كان بين الذين هاجروا إلى بغداد، الشيخ صادق اليزدي، وكان هذا الشيخ كالنخلة الباسقة في البستان الإلهي، وكالنجم البارق في أفق محبة الله. هاجر إلى العراق في ظل نيِّر الآفاق، أما انقطاعه وانجذابه فلا حد لهما. كان محبة مجسّمة، وعشقه بارزًا، ولم يتوان عند ذكر الحق طُرفة عين، ولم يدرِ شيئًا عن الدنيا وما فيها غارقًا في بحر التذكر والتبتّل والتضرّع والابتهال في جميع الأوقات، لا يجف دمعه في كثيرٍ من الأحيان. واختصه جمال القدم بعناياته وعطفه حتى أصبح الشيخ عناية مجسمة.
جاءني الخبر يومًا بأن الشيخ في سكرات الموت فأسرعت لعيادته فوجدته في النزع الأخير مما أصابه من شديد المغص المهلك، فتوّجهت إلى ساحة الأقدس (حضرة بهاءالله) وعرضت الأمر على حضرته فتفضل بقوله: "اذهب وضع يدك على موضع المغْص وقل: "يا شافي". فعدت إلى الشيخ مسرعًا وإذا بمكان المغص قد تورّم وبرز الورم كتفاحة صلبة كالحجر، وكان الشيخ يتقلّب ويتلوّى على الأرض كالحيّة دون هوادة. فوضعت يدي، في الحال، فوق ذلك الورم وتوجهت إلى الله متضرعًا وقلت: "يا شافي". فما لبث الشيخ أن انتفض قائمًا وقد زال عنه المغص وتحلّل الورم للتو ثم غاص.
وأيم الله، إن تلك الروح المجسّدة (الشيخ) أمضى أيامه في العراق مبتهجًا إلى أن تحرك الموكب المبارك من العراق. أما هو فقد بقي في العراق امتثالاً للأمر المبارك، وما لبث أن اشتعلت بين ضلوعه نيران محبة الله فجعلته لا يطيق الصبر على البقاء في بغداد بعد رحيل حضرة بهاءالله وما كاد الموكب يصل إلى الموصل حتى همّ الشيخ مسرعًا إثر الموكب المبارك حافي القدمين حاسر الرأس إلى أن أدركته المنيّة في الصحراء ودخل في جوار الرحمة الكبرى. سقاه الله كأسًا مزاجها كافورًا وأنزل على جدثه مطر من الماء الطهور وعطّر ترابه بالمسك الزكيّ في تلك الصحراء وأنزل عليه طبقات من النور.