تذكرة الوفاء - جناب الأستاذ إسماعيل

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

جناب الأستاذ إسماعيل – تذكرة الوفاء – آثار حضرة عبدالبهاء

﴿ هو الله ﴾

من جملة النفوس المباركة حضرة الأستاذ إسماعيل المعماري، روح المخلصين له الفداء، لقد كان رجل الحق هذا كبير المعماريين لدى أمين الدولة، فرّخ خان، بطهران وكان عزيزًا ذا اعتبار زائد وفي بحبوحة من العيش محترمًا مسرورًا حتى أصبح شخصًا نورانيًا مفتونًا بجمال المحبوب عاشقًا ولهانًا، وأزال بنار العشق كل حجاب وستار متشبثًّا بذيل رداء محبة المحبوب واشتهر في طهران بأنه الركن الركين للبهائيين. وكان أمين الدولة يبذل ما في وسعه للمحافظة على الأستاذ إسماعيل وحمايته في بداية الأمر ولكنه أخيرًا أحضر الأستاذ عنده وقال له: "يا أستاذ أنت عزيز لدي للغاية وقد عملت ما في طاقتي لحمايتك والمحافظة عليك من أعدائك، غير أن الشاه قد وقف على حقيقة أمرك وأنت تعلم مقدار غضبه وميله لسفك الدماء. لهذا أخشى أن يأمر، على حين غرّة، بشنقك، وعليه، أرى من المستحسن أن تبادر بمبارحة هذه الديار إلى ديار أخرى لتخلص من هذا الخطر الداهم". فرضخ الأستاذ لنصيحة أمين الدولة وهاجر إلى العراق، وهو لا يملك شيئًا من حطام الدنيا. ومرّت عليه أيام تقلّب في خلالها على بساط الإفلاس هو وزوجته حديثة الاقتران به، والتي كان متعلقًا بها بدرجة لا توصف. وما لبث أن جاءت أمّ زوجته إلى العراق وتمكّنت بكل حيلة وتدبير من أخذ ابنتها إلى طهران بصفة مؤقتة برضاء الأستاذ طبعًا، ولما وصلت إلى طهران ذهبت إلى المجتهد وقالت له: "إن زوج ابنتي قد ارتدّ عن دينه، ولذا فقد أصبحت ابنتي محرّمة عليه. فما كان من المجتهد إلا أن أصدر حكمًا بطلاق ابنتها من زوجها، وزوّجها لغيره. وما أن وصل هذا الخبر، إلى الأستاذ إسماعيل، المؤمن الصادق حتى ضحك وقال: "الحمد لله الذي وفّقني على هذه التضحية الطاهرة في سبيله، والآن لم يبق لدي من شيء حتى الزوجة قد ذهبت، لقد وفّقت بهذه التضحية".

ومختصر القول، إن جمال القدم والاسم الأعظم، روحي له الفداء، قد بارح بغداد إلى الروملّي وبقية الأحباء في بغداد إلا أقلهم. فقام عليهم أهالي بغداد وأرسلتهم الحكومة أسرى إلى الموصل، أما الأستاذ إسماعيل الجليل فقد سافر راجلاً، مع وهْن عظمه وكِبر سنه ولا زادٌ ولا مالٌ، إلى السجن الأعظم بعد أن طوى القفار وتسلق الجبال وقطع الوِهاد والوديان وحال وصوله رقم له الجمال الأبهى بعض الأبيات الغزلية من نظم، الملا الرومي، وأمره بأن يتوجه إلى النقطة الأولى، حضرة الأعلى، بتلك الأبيات الغزلية بصوت رخم ولحن بديع. فالأستاذ إطاعة للأمر المبارك، مضى أوقاته مترنّمًا بهذه الأبيات الغزلية (ما ترجمته):

أيها العشق قد تملك مني من جرّائك جنون وحيرة

وبهذا اشتهرت بين البرايا حيث قالوا: ابتغي لك غيره

كيف أسلوه وقد سجلوني في رأس تعداد من تحمل ضيره

بعد ما كنت أول العارفين بل ممن محى في المعارف عمره

أيها الخمر الذي لا أرتضيه للمبيع مرة إثر مرة

رأس مالي اضطرابي لو أني ذلك الناي في يديك مقره

أنت ضارب الناي في كل حين بنعمة كلحن الحبيب في كل فتره

وإذا ابتغيت تنفسًا في حياتي فهاكني منذ قرن ميت بالمره

وأنت روح المسيح حيٌّ فحيٌّ وهو روح الحياة إذ ليس غيره

أولٌ أنت وآخرُ بل وظاهر أنت وباطن جلّ ستره

أنت مستور عن العيون ولكنّ نورك للعيون قد ذاع أمره

نعم، إن هذا الطير مكسور القوادم والخوافي قد اشتغل بهذا اللحن البديع وقصد مقر المحبوب. ولما فاز بشرف اللقاء في القلعة عدّة أيام، صدر الأمر المبارك له بالسكن بلدة حيفا. فذهب إليها ولم يجد مسكنًا ولا مأوىً يقيه برد الشتاء وقيظ الشمس فسكن في مغارة خارج المدينة فريدًا وحيدًا بلا أنيس ولا صديق. وهيّأ عددًا من الخواتم وبعض الأواني الخزفية والأبر والدبابيس وما إلى ذلك، وصار يحوم بها في الطرقات طول النهار قصد بيع شيء منها، وكان محصلة ما يبيع مبلغًا زهيدًا لا يتجاوز القرشين في اليوم الواحد وطورًا أقل من ذلك وطورًا أكثر بقليل. ثم يعود إلى الكهف قانعًا بكِسرة من الخبز يسدّ بها رمقه ثم يأخذ في التسبيح والتهليل وتقديس الرب الودود شاكرًا ربّه على هذه النعمة ويقول: "الحمد لله الذي جعلني فائزًا بهذه النعمة وقد أصبحت مقطوعًا عن المعارف والأقرباء وآقامني ربي في هذه المغارة الصغيرة وجعلني ممن يشرون يوسف الإلهي. ما أعظم هذه النعمة‍‍!".

ثم إنه صعد وهو على هذا الحال إلى جوار الربّ المتعال. وطالما أظهر جمال القدم رضاه في حقّه وكان على الدوام مشمولاً بالألطاف المباركة ملحوظًا بلحظات عين الكبرياء. عليه التحية والثناء وعليه البهاء الأبهى.

المصادر
المحتوى
OV