تذكرة الوفاء - جناب شاه محمد أمين

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

جناب شاه محمد أمين – تذكرة الوفاء – آثار حضرة عبدالبهاء

﴿ هو الله ﴾

جناب محمد شاه الملقب بالأمين هو من قدماء أحباء الله عاش كالشارد التائه في بيداء الانجذاب. سمع النداء الإلهي وهو في عنفوان الشباب فتوجه إلى الملكوت الرباني وشق ستار الأوهام حتى وصل إلى مقصود القلب والروح. لم تمنعه شبهات القوم ولا شديد اللوم ولم يحل دون مقصود قلبه من حائل ولم تزلزله عواصف المصائب المتراكمة بل كان في كمال الثبوت والاستقامة. قاوم المعرضين والمعترضين يوم ظهور نور الحقيقة وكلما جدّ هؤلاء في إلقاء الشبهات ازداد هو ثبوتًا واستقامة وكلما أظهروا الشدة في مناوأته وأذاه ثبتت قدماه حتى أصبح مفتون جمال الكبرياء، ومجنون الجمال الأبهى، وفائرة محبة الله، وفوارة معرفة الله، وتملّكت منه شعلة نار العشق حتى أضاعت منه الصبر والاستقرار ولم يعد يتحمل ألم الفراق فبارح ولاية يزد (موطنه) وطوى الفيافي والقفار غير عابئ بوعثاء الطريق والتلال والرمضاء والصحارى من شدة شوقه لاستنشاق نسيم الصبا إلى أن وضع قدمه في رحاب محبوب الأرواح وتخلّص من ألم الفراق وفاز بشرف اللقاء في العراق. ولمّا وجد محبوب الآفاق وحظي بمشاهدة طلعته أخذ بعد ذلك في ترك جميع الأفكار وتخلّص من كل قيد حتى أصبح مظهر العناية غير المتناهية وآقام عدة أيام بالعراق ثم صدر له الأمر بالعودة إلى إيران حيث أمضى عدة أيام كان إبّانها خير أنيس وجليس للأحباء وأشعلت نفسه الطاهرة نار الحب والانجذاب في قلوب الأحباء وخلق فيهم الوله والشوق اللذين لم يعهدوهما ثم ذهب إلى السجن الأعظم بصحبة جناب ميرزا أبو الحسن الأمين الثاني عليه بهاءالله الأبهى وذاق الأمرّين في تلك الرحلة واحتار في أمره إذ كان دخول السجن أمرًا عسيرًا. وفي النهاية فاز بشرف اللقاء في الحمام الذي كان الجمال المبارك يغتسل فيه. وما أن وقع نظر حضرة الأمين الثاني – ميرزا أبو الحسن- على مظهر الكبرياء في الحمام حتى تأثر واعترته الرعشة وارتعدت فرائصه حتى وقع على أرض الحمام فشجّت رأسه وسال دمه.

وعلى الجملة، إن حضرة أمين المذكور يعني شاه محمد قد فاز بلقب "الأمين" وأصبح مظهر الألطاف اللانهاية وحامل الألواح الإلهية. ثم سافر إلى إيران مرّة أخرى وهو في غاية الوله والانجذاب القلبي والروحي، وقام بما كُلّف به من الخدمات بكمال الأمانة وكانت خدماته ذات قيمة لأنها جلبت الراحة للأحباء. كانت همته لا نظير لها وكان في تأدية الخدمات عديم النظير وظلاً ظليلاً بين الخلق. وانتشر صيت عبوديته للعتبة المقدّسة في كل صقع واشتهر في محافل الأحباء. لم يهدأ دقيقة واحدة ولم يسترح في مضجعه ليلة كاملة وكان في أغلب لياليه لا يلتحف غير السماء وكان في نهاره كالطير الطائر أو كالظبي الشارد مسرعًا في طلب مقام الوحدانية فسُرّ منه جميع الأحباء كل السرور، إذ كان هو بشير السرور للجميع ومدينة الحب والعطف، تائهًا في بادية محبة المحبوب يقطع البراري والوديان والقفار كالريح العاصف لا يستقرّ حتى على أعلى التلال وشامخ الجبال. تراه يومًا في إقليم بالنهار ويَتَنَوّح ليلاً في مملكة أخرى لا يستقرّ ولا يهدأ، قائمًا على الخدمة إلى أن وقع أسيرًا في يد الأشرار من الأكراد بين البحرين في أذربيجان وقتلوه ظلمًا وعدوانًا لظنّهم أنه أحد أعدائهم أتى من قبيلة معادية لهم. فقضى ذلك الحبيب نحبه شهيدًا مظلومًا. وما أن وصل خبر استشهاده إلى أرض السجن حتى عمّ الحزن الشديد وذرفت عيون المسجونين من الأحباء بدل الدمع دمًا على ذلك الشخص جليل القدر، وظهرت آثار الحزن لدى الساحة المقدّسة فجرى القلم الأعلى بالعناية في حق ذلك الشهيد، شهيد الفيافي والقفار عناية لا نهاية لها فضلاً عمّا بحقه من الألواح التي نزلت باسمه. والآن هو في جوار الرحمة الكبرى في جنة الأبهى مع طيور القدس في صحبة وابتهاج، غريقًا في محفل تجلّي الأنوار. عليه التحية والثناء وعليه البهاء الأبهى وعليه الرحمة الكبرى.

المصادر
المحتوى
OV