من جملة المهاجرين والمجاورين والمسجونين جناب آقا عبدالغفار من أهالي أصفهان. وقد أمضى هذا الرجل النبيل عدة سنوات مشتغلاً بالسياحة والتجارة في بلاد الروم وطوّحت به يد الترحال إلى بلاد العراق فهداه أحد مواطنيه، المدعو آقا محمد علي، من أهل الصاد، إلى الدخول في الساحة المقدّسة، ساحة حقيقة الموجود ومليك الوجود، فأزاح ستار الأوهام وطار بجناحيّ الفلاح والنجاح في فضاء محبة الله. ولمّا كان الحجاب الذي حجبه عن الحق رقيقًا تخلّص بمجرد إلقاء الكلمة عليه من عالم الموهوم والتجأ إلى حضرة المعلوم ثم سافر معنا من العراق إلى المدينة الكبرى (إسلامبول)، وكان في الطريق خير أنيس للجميع مطيعًا وأمينًا ممازجًا للجميع وكان ترجمانًا للأحباء، لأنه كان يتقن اللغة التركية كل الإتقان، وقطع الرحلة مرضيًّا عنه بكمال الرَوْحْ والريحان وكان يواسي الأحباء في الآستانة ويجالسهم، ونسج على هذا المنوال أيضًا في أرض السرّ (أدرنه) ثم أُخذ معنا مسجونًا إلى ميناء حيفا. فأبى مفتش الشرطة إنزاله من السفينة وأمر بإرساله إلى جزيرة قبرص، وشدّد في ذلك، وأراد إرساله بالقوة إلى قبرص، فلما رأى جناب آقا عبدالغفار ذلك ضاق ذرعًا وألقى بنفسه من سطح السفينة إلى اليمّ، ولم يتنبّه المأمور، عديم الحياء، مما حدث وبالآخرة انتشلوه من البحر وسجنوه في الباخرة وأرسلوه بكل عنف وتجبّر إلى جزيرة قبرص وسجنوه بمقاطعة ماغوستا في أنحاء الجزيرة. أما هو فقد تمكّن، بأي وسيلة، من الفرار وذهب إلى عكاء وسمّى نفسه عبدالله بدلاً من عبدالغفار لينجو من شرّ الشرطة والعيون. وعاش عيشة طيّبة في ظل العناية المباركة هادئًا في روح وريحان إلى أن صعد النيّر الأعظم إلى الأفق الأعلى فتبلبل وارتبك وأحاطت به الأحزان من كل الجهات واستولى عليه القلق والحيرة وما لبث أن سافر إلى الشام وأمضى أيامًا هناك واقعًا في مخالب اليأس والأحزان وكأنه في مأتم ليل نهار، مهمومًا مغمومًا حتى وقع مريضًا فأرسلنا جناب الحاج عباس ليعوله ويواظب على معالجته ومواساته، فبذل هذا الأخير كل ما في وسعه في معالجته وكان يخبرنا يوميًا عن حالة ذلك المريض.
وبالإجمال، كان جناب آقا عبدالغفار يحادث الحاج عباس ويبدي له أن منتهى آماله أن يطير إلى عالم الأسرار إلى أن حان حينه ورحل إلى ساحة نيّر الآفاق غريبًا ومهاجرًا وفارق كل عارفيه. حقًا، إنه كان حلو الحديث ليّن العريكة حليمًا صبورًا سليم القلب وعلى خلق عظيم. عليه الثناء، وعليه البهاء الأبهى، وعليه الرحمة من ربّه العلي الأعلى. وقد تعطّرت أرض الشام بمواراته في تربتها.