تذكرة الوفاء - جناب آقا عبد الصالح الباغبان (البستاني)

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

جناب آقا عبدالصالح الباغبان (البستاني) – تذكرة الوفاء – آثار حضرة عبدالبهاء

﴿ هو الله ﴾

من المهاجرين والمجاورين في السجن الأعظم، كان جناب آقا عبدالصالح الباغبان من أولاد أحد قدماء الأحباء، توفي والده ونشأ يتيمًا ولم يكن له من معين. وقع مظلومًا في يد الأعداء حتى بلغ سن الحُلُمْ وعند ذلك طلب وجه المحبوب، فهاجر إلى سجن عكاء وفاز بالاشتغال كبستاني في حديقة الرضوان. وأصبح بستانيًا لا نظير له، متينًا في إيقانه رزينًا صادقًا وأمينًا، وكانت أخلاقه مصداق قوله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم"، ولهذا كان مسرورًا في عمله كبستاني في حديقة الرضوان. وبهذه الوسيلة تمتّع بشرف اللقاء في أغلب الأيام وشملته الموهبة العظمى لأن الاسم الأعظم، روحي لأحبائه الفداء، كان مسجونًا في قلعة عكاء محاصرًا نحو تسع سنوات مع وجود العساكر وأرباب الأمر في الثكنة بالقلعة وبعد ذلك انتقل الجمال المبارك وسكن في بيت وضيع بعكاء، ولم يضع جمال القدم قدمه خارج ذلك الكوخ الضيق وكان الأعداء والمعرضون يتجسسون عليه وما انقضى الأجل المحتوم بعد السنوات التسع حتى خرج الجمال المبارك بكل عظمة واقتدار من القلعة وسكن خارج عكاء في قصر ملوكي رغم أنوف الأعداء اللدودين، عبدالحميد وأعوانه، الذين أظهروا كمال الشدّة عليه في السجن ولكن حضرة بهاءالله، روحي لأحبائه الفداء، كان في نهاية العزّة والاقتدار كما يقرّ بذلك العموم. فكان يتنقّل حضرته من القصر إلى المزرعة فإلى حيفا حيث يمضي أيامًا على قمة جبل الكرمل في خيمته الخاصة والأحباء يأتون إلى محضره المبارك من جميع الديار ويفوزون بشرف اللقاء على مرأى من جميع أرباب الحكومة، ولم يقم أحد بالمعارضة وهذا من أعظم معجزات الجمال المبارك، وهو سجين كان يتحرك بكمال العظمة والاقتدار. كانت حياته حياة من كان في الإيوان ونفس السجن أصبح جنة الجنان ولم يحدث مثل هذا في القرون الأولى بمعنى أن شخصًا أسير السجون يترك معتقله بكل قوة واقتدار. ورغم رزوحه تحت السلاسل والأغلال فقد وصل صيت أمر الله إلى فلك الأثير وفتح الكثير من مدائن القلوب في شرق الأرض ومغربها وسخّر الأكوان بحركة من القلم الأعلى وهذا ما امتاز به هذا الظهور العظيم.

وقد حضر ذات يوم إلى القصر المبارك أرباب الحكومة وأمراء المملكة وعلماء المدينة ومشاهير عرفائها ولكن جمال القدم لم يجعل لمجيئهم أهمية ولم يصرح لهم بالورود في ساحته المقدّسة ولم يستفسر عن أحوالهم. أما هذا العبد فقد جلس معهم ساعة من الزمان أو ما يزيد يتحدث معهم حتى استأذنوا بالانصراف ثم قفلوا راجعين.

كان المرسوم الملكي القاضي بسجن الجمال المبارك يحتم بقاء حضرته داخل القلعة في حجرة على انفراد يحيط بها الجند والحراس بحيث لا يضع قدمه خارج تلك الحجرة ولا يقابل أحدًا من الأحباء، ومع هذا التشديد والحكم الصارم كانت خيمة حضرته وسرادقه المبارك منصوبة على جبل الكرمل. فأي قوة وأي قدرة أعظم من هذا! حيث ارتفع علم الرحمن في غياهب السجن وتموج لواء أمره على أعلى التلال في جميع الآفاق. سبحان من له هذه القدرة والعظمة. سبحان من له العزة والكبرياء. سبحان من له الغلبة على الأعداء وهو في سجن عكاء!

وأيم الحق، إن طالع عبدالصالح المذكور لمرتفع ونجمه لمحظوظ لأنه كان فائزًا باللقاء أعوامًا عدة مستمتعًا بهذه الخدمة. أمضى أيامه متحليًا بالأمانة والديانة والصداقة خاضعًا خاشعًا لدى جميع الأحباء لم يَظهر الكدر من أحد طيلة أيام حياته وفي النهاية انتقل من مجاورة البستان إلى جوار الرحمة الكبرى.

كان جمال القدم عنه راضيًا ونزلت من القلم الأعلى زيارة في حقه، تتلى على قبره، وعدّة ألواح مباركة وخطابات من الفم المبارك له وكل ذلك مدرج في الكتب والألواح. وعليه البهاء الأبهى وعليه الرحمة في الملكوت الأعلى.

المصادر
المحتوى
OV