أمر توفيق الباري وتأييده في الكتب المقدّسة، مثل هذا المقام مثل السّفينة تتحرّك بقوّة الرّياح والبخار، فإذا انقطعت هذه القوّة ما تحرّكت أبداً، ومع وجود هذا فحيثما يوجّهها السّكّان فإنّ قوّة البخار تدفعها إلى الاتّجاه المطلوب، فإن وجّهت إلى الشّرق تذهب إلى الشّرق وإن وجّهت إلى الغرب تذهب إلى الغرب، فهذه الحركة ليست من السّفينة بل من الرّياح والبخار، وكذلك جميع حركات الإنسان وسكناته مستمدّة من فيض الرّحمن، ولكنّ اختيار الخير أو الشّر راجع للإنسان.
وكذلك لو عيَّن الملك حاكماً لهذه المدينة وأعطاه السّلطة والنّفوذ وعلّمه طريق العدل والظّلم بموجب القانون، فلو ظلم هذا الحاكم – ولو أنّ ظلمه بقوّة الملك ونفوذه – فإنّ الملك لا يرضيه هذا الظّلم، ولو عدل كان ذلك بنفوذ الملك أيضاً، والملك يرضيه هذا ويسرّ به، والمقصود أنّ اختيار الخير والشّر راجع إلى الإنسان وفي كلّ الأحوال يتوقّف على مدد وجوديّ من الله القدير، فالسّلطنة الإلهيّة عظيمة والكلّ أسير في قبضة قدرته، والعبد لا قدرة له على أمر بإرادته، والله هو المقتدر القويّ وواهب القوّة لجميع الكائنات، فهذه المسألة صارت واضحة مشروحة والسّلام.