قد سمع نداء الله هذا القاصد الأمين والرسول المبين حضرة الشيخ سلمان، عليه بهاءالله، في بلدة هنديان. فأصبح كالطير الروحاني طائرًا في أوج السرور منجذبًا بدرجة أدّت إلى سفره راجلاً إلى طهران. ولشدّة شوقه واشتياقه وشغفه وولهه الذي لا يُضارع اختلط خفية بالأحباء في طهران، وما لبث أن تعقّبته الشِّحنة ذات يوم وهو سائر في الطريق مع حضرة آقا محمد تقي الكاشاني، عليه بهاءالله الأبهى، وعرفوا المنزل الذي يأوي إليه وفي اليوم التالي أخذت الشرطة في التحرّي عنه إلى أن عثروا عليه وألقوا القبض عليه وساقوه إلى مركز البوليس حيث سأله المأمور قائلاً: "من أنت ومن أين أتيت؟" فقال: "أنا سلمان من أهالي بلدة هنديان، ومررت بطهران وأنا في طريقي إلى خراسان قصد التشرف بزيارة سيّدنا الرضا عليه السلام". فقال المأمور: "لماذا كنت سائرًا البارحة مع ذلك الشخص لابس العباءة البيضاء؟" فقال الشيخ سلمان: "ذلك لأني بعته عباءة يوم أول من أمس وأردت البارحة أن آخذ منه الثمن". فقال المأمور: "كيف ائتمنته على الثمن وأنت رجل غريب ولست من أهل طهران؟" فقال الشيخ سلمان: "قد كفله أحد الصيارفة المدعو آقا محمد الصراف عليه بهاءالله". فأرسل المأمور أحد الشرطة برفقته إلى محلّ آقا محمد الصراف لتحرّي الحقيقة. ولما وصلا إلى محلّ الصراف المذكور، أقبل الشرطي على الصراف وقال: "قص علي قصة كفالتك لشاري العباءة من هذا الرجل". فأجاب الصرّاف بقوله: "لا علم لي بذلك" فالتفت الشرطي إلى الشيخ سلمان غاضبًا وقال: "الآن قد برح الخفاء فلا مناص من أنك من البابيين".
ثم قاد الشيخ إلى مركز البوليس وبينما هما في طريقهما إلى المركز قد اخترقا مفرق الطرق وفي تلك الأثناء أتى شخص تاجر أصله من بلدة شوشتر وأخذ في مصافحته ومعانقته لأنه كان لابسًا عمامة كعمامة أهالي شوشتر وقال: مرحبًا بك وأهلاً وسهلاً يا حضرة السيد محمد علي المحترم، أين كنت ومتى أتيت؟" فقال الشيخ سلمان: "أتيت منذ أيام والآن أنا في قبضة هذا الشرطي". فقال التاجر للشرطي: "ماذا تريد منه؟" فقال الشرطي: "إنه بابي". فقال التاجر: "أستغفر الله، إنني أعرف هذا المحترم، الأستاذ محمد علي، وإنه لمن المسلمين الأتقياء ومن شيعة سيدنا علي عليه السلام". ثم ناول الشرطي بعض الدراهم وخلّص الشيخ سلمان من يده. ولما دخلا حانوت التاجر أخذ هذا الأخير في الاستفسار عن أحوال الشيخ سلمان. وهنا أجاب الشيخ بقوله: "أنا لست ذلك الأستاذ محمد علي"، فأظهر التاجر دهشته ثم قال: "إنك والحقيقة هذه تماثل صاحبي الأستاذ محمد علي تمامًا في الشبه والملبس وبما أنك لست هو فيجدر بك أن تعطيني المبلغ الذي أعطيته للشرطي". فما كان من الشيخ سلمان إلا أن نَقَدَهُ المبلغ ثم توجّه توًّا نحو باب المدينة متوجّهًا إلى بلدة "هنديان" محلّ آقامته وبقي بها إلى أن شرّف الجمال المبارك أرض العراق العربي. فكان هذا الرسول الأمين الرحماني أول من قصد الساحة المقدّسة وفاز بشرف اللقاء والمثول بين يدي الحضرة، وعاد إلى بلده حاملاً لوحًا مباركًا من الساحة المقدّسة إلى أحباء هنديان.
وكان يسافر في كل عام إلى أرض المقصود قَصْد التشرّف بالزيارة ومشاهدة المحبوب ثم يعود حاملاً الألواح المباركة إلى الأحباء بأصفهان وشيراز وكاشان وطهران وغيرها من المدن ويوصلها لأصحابها بكل أمانة. واستمرّ على هذا الحال من سنة 1269 لغاية 1309ﻫ إلى أن وقع الصعود المبارك وهو لا يفتأ يذهب راجلاً من إيران إلى العراق فأدرنه فالسجن الأعظم (عكاء) بنهاية الميل والاشتياق والشغف ويعود بهذه الكيفيّة بالألواح كالعادة متحمّلاً وعثاء الطريق بعزيمة لا تخور، وكان غذاؤه في الأسفار الخبز والبصل في معظم الأوقات، وكان عظيم الحركة ولم تقع عليه أنظار الشحنة في مكان ما. وكان حريصًا كل الحرص على العرائض والألواح التي تكون في عهدته ولم يفقد منها شيئًا وأوصلها جميعها إلى أصحابها رغم تَجشّمه المتاعب والمشاق في الأسفار في بعض البلدان وكان صبورًا شكورًا.
كان الأهلون من الأغيار يُسمّونه جبرائيل البابيين. وحقًا، إنه قد خدم أمر الله مدّة حياته خدمة عظيمة إذ كان سببًا لترويج الأمر وكانت خدماته مورد سرور جميع الأحباء، لأنه كان يحمل البشارات الإلهية كل عام إلى المدن والقرى في إيران، وكان مقربًا لدى ساحة الكبرياء مشمولاً بالعنايات المخصوصة. وقد نزلت في حقّه ألواح شتّى تراها مدرجة في بطون الكتب الإلهية. واستمر بعد صعود الجمال المبارك، روحي لأحبائه الفداء، ثابتًا راسخًا على العهد والميثاق القويم لا يدّخر وسعًا في خدمة الأمر بما أوتي من قوة وهمّة ونشاط، ولم ينقطع عن الحضور إلى السجن الأعظم كعادته حاملاً مكاتيب الأحباء ويعود حاملاً الإجابة عنها ليوصلها إلى أصحابها في إيران، إلى أن حلّق بجناحيه في مدينة شيراز وطار إلى الملكوت الأبهى.
حقًا، إنه لم يُرَ في عالم الوجود منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا رسولٌ أمينٌ وقاصدٌ نورانيٌّ مثله. والآن توجد عدّة من ذويه واقعين في مخالب الفاقة والعوز لمناسبة الانقلاب الذي حلّ في إيران ومن المؤكد أنّ الأحباء لا يقصّرون في مدّ يد العون إلى المحتاج من ذويه. عليه بهاءالله الأبهى وعليه التحية والثناء.