من جملة المهاجرين والمجاورين والمسجونين، جناب آقا ميرزا محمود من أهالي كاشان، عليه بهاءالله الأبهى، وجناب آقا رضا من أهالي شيراز. كان هذان الشخصان المباركان شمعتي محبة الله المشتعلتين بدُهن معرفة الله، وُفِّقا منذ طفولتهما على القيام بالخدمات المتنوعة في ظل العناية الإلهيّة مدة خمسة وخمسين عامًا. إن القلم يعجز عن حصر الخدمات التي قاما بتأديتها وتقريرها. ولما تحرك الموكب المبارك من بغداد قاصدًا اسلامبول، كان في المعيّة المباركة جمع غفير من الأصحاب وكان غلاء المعيشة شيئًا لا يطاق، والقحط في الطريق ضاربًا أطنابه، فوقع أفراد القافلة في حيرة ولكن الشخصين المذكورين كانا يقطعان مسافة لا تقل عن سبعة أو ثمانية فراسخ كل يوم لشراء ما يسدّ رمق الأصحاب، غير مبالييْن بالرمضاء ووعثاء الطريق، سائرين على الأقدام، ثم يعودان إلى الركب وقد أنهكهما التعب، ويسرعان على الفور بطهي الطعام وإعداده مما أدّى إلى راحة الأحباء، وحقًا إنهما كانا يتحملان المشاق الجسيمة في هذا السبيل، وكانت عيونهما في بعض الأيام لا تذوق طعم النوم أكثر من ساعتين أو ثلاث في الأربع وعشرين ساعة، لأنهما كانا بعد أن يتناول الجميع طعامهم، يباشران في غسل الصحون وما إليها من أدوات الطبخ حتى منتصف الليل، ثم يناما إلى طلوع النهار، ثم يجمعان الصحون والأدوات ويحزمانها ويسيران بجوار الهودج المبارك.
لاحظوا عِظم الخدمات التي وُفّقا إلى القيام بها، والموهبة التي اختُصّا بها حيث كانا يسيران على الأقدام، بجوار الركب المبارك، المسافات البعيدة من بغداد إلى اسلامبول وكانا سببًا لسرور الأحباء وباعثًا على راحة الجميع وابتهاجهم، وعلى كمال الاستعداد لإحضار كل ما يطلبه كل حبيب.
وبالإجمال، إن آقا رضا وآقا ميرزا محمود كانا من جواهر محبة الله منقطعيْن عما سوى الله، لم يئنّا مما كانا رازحيْن تحته من ثقيل الأعباء وعظيم المتاعب والمشاق، ولم يتكدّر منهما أحد، ناسجيْن على مِنْوَل الصداقة والأمانة في جميع الأحوال، وتشملهما عنايات الجمال المبارك في كل الأحايين، وتراهما على اتصال في المحضر المبارك فائزيْن بالتشرف. وكان الجمال المبارك يُظهر دائمًا الرضا في حقهما.
أما آقا ميرزا محمود، فقد سافر من كاشان إلى بغداد وهو في سن البلوغ، وأما آقا رضا فقد آمن بالظهور في بغداد. كان لهذيْن الحبيبْين حالات عجيبة وكانا يسكنان مع خمسة من الأحباء الأجلاء في غرفة بسيطة للغاية في مدينة بغداد لضيق ذات اليد، وكانت عيشتهم ضنكًا ولكنهم كانوا على درجة من الروحانية لا تُضارع بحيث كانوا يرون أنفسهم أنهم في فردوس الجنان، روح الفرح والسرور سائدة بينهم يسهرون في بعض الليالي مشتغلين بتلاوة الأدعية ويسعون في النهار في طلب الرزق والكسب من الصباح إلى المساء، وكان دخل الواحد منهم في اليوم يتراوح ما بين ربع القرش و نصفه أو ما يقرب من القرش الواحد. وكانوا يجمعون ما حصلوا عليه طول النهار ويشترون به طعامًا لهم. واتفقوا إن أصاب أحدهم نصف قرش أو قُل ثلاثة أرباع القرش ولم يكسب الآخرون فلسًا، حمدوا ربهم واشتروا بما أصابه ذلك الفرد تمرًا وقنعوا بذلك عشاءً لهم. وكانوا يعيشون بقناعة متناهية فرحين مسرورين غير متأففين من هذا الحال.
وخلاصة القول، إن هذين الشخصين المحترمين أمضيا أيامًا سعيدة في فضائل العالم الإنساني، وكانا من أهل البصيرة والعقل الراجح والأذن الواعية وحلاوة الحديث، وما كان أملهما إلا رضاء المبارك، ويعتبران خدمة العتبة المقدّسة أعظم موهبة وكانا بعد وقوع المصيبة الكبرى، يعني صعود الجمال المبارك، مضيئيْن كالشمع يتمنّيان الانتقال إلى الدار الآخرة. أما ثباتهما على العهد والميثاق فكان عظيمًا، وسعيا بكل ما في مكنتهما في ترويج أمر نيّر الآفاق، واتّخذا عبدالبهاء جليسهما ومؤانسًا لهما ومحلّ اعتمادهما في جميع الأمور. وكانا متواضعيْن خاضعيْن خاشعيْن مبتهليْن، ولم ينبسا ببنت شفه تدلّ على أن لهما كيانًا أو وجودًا، متفانييْن تفانيًا كليًّا إلى أن صعدا إلى ملكوت العزة في غيبة عبدالبهاء عن أرض المقصود. فتأثّرت جدّ التأثر وتحسّرت شديد الحسرة على أنني لم أكن حاضرًا وقت عروجهما إلى الأفق الأعلى ولكنني كنت حاضرًا بالقلب والروح متأثرًا متحسرًا وإن يكن على حسب الظاهر لم يتيسّر لي أن أودعهما الوداع الأخير ولهذا تراني متأثرًا.
عليهما التحية والثناء، وعليهما الرحمة والبهاء وأسكنهما الله في جنة المأوى وظل سدرة المنتهى مستغرقيْن في بحر الأنوار عند ربهم العزيز المختار.