يعتقد السّوفسطائيّة أنّ الموجودات عبارة عن أوهام وكلّ موجود وهم محض لا وجود له أبداً، أي أنّ وجود الكائنات عندهم كالسّراب أو كالصّور المرئيّة في الماء أو المرآة الّتي هي مجرّد ظهور لا أصل لها ولا أساس ولا حقيقة أبداً، وهذا رأي باطل، لأنّ وجود الكائنات وهميّ بالنّسبة إلى وجود الحقّ، ولكنّ للموجودات في رتبة الإمكان وجود حقيقيّ ثابت لا يقبل الإنكار، فمثلاً وجود الجماد بالنّسبة إلى وجود الإنسان عدم، لأنّ الإنسان إذا انعدم بحسب الظّاهر صار جسده جماداً، ولكنّ الجماد له وجود في عالم الجماد، إذاً اتّضح أنّ التّراب بالنّسبة إلى الإنسان معدوم ووجوده وهم، ولكنّه في الرّتبة الجماديّة له وجود، وكذلك وجود الموجودات بالنّسبة إلى وجود الحقّ وجود وهميّ وعدم محض، وما هو إلاّ مجرّد ظهور كالصّورة التي تظهر في المرآة، ولكنّ تلك الصّورة الظّاهرة في المرآة وإن كانت أوهاماً ولكن حقيقتها شخص العاكس الّذي ظهرت صورته في هذه المرآة. وبالاختصار إنّ الصّورة المنعكسة بالنّسبة إلى الشّخص الظّاهر أمام المرآة هي وهم، إذاً اتّضح أنّ الموجودات وإن كان وجودها لا يعتبر وجوداً بالنّسبة إلى وجود الحقّ بل هي بمثابة السّراب والصّور التي تظهر في المرآة، ولكن لها وجود في رتبتها، ولهذا فحضرة المسيح كان يعتبر الغافلين عن الحقّ والمنكرين أمواتاً، مع أنّهم كانوا بحسب الظّاهر أحياء، ولكنّهم أموات وصمّ وبكم وعمي بالنّسبة لأهل الإيمان، وهذا هو مقصود حضرة المسيح حيث يقول "دع الموتى يدفنون موتاهم" .